المهرجان العربي الثامن للقصة القصيرة يختتم فعالياته في الصويرة المغربية

جمعية التواصل للثقافة والإبداع اتخذت من "الغرائبية والسرد القصير" شعارا لمهرجانها الثامن.
الاحتفاء بالتجربة الإبداعية لمشتل أبركان
العجائبية من المصطلحات العصية على الأفهام

اختتمت عصر الأحد 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فعاليات المهرجان العربي الثامن للقصة القصيرة الذي تقيمه جمعية التواصل للثقافة والإبداع في مدينة الصويرة المغربية والذي اتخذ من "الغرائبية والسرد القصير" شعارا له، وأُطلق اسم القاص المغربي محمد العتروس على هذه الدورة.
وقد انطلقت فعاليات المهرجان صباح الجمعة 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري بلقاء مفتوح بثانوية اكنسوس مع المبدعين الشباب القادمين من مدينة ابركان: عادل التكفاوي وعبدالإله مهداد وسلمى أعمرو من تنسيق وتقديم عبدالله شرف، ويوازيه لقاء آخر في ثانوية النورس مع المبدعين الشباب محمد حمو وهناء بنشيبان ومحمد الهدار وهاجر مطر من تنسيق وإعداد سعيد آيت الحر.
وفي الخامسة مساء كان الافتتاح الرسمي للمهرجان القصصي بفندق جوهرة موكادور، حيث عرضت دار النشر ديهيا إصداراتها، بمصاحبة معرض للصور الفوتوغرافية. وبعد الوقوف دقيقة صمت ترحما على روحي القاص الصويري محمد أبوناصر والقاص محسن أخريف، جاءت كلمة ليلى مهيدرة رئيسة جمعية التواصل للثقافة والإبداع، فكلمة ممثل جهة مراكش آسفي، فكلمة الضيوف العرب (والتي تشرفت بإلقائها)، أعقبها كلمة في حق الأديب محمد العتروس قدمها عبدالواحد كفيح، ثم ألقى الأديب المحتفى به محمد العتروس كلمته، وأعقب ذلك توقيع نسخة رمزية من الكتاب الجماعي "نورس السرد – شهادات وقراءات" الصادر بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة للمهرجان، وهو عبارة عن احتفاء بتجربة الكاتب محمد العتروس مدير ملتقى أبركان للسرد. كما تم الاحتفاء بالتجربة الإبداعية لمشتل أبركان، مع كلمة حول التجربة قدمها الناقد والباحث سامي وعلي. ثم قراءات قصصية لكل من عبدالإله مهداد، وهاجر مطر، وهناء بنشيبان ومحمد العتروس في جلسة سيرتها الأديبة ثورية بدوي.
في صباح اليوم التالي كانت أولى الجلسات العلمية عن "الغرائبية في السرد القصير"، وعقدت بالمدرسة العليا للتكنولوجيا التابعة لجامعة القاضي عياض بالغزوة بمدينة الصويرة، ورأسها الناقد اليمني ماجد قائد. 

