الموروث الثقافي الحساني يثير اهتمام الخبراء في طانطان

ندوة علمية دولية تناقش على هامش فعاليات موسم طانطان الثقافة الحسانية وانفتاحها على العمق الأفريقي.

طانطان (المغرب) - اجتمع باحثون وخبراء مغاربة وأفارق، الأحد، في المغرب في إطار ندوة علمية دولية حول موضوع "موسم طانطان والعمق الأفريقي للثقافة الحسانية"، نظمتها مؤسسة ألموكار ضمن "ندوة الاستثمار الأخضر والثقافة" المنظمة ضمن فعاليات الدورة السابعة عشرة لموسم طانطان الذي أسدل ستاره في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي.

وتوزعت الندوة على عدة جلسات أطرها خبراء وباحثون في التاريخ والتراث من المغرب وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي تهدف إلى البحث في العمق الأفريقي للثقافة الحسانية من خلال عدة تقاطعات ثقافية واجتماعية وأنثروبولوجية، وإبراز مناطق الالتقاء والتقاطعات في هذه الثقافة، وكذا إبراز الدور المحوري الذي لعبه موسم طانطان مند عقود كنقطة التقاء ثقافي واقتصادي واجتماعي.

وبحسب ورقة تقديمية للندوة، فإن موسم طانطان لعب دورا مهما في إحياء الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين مجالي ضفتي الصحراء الكبرى والتي تأسست تاريخيا عبر الامتدادات القبلية والهجرات البشرية نحو الجنوب والجنوب الشرقي مما أثمر انتشار الثقافة الحسانية بحمولتها الثقافية والدينية على نطاق مجالي واسع اصطلح على تسميته بـ"اتراب البيظان" الممتد شمالا من واد نون وواد درعة إلى الضفة اليمنى لنهر السنغال جنوبا، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى شمال النيجر ومالي شرقا.

وفي مداخلة حول "التراث الثقافي اللامادي المغربي: حصيلة وآفاق" أبرز مصطفى جلوق، مدير التراث الثقافي بوزارة والشباب والثقافة والتواصل، الجهود التي تقوم بها الوزارة منذ إقرار اتفاقية اليونسكو سنة 2003 الخاصة بصون التراث غير المادي، والتي صادق عليها المغرب سنة 2006، وذلك من أجل الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي الغني بالمغرب.

وتوقف جلوق عند الإنجازات التي قامت بها الوزارة في ما يتعلق بالعناصر التي تم إدراجها على قوائم اليونسكو والبالغ عددها 14 عنصرا منها موسم طانطان وجامع الفنا، مشيرا إلى أن من بين مجموع هذه العناصر هناك عنصر تراثي واحد يحتاج إلى صون استعجالي ويتعلق برقصة "تاسكيوين" بجبال الأطلس الكبير.

كما تطرق إلى التحديات والإشكاليات المرتبطة بإدراج هذه العناصر التراثية في لائحة اليونسكو ومنها إشكالية الملكية الفكرية حيث أن اتفاقية 2003 لليونسكو لا تحمي الملكية الفكرية وإنما تعترف فقط بوجود عنصر تراثي ما فوق أرض معينة ولذلك تبقى الحماية الفكرية هي الإطار الأساس.

وأبرز أحمد ولد احظانا، باحث في الثقافة الحسانية من موريتانيا، أهمية الموسيقى الحسانية كموسيقى أفريقية لكونها ترعرعت واكتملت في حيز القارة الأفريقية إلى جانب أصولها العربية الحسانية، مستعرضا بعض سمات الانتماء القاري لهذه الموسيقى.

وقال ليونس كي، أستاذ باحث من بوركينافاسو، إن بوركينا فاسو تتوفر على إطار قانوني وترسانة تشريعية لحماية وتثمين مختلف عناصر التراث الثقافي حيث يتم منذ سنة 2012 جرد عناصر التراث الثقافي اللامادي، كما نعمل على تعزيز قدرات العاملين في هذا المجال، فالتراث الثقافي اللامادي مهدد بالاندثار مما يفرض تحديد أسباب وعوامل ذلك.

وشدد على أهمية وضع مقاربة محلية لتثمين هذا التراث وحمايته والترويج له عبر تنظيم تظاهرات ثقافية والتحسيس والتوعية بكيفية الحفاظ عليه في كل مكان وفي أي بلد لأن هذا التراث لا حدود جغرافية له.

وأكد إبراهيم مامان، باحث في التراث من النيجر، التراث الثقافي اللامادي بالنيجