المعرض الدولي للصور في الجزائر!

ما قيمة شراء الكتب إذا كانت النتيجة عدم قراءتها.

مع أن النقد في بعض الأحيان يثير الاحباط والاشمئزاز في الأنفس، خاصة إذا لم يكن الوقت ملائما، الا أنه مفيد في بعض جوانبه لاسيما ما تعلق بالتنبيه والوخز، ويجعل الانسان يراجع حساباته مرات ومرات قبل أن يتناول أي موضوع آخر. وهو بمثابة المراقب والمقوم والمرآة، خاصة إذا كان نقدا بنّاءً وموضوعيا ويصدر من طرف أناس هدفهم هو الاصلاح وليس الافساد، من منطلق علم ومعرفة وتجربة، وليس بعقلية خالف تعرف.

كنت قد كتبت في الماضي مقالا عنوانه "الجزائر: من ثورة نوفمبر الى ثورة البيتزا والشاورما". ولم أكن متجنيا عندما قلت ذلك، بل وصفت الواقع كما هو في الجزائر دون تزييف ودون عملية تجميل كما يفعل الموالون الذين يتسترون عن الباطل ويزخرفونه. نبهت الى الواقع الأليم الذي أصبحنا نعيشه، حيث أصبحت شرائح من المجتمع مع الأسف تميل إلى ملء البطون بدل ملء العقول بالفكر والمعلومات التاريخية التي تتعلق بثورة الجزائر... وشعارهم: "لما يشبع البطن يقول للرأس غني لي".

اليوم وبعد ثورات الفيسبوك واليوتيوب وتويتر ومواقع أخرى، ظهرت موضة جديدة تتعلق بالصور مع الشخصيات المختلفة في الجزائر وفي غيرها من البلدان مع الفارق طبعا، نتيجة ضعف الشخصية ومحدودية الوعي. اتسعت رقعة الرياء مع تطور التكنولوجيا. فمثلا: في الماضي كان المراءون يختارون مناسبات لنشر شذوذهم ويبقى ما يقومون به محدود الرقعة، لاسيما وأنه يتداول في إطار ضيق. أمّا اليوم، فأصبح الفيسبوك وغيره من المواقع يتيح نشر ذلك وأعطى الفرصة للنقيض والنقيض بعدما كان الاعلام العام، ومع الحريات المحدودة فيه الاّ أنه لم يصل الى الدناءة والسفالة التي نراها اليوم.

شريحة من الناس أصبحت تقتنص فرصة وجود شخصيات سياسية واعلامية في معرض الكتاب الدولي، المقام بالجزائر كل سنة لالتقاط صور مع من ذكرت، والتباهي بها في مواقع الإنترنت، لإعطاء صورة أن فلان يعرف الشخصية الفلانية والعلانية، وأنه مولع بقراءة الكتب، وإنسان مثقف ومتفتح.

وبتلك الصور يسوق صورة على شخصه، أنه تربطه شبكة علاقات. ومن الغريب أنني رأيت أناسا ظلوا لفترة وهم يصرخون ليل نهار وينقلون صورا وفيديوهات عن الأوساخ في ولاية ما، وبقدرة قادر تحولت المدينة الى أحياء تشبه أحياء السويد، بمجرد زيارة وزيرة البيئة وطاقم معها وصرنا نرى نفس الأشخاص يتباهون بالصور مع الوزيرة والطاقم الذي رافقها.

ما قيمة أن تشتري كتبا لا تقرأها، أو لا تقيم اعتبار لكتابها؟ ما قيمة أن يوقع لك كاتب كتابه وتأخذ معه في المقابل صورة وأنت تطعنه في السر والعلن؟

ما قيمة أن تشتري كتابا في معرض وأنت لا تعطي أهمية لا للقراءة ولا للكتاب طول العام؟

ما قيمة أنك طول السنة وأنت تنتقد الأوضاع في مواقع التواصل وتتحدث عن النملة عندما تتبول في شارع مكتظ بالمارة، وعن جرادة عطست في غابة وعن الانحلال الخلقي والدعارة والفساد بكل أشكاله، ومن ثمة تتظاهر بالصور في معرض الكتاب لإعطاء صورة هي بالأساس موجهة للخارج، وكأن الجزائر أصبحت قبلة الكتاب والقراء والمثقفين وتخلصت من الجهل والتخلف والفقر الفكري والمعرفي والتقني، الذي كان يسوقه الناس؟

لو ذهبنا الى المعرض لوجدنا بائعو البيتزا والشاورما أكثر مبيعا من دور النشر والمكتبات، وقد تحدثت بعض القنوات عن هذا الموضوع، بل الكتاب أنفسهم ودو النشر.

ولو أحصينا عدد المبيعات لوجدناها تتعلق بكتب الطبخ، ومنشورات حتى لا أقول كتبا حول الحسد والسحر والعين لأن أصحابها محتاجون الى معالجة نفسية معمقة.

إن انتشار هذه الظاهرة يجب أن يوضع له حد، من خلال نشر الوعي. كما يجب الاستثمار في الانسان مثلما أشرت لذلك منذ عدة سنوات في مقال تحت عنوان: الاستثمار الغائب.

أنصح القائمين على شؤون البلاد تنظيم معرض دولي للتصوير والصور، ودعوة المشاهير لهذا الحدث علنا نرفع من قيمة السينما في الجزائر، بدل السينما التي نراها في مواقع الإنترنت، والتي تحولت للأسف الشديد الى مستشفى مفتوح.