المغرب يعزز حضوره في إفريقيا: تعاون عسكري متنامٍ مع إثيوبيا
أديس أبابا – بحث المفتش العام للقوات المسلحة المغربية محمد بريظ، مع رئيس أركان الجيش الإثيوبي برهانو جولا، سبل تطوير وتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، في لقاء عُقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وتأتي هذه الزيارة الرسمية لتؤكد التوجه الاستراتيجي للمغرب نحو تعزيز تعاونه مع دول القرن الإفريقي، بما يعكس المكانة المتنامية التي باتت تحظى بها المملكة في القارة الإفريقية، عسكريًا واستراتيجيًا حيث يمثل هذا الانفتاح جزء من رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس لتعزيز حضور البلاد في القارة.
وتناول اللقاء بين الطرفين، والذي جرى في أجواء وُصفت بـ"الإيجابية والبناءة"، مختلف أوجه التعاون العسكري، سواء في مجالات التدريب، وتبادل الخبرات، وصيانة المعدات، والتكنولوجيا الدفاعية، في خطوة تمهّد لتوقيع اتفاق عسكري ثنائي خلال الفترة المقبلة، حسب ما أفاد به بيان رسمي صادر عن القوات المسلحة الملكية المغربية.
وحملت زيارة المسؤول العسكري المغربي رفيع المستوى إلى أديس أبابا، والتي استمرت لأربعة أيام، في طياتها دلالات استراتيجية واضحة، إذ تعكس إصرار المغرب على تعزيز شراكاته الإفريقية، لا سيما مع الدول ذات الثقل الإقليمي في القارة مثل إثيوبيا. هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية أشمل تقودها الرباط لتعزيز تواجدها في إفريقيا، بالاعتماد على القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية والأمنية، دون إغفال بعدها العسكري والدفاعي.
وتأتي هذه التحركات المغربية في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تسابقاً إقليمياً ودولياً نحو تعزيز النفوذ، سواء من قبل قوى كبرى أو إقليمية، وهو ما يجعل من التحالفات الدفاعية والعسكرية إحدى أدوات الحضور الفاعل والتأثير الحقيقي. وفي هذا السياق، بات الجيش المغربي يمثل نموذجاً يحتذى به في مجال تحديث المؤسسات العسكرية الإفريقية، ما يدفع عدداً من الجيوش الإفريقية، ومنها الجيش الإثيوبي، إلى الانفتاح على التجربة المغربية والاستفادة من تطورها.
وما يضفي على التعاون المغربي-الإثيوبي زخماً إضافياً هو المكانة التي باتت تحتلها القوات المسلحة الملكية المغربية على الصعيد الإفريقي. فقد شهد الجيش المغربي، خلال السنوات الماضية، نقلة نوعية في مجال التحديث والتطوير العسكري، من خلال اقتناء منظومات دفاعية متطورة، وتوسيع دائرة الشراكات الدولية في ميدان التدريب والتسليح، والانخراط في برامج عسكرية مشتركة مع شركاء عالميين.
وقد أصبحت المؤسسة العسكرية المغربية توصف بأنها من بين الأكثر احترافية وانضباطاً في إفريقيا، بفضل السياسة المتوازنة التي تنتهجها المملكة، والتي تجمع بين التأهيل الداخلي والانفتاح الخارجي.
وفي هذا الإطار، لاقت التجربة المغربية اهتماماً متزايداً من عدد من الدول الإفريقية، التي ترى في الرباط شريكاً موثوقاً وخبيراً في مجال محاربة التهديدات غير التقليدية، مثل الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، وكذلك في التصدي للتهديدات السيبرانية، وهو ما يفسر اهتمام إثيوبيا -التي تواجه تحديات أمنية متزايدة- بتوسيع تعاونها مع المغرب.
وخلال زيارته، قام محمد بريظ بجولة ميدانية لعدد من المنشآت العسكرية الإثيوبية، من بينها إدارة أمن الشبكات المعلوماتية، ومعهد الذكاء الاصطناعي، وقاعدة بيشوفتو الجوية، ومصنع الذخيرة، وهي منشآت تعكس الطموح الإثيوبي في بناء قدرات عسكرية متقدمة، ومن هنا تنبع أهمية الشراكة مع المغرب، بالنظر إلى الخبرة التكنولوجية والتدريبية التي تمتلكها القوات المسلحة الملكية.
كما التقى مع وزيرة الدولة للدفاع الإثيوبية، مارتا لويجي، حيث تم التأكيد على أهمية إرساء تعاون عسكري دائم واستراتيجي بين البلدين، لا يقتصر فقط على الجوانب التقنية، بل يشمل أيضًا التعاون على مستوى التخطيط، وتبادل المعلومات، والمشاركة في برامج التأهيل.
ويعكس التقارب المغربي-الإثيوبي توجهاً واضحاً من الرباط نحو الانفتاح على إفريقيا جنوب الصحراء والقرن الإفريقي، كجزء من رؤية الملك محمد السادس لتعزيز حضور المغرب في القارة، باعتباره فاعلاً محورياً وصوتاً موثوقاً في قضايا الأمن والاستقرار والتنمية.
وقد أسهم هذا التوجه في جعل المغرب رقماً صعباً في المعادلة الإفريقية، حيث أصبح من الدول القليلة في القارة التي تجمع بين الاستقرار السياسي، والنهضة الاقتصادية، والجاهزية الدفاعية. وهذه العوامل مجتمعة جعلت من الرباط نقطة جذب للتعاون العسكري والدفاعي بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية، بما في ذلك إثيوبيا، التي تعد من أكبر الدول الإفريقية من حيث السكان والتأثير الجيوسياسي.
ويمثّل التعاون العسكري بين المغرب وإثيوبيا خطوة جديدة في مسار الحضور المتزايد للمغرب في إفريقيا، ويؤكد أن الرباط لا تكتفي فقط بلعب دور اقتصادي أو دبلوماسي، بل تسعى أيضاً لأن تكون شريكاً أمنياً ودفاعياً موثوقاً في قارة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى شراكات قوية وقوات قادرة على حماية السلم والأمن.
ويبدو أن المغرب، بثبات خطواته واحترافية جيشه، يعيد رسم خرائط التأثير العسكري في إفريقيا، ليس من خلال القوة وحدها، بل عبر الاستثمار في التعاون، والثقة، والمصالح المشتركة.