"المقاومة الإسلامية" اختراع إيراني ليس إلا
حين اخترعت إيران مصطلح "المقاومة الإسلامية" كان ذلك جزءا مهما من أكبر عملية خداع قامت بها من أجل تطبيع هيمنتها على أربع دول عربية هي لبنان والعراق وسوريا واليمن إضافة إلى قطاع غزة.
ولو لم تكن هناك حركة حماس التي فصلت غزة عن باقي أراضي فلسطين غير الخاضعة بشكل مباشر للاحتلال بحكم اتفاقات دولية لكان على إيران أن تخترع إسما جامعا آخر لتنظيماتها التي هي أصلا لا علاقة لها بالمقاومة.
لقد انتحلت إيران صفة المقاومة بعد أن قررت حركة حماس التي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين أن تستقر في الحاضنة الإيرانية تعبيرا عن انزعاجها من الفشل الذي انتهت إليه محاولة الجماعة في حكم مصر.
كان "الربيع العربي" من وجهة نظر الجماعة ربيعا إخوانيا. وبما أن الإخوان أخفقوا في السيطرة على الدول التي شهدها ذلك الربيع فإن حركة حماس حاولت أن تثأر لهم عن طريق التسليم بالوصاية الإيرانية.
استغلت إيران ذلك التحول المنافق المدعوم ماليا لتعتبره واجهة لتنظيماتها التي لم تكن فلسطين حاضرة في معاجمها قبل ذلك. لقد وجدت إيران منذ أيام الخميني في فلسطين الشعار الذي تغطي به على مشروعها في الهيمنة على المنطقة. وها هي حماس تهبها الثغرة التي تتسلل من خلالها إلى قلب القضية، من غير أن يُخسرها ذلك التسلل شيئا بقدر ما وجدت فيه مصدرا لتوسيع قاعدتها الشعبية في أوساط ضائعة بين المرويات الطائفية.
مررت إيران مصطلح المقاومة الإسلامية بدلا من التنظيمات الإيرانية المسلحة لتتبناه وسائل الإعلام بطريقة يغلب عليها الغباء أو التعاون. على سبيل المثال فإن حزب الله هو ليس سوى تنظيم إيراني مسلح أقامته إيران على أرض لا تخضع لسيادتها. وهو ما يعني أن ذلك التنظيم انما اخترعته إيران لغايات لا علاقة لها بالمقاومة التي لم يعد لبنان في حاجة إليها منذ عام 2000.
سيفقد لبنان سيادته على جزء من أراضيه بسبب حزب الله. ذلك انجاز إيراني. تلك هي هدية حزب للبنان من أجل سلامة إيران. أما لبنان فليس له سوى الخراب والنازحين المليون. فالحرب التي لا تزال مستمرة هي حرب من أجل إيران وليست من أجل فلسطين كما يُشاع. كلما قُتل واحد من مقاتلي حزب الله يُقال إنه ذهب في الطريق إلى القدس. الصحيح أنه ذهب في الطريق إلى طهران.
منذ السابع من أكتوبر 2023 صار معلوما بالنسبة لطرفي الصراع، العرب وإسرائيل على حد سواء أن إيران قد وصلت إلى مرحلة القناعة التامة من أن في إمكان أذرعها في المنطقة أن تتولى شؤون حربها الدائمة، ليس ضد إسرائيل وحدها، بل وأيضا على كل الدول العربية التي نجت من عواصف الربيع الإخواني ونجحت في التصدي لمؤامرات الإخوان المسلمين وخلايا إيران النائمة التي كانت تستيقظ بين حين وآخر.
لقد مهد حزب الله لحربه على إسرائيل بحروب خاضها في سوريا والعراق واليمن. أما في لبنان فإنه لم يصل إلى هيمنته السياسية والاقتصادية على الدولة إلا عن طريق سلسلة غارقة بالدم من التصفيات الجسدية بدأها بحسين مروة لينهيها بلقمان سليم الذي تبعه ضحايا انفجار مرفأ بيروت مرورا برفيق الحريري وجورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير وآخرين.
إذا كانت حربه على إسرائيل نوعا من المقاومة حسب التصنيف الإيراني فماذا تُسمى حربه على اللبنانيين؟ كان يقاوم الكلمة الحية والتعبير الحر. ذلك ما فعلته الميليشيات الإيرانية العاملة داخل الأراضي العراقية غير مرة مستعينة بخبراء حزب الله.
وليس صحيحا أن ندخل في التفاصيل وننسى جوهر المشكلة الذي يكمن في حاجة إيران إلى أن تثبت هيمنتها على الدول العربية الأربع من غير أن تضطر إلى استعمال جيشها أو حرسها الثوري. علينا أن نعترف أنه أذكى احتلال. لقد تضافرت قوتا المال والعقيدة فشكلتا درعا بشريا ستستعمله إيران أينما ووقتما تريد. ومَن يصدق الشعارات التي يتم تداولها فيما يتعلق بنصرة غزة فإنه أما قد وقع ضحية التضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام الإيرانية أو أنه طائفي أعمى غُمر عقله بمياه المرويات الإيرانية الزائفة.
حقائق الماضي والحاضر تقول إن إيران لا تحب العرب. من الشاهنامة إلى آخر تصريحات أصغر ضباط الحرس الثوري. كما أنهم لا ينظرون إلى قضية العرب المركزية في فلسطين إلا من خلال القدرة على استعمالها في ابتزاز العالم. أما المقاومة التي اخترعتها فقد أبتلي بها العرب كونها صارت سببا في مصائب جديدة تبعدهم عن قضيتهم في فلسطين حين تضعهم مباشرة في مرمى نيران العدو.
المقاومة الإسلامية ليست مقاومة وليست إسلامية، بل هي عبارة عن تنظيمات إيرانية مسلحة لا عمل لها سوى تدمير أسباب الحياة في العالم العربي.