المعارضة تئن تحت وطأة نكساتها السياسية والعسكرية

المعارضة السورية تشعر بمرارة وهي ترى النظام السوري يحكم قبضته على البلاد بدعم روسي وإيراني، فيما يزداد موقفها ضعفا مع انتكاسات ميدانية وسياسية.

المعارضة السورية تشكو تخلي العالم عنها
المعارضة السورية بشقيها المعتدل والمتشدد تخسر الأرض والدعم
الخلافات والانقسامات أضعفت موقف المعارضة السورية  

بيروت - بعد نحو ثماني سنوات من نزاع دام، تسيطر خيبة الأمل على معارضين سوريين يرون الدول التي كانت يوما داعمة لهم تتخلّى عنهم وينظرون بمرارة إلى عودة نظام كانوا يطالبون بسقوطه إلى إحكام قبضته على البلاد.

وبات وجود الناشطين والمقاتلين المعارضين يقتصر إجمالا على منطقة محدودة في شمال سوريا، بعد ما استعاد النظام السوري بدعم روسي وإيراني، السيطرة على معظم الأراضي التي خسرها في أول الحرب، بينما فرّ آخرون إلى بلاد وقارات أخرى.

ويقول شادي مطر (27 عاما)، الناشط المعارض من مدينة داريا قرب دمشق "أنا أبحث اليوم عن وطن".

وفي العام 2011، شارك شادي في أولى التظاهرات ضد النظام في داريا التي كانت في طليعة المناطق التي شهدت احتجاجات ضد النظام، ثم أصبحت من أولى البلدات التي فرضت عليها قوات النظام حصارا خانقا.

وفي صيف العام 2016، خرج شادي مجبرا من مدينته ضمن عملية إجلاء مهدت لسيطرة الجيش السوري عليها، قبل أن ينتقل في بداية 2017 إلى تركيا.

ويقول الشاب السوري "كنا نرى في وقوف بعض الدول ومنها العربية إلى جانب مطالبنا، عاملا إيجابيا مشجعا، كنت أتخيل أن هذه الدول ستمنع النظام من ارتكاب المزيد من العنف".

وأضاف "اليوم، لا أستطيع العودة إلى سوريا ما دام النظام باقيا ولا يمكنني اللجوء إلى معظم الدول التي كانت حكوماتها تقول إنها تساند الشعب السوري المظلوم، فجميع حدودها مغلقة في وجه السوريين".

وفي العام 2011، وبعد قمع الاحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى نزاع مدمر متعدد الأطراف، سارعت عدة دول غربية وعربية إلى مقاطعة الرئيس بشار الأسد ودعم معارضيه.

ونظمت مؤتمرات لما سميّ "مجموعة أصدقاء سوريا" وتمّ تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وفرضت عقوبات غربية على الحكومة السورية.

لكن الدول الغربية توقفت منذ زمن عن المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد ولم يعد لها أي دور حتى في المفاوضات السياسية الجارية حول النزاع والتي ترعاها روسيا وإيران، حليفتا النظام السوري، وتركيا الداعمة للمعارضة والتي تتجه لحلول عملية تؤمن حدودها فحسب.

ويجد السوريون صعوبات جمة في الحصول على تأشيرة دخول إلى أي بلد، لا سيما في ظل السياسات المتشددة التي باتت تعتمدها معظم الدول الغربية في موضوع الهجرة.

الفصائل السورية المسلحة فقدت معظم مناطق سيطرتها
الفصائل السورية المسلحة فقدت معظم مناطق سيطرتها

وسُجّلت مؤخرا عدة مؤشرات على بدء موجة انفتاح عربي على دمشق تجلت في زيارة مفاجئة للرئيس السوداني عمر البشير، هي الأولى لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع النزاع، تلتها إعادة فتح الإمارات والبحرين سفارتيهما في سوريا.

وجاءت الخطوة الإماراتية بعد دراسة متأنية وتقييم للتطورات في الساحة السوري التي استوجبت تحركا عربيا لقطع الطريق على التغول الإيراني والتركي في الساحة السورية.

وأبدت الإمارات منذ تفجر الأزمة السورية حرصها على وحدة الأراضي السورية وعلى حل سلمي ينهي معاناة الشعب السوري.

ولم تنجح المعارضة المعتدلة منها والمتشددة في توحيد صفوفها وساهم تشتتها وخلافاتها في تعزيز النظام السوري لنفوذه، ما أضعف موقفها التفاوضي إلى جانب نكساتها الميدانية.

وفي المقابل كانت إيران الداعمة للنظام السوري قد عززت تواجدها في الساحة السورية، فيما تزايد النفوذ التركي  تحت عناوين مختلفة منها التصدي للإرهاب وحماية أمنها القومي.

وخلق الغياب العربي عن الساحة السورية فراغا حرصت إيران وتركيا على استثماره تماما كما حدث سابقا في العراق.  

وعلى حسابه على موقع تويتر، انتقد نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة، التوجه الجديد للدول العربية.

وقال "يسجل التاريخ اليوم أنه في الوقت الذي يموت فيه شعبنا في سوريا تحت وطأة الألم والبرد والمعاناة في مخيمات اللجوء الغارقة في مياه الشتاء الباردة، فإن بعضا من إخوتنا في الدين والعروبة والثقافة والتاريخ يتسابقون في الانفتاح على المجرم المسؤول عن كل هذه الجرائم والانتهاكات".

وأضاف "نعم يمكن لبشار المجرم أن ينتصر، يمكن أن ينتصر على المجتمع الدولي المتواطئ على الأمم المتحدة ومجلسها، لكنه لم ولن ينتصر على إرادة الشعب السوري الحر"، داعيا السوريين إلى التحرك ورفع الصوت في الداخل والخارج للمطالبة بانتقال سياسي.

وفشلت كل مبادرات الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع بعد أن اصطدمت بتمسك المعارضة بانتقال سياسي من دون الأسد مقابل رفض الحكومة بحث مستقبله أساسا.

ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات نوار أوليفر "تمر المعارضة السياسية والعسكرية حاليا بأسوأ فتراتها".

وأوضح "المعارضة السياسية فشلت والمعارضة العسكرية لم تعد لديها خيارات سوى اللحاق بخطى السياق الدولي، لتحافظ على ما لديها".

وفي مدينة أعزاز في شمال حلب، يقول المحامي والناشط الحقوقي مثنى ناصر "سأخبر أطفالي عن أعظم ثورة في التاريخ المعاصر وكيف وقفت حكومات المجتمع الدولي متفرجة على دماء الأبرياء، مكتفية بالتنديد والاستنكار من دون أن تتدخل لوقف المجازر".

وتسيطر قوات النظام السوري اليوم على أكثر من 60 بالمئة من مساحة البلاد وانتشرت مؤخرا في منطقة منبج بناء على دعوة المقاتلين الأكراد، ما يمهد لتعاون مقبل بين الطرفين يمكن أن ينسحب على مناطق أخرى.

في المقابل، تتواجد الفصائل المقاتلة والجهادية في محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وتحالف فصائل الجبهة الوطنية للتحرير، وشمال محافظة حلب حيث تنتشر قوات تركية وفصائل سورية موالية لها.

ويقول ناجي مصطفى المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير والمنشق منذ 2012 عن الجيش السوري "هذه ثورة يتيمة تخلى عنها العالم بأكمله".

وتابع "هذه الثورة صمدت لمدة ثماني سنوات أمام دول تقاتلها على الأرض، من روسيا إلى إيران ولم أشعر بلحظة ندم واحدة لخروجي فيها".