Story Festival
مداخلات

وتحدثت في هذه الجلسة د. بشرى تكفراست أستاذة النقد بكلية اللغة التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، عن العجائبية في السرد العربي القديم، وضربت مثلا بقصة "المعراج" وقالت إن العجائبية من المصطلحات العصية على الأفهام، وأن للعجائبي موضوعات خاصة ومنها شبكة الأنا وشبكة الأنت، ولكل منهما مبادئ تستند إليها، واستعانت ببعض مقولات الناقد الروسي تودوروف.
وأوضحت تكفراست أن الدراسة التي تقدمها تحاول معالجة العجائبية في نصوص "المعراج"، وشرح عناصر تحقيق العجائبية من خلال القصة القرآنية والأحاديث النبوية التي اشتغل عليها العلماء وهي أكثر من 50 رواية، كما أشارت إلى رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. وأضافت أن المعراج حظي دون الإسراء بنصيب وافر في السرديات، وهناك من توسع في معنى المعراج، وهناك من تحدث عن المعراج الحسي. كما أشارت إلى رسالة الطير لابن سينا والغزالي، ومنطق الطير للعطار، وأوضحت أن هناك معراجا خاصا عند الفلاسفة أمثال محيي الدين بن عربي باعتباره نواة سردية تتكرر في كثير مما كتب.
وأشارت إلى أن هناك أنواعا عدة للمعراج منها؛ معارج الملائكة، ومعارج الرسل، ومعارج الأولياء وغيرها. وأن هناك تماسا مباشرا مع مفهوم العجائبية، التي تنطلق من عالم أحياء حقيقية، كما أن شخصيات المعراج لها وجودها الحقيقي مثل شخصية ابن عربي التي لها حقيقتها خارج النص.
كما تحدثت د. بشرى عن طبيعة المعراج وطبيعة العجائبي وتجاور المألوف مع اللامألوف، والعادي مع غير العادي، ومظاهر الحقيقة واللاحقيقة في ستة أنواع: من خارج النص، وتلقي المعرفة، والحقيقة لتأطير الحادثة، وهناك ضرب من الأسرار التي يجب كشفها، والأمور التي لا يتم التوصل إليها إلا بشق الأنفس، والحجر عما يُتوصل إليه.
كما أن هناك الذات التي تحاول نفي العالم الخارجي، والأنت حيث الذات، وإمكانية العبور بين المادة، فضلا عن انتهاك المحرم والعلامات المثلية، وهي ليست في نصوص المعراج بسبب اشتغالها على المقدس.
وأوضحت الباحثة أن مدة الوحدات الزمنية تختلف في نصوص المعراج عن غيرها، وأنه لا مجال للمصادفة في العالم العجائبي في نصوص المعراج، مؤكدة أنه "ليس هناك مصادفة أو خطأ" لأن الله مسبب الأسباب. وفي هذا تعود الباحثة إلى التأكيد على أن نصوص المعراج تنتمي إلى العجائبية، ومن وظائف العجائبي المعرفية الصوفية أو الوصول إلى هذه المعرفة، موضحة علة التلازم بين العجائبي والتراث الإسلامي.
ثم تحدث د. عبدالجبار لند أستاذ النحو والبلاغة بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة عن القصة القصيرة المغربية والتجريب الفانتاستيكي عند الكاتب المغربي محمد الغرناط، وقد بدأ حديثه بتعريف القصة القصيرة والتعريف بالكاتب الغرناط، ثم دار بحثه على قصة "العداء" ملقيا الضوء على شخصية الصعاليك. كما أشار إلى ظاهرة الانتفاخ والتحول والبعد المغامراتي، موضحا أن نص الغرناط قدم مجموعة من الوظائف منها الخوف أو الدهشة أو الفضول، وخدمة السرد وإحداث التوتر والتخييل فضلا عن الوظيفة الواقعية، والتناص الذي تزخر به قصة "العداء".
الدكتور خالد بوغاية أستاذ السيميائيات بكلية الآداب بالرباط، أكد أن تودوروف وقع في هنات كثيرة في كتابه عن العجائبية. وأوضح أن الجاحظ أول من اهتم بالقارئ في كتابيه "البيان والتبيين" و"الحيوان"، وأن كل قول يخرج عن الاعتياد يعتبر عجائبيا، ولكن المشكلة في الشكل، وكيف يكتب هذا القول. وأن هناك ما يسمى فتنة القول وهو أن نهتم بالدال ونبعد عن المدلول، لأن الدال يجعل المدلول يتشيأ فنلجأ إلى التعويض بالصورة والخيال.
ويرى لند أن الرمز هو أصل الأشياء واللغة تابعة لهذا الرمز، فكيف نحلل هذا الرمز، وأشار إلى القارئ في الحكاية لأمبرتو إيكو. وأوضح أنه في العجائبي يجب أن نعطي الدال الأهمية بغض النظر عن المدلول. ثم أخذ يطبق تلك الآراء على نص "ماروكان" لمحمد العتروس، موضحا أن العجائبي ليس قولا وإنما شكلا، كما أشار إلى التدوير السردي في قصص العتروس، ونبّه إلى أن نصوص العتروس ملأى بالصور المتشظية.
الدكتور أحمد بيهشاوي تحدث في تلك الجلسة عن الخطاب الجروتيسكي في الكتابة السردية، والمشترك بين القاص الإيرلندي أكونور والكاتب النمساوي فرانز كافكا، وباختين، كما تحدث عن المحاكاة الساخرة، واللعب بالزمن، وتشظية السرد، وتقنية المونتاج.
بعد تلك الجلسة العلمية الأولى كانت هناك جلسة قراءات قصصية رأسها د. عبدالرزاق المصباحي وشارك فيها كل من: أحمد فضل شبلول ومثال الزيادي ومصطفى لكليتي ورحيمة بلقاس وعادل تكفاوي وحسن الرموتي وتورية بدوي وعبدالواحد كفيح ومحمد كروم وحليمة الإسماعيلي وسلمى أعمرو ورشيد أمديون وأسماء أبوناصر وعبدالواحد البرجي وسعيدة لقراري ومحمد عزوز ومحمد حمو.

بينما عقدت الجلسة العلمية الثانية صباح الأحد 15 ديسمبر/كانون الأول بفندق جوهرة موكادور ورأستها الكاتبة ليلى مهيدرة ودارت حول إبداعات الأديب محمد العتروس وشارك فيها مصطفى لكليتي (عضو اتحاد كتاب المغرب بالقنيطرة) وقال إن تجربة العتروس القصصية على درجة كبيرة من الأهمية في التجربة المغربية، وقدم لكليتي دراسة بعنوان "تجليات العجائبي والغرائبي في مجموعة (قطط تلوك الكلام)" وأن ساحة السرد عند العتروس تدور حول الواقع والتخييل من خلال الغريب والعجيب، وأن السارد يؤنسن التراب، وكما تقول الكلمة عنده أشياء، تقول أيضا الفراغات والبياضات.
أما د. سامي وعلي فأوضح أن تجربة العتروس تجربة بداية وليست تجربة نهاية، أي أنها تجربة سرمدية في المكان والزمان، وأشار إلى أسلوب العتروس في الكتابة، واستخدام المألوف من الألفاظ حيث تحرر الكاتب من سلطة المعجم مع ثمة جرأة في استخدام اللغة إضافة إلى تركيب الجملة، وأن نصوصه غنية بالانزياح الأسلوبي مثل "الشجرة العمياء" و"قطط تلوك الكلام"، وأن نصوصه تتمتع بلغة زئبقية، مع أنسنة بعض العناصر غير الآدمية، وتنحى بعض السرود منحى اللغة الشعرية مع اقتصاد لغوي رهيب ناتج عن الانزياح الدلالي والتركيب. كما أوضح أن الكاتب محمد العتروس كاتب ملتزم بالقضايا الإنسانية بامتياز.
ولا نريد أن نغادر تلك التغطية الصحفية لوقائع المهرجان العربي الثامن للقصة القصيرة الذي تعقده جمعية التواصل للثقافة والإبداع بمدينة الصويرة دون الإشارة إلى حضور مجموعة من الشباب الموهوبين المنتمين إلى "نادي القراءة والإبداع – بركان" والذي يشرف عليه الكاتب محمد العتروس وقد تأسس هذا النادي  سنة 2013 من قبل ثلة من الشباب الذين جمعهم شغف المطالعة وكانوا ينشطون داخل مؤسسة تعليمية، وبعد أن حصل بعضهم على شهادة البكالوريا لم يتخل عن فكرة النادي وإنما قام بنقلها خارج أسوار المؤسسة بدعم ورعاية من منتدى إبداع أبركان واحتضان من جمعية الشرق للتنمية والتواصل. ويعتبر "نادي القراءة والإبداع بركان" أول تجربة فرائية إبداعية من نوعها في مدينة أبركان المغربية، مؤسسة على رؤية واضحة واستراتيجيات عملية وأهداف محددة بدقة، وهو حلقة ثقافية مستقلة عن جميع المنظمات العقائدية والسياسية والنقابية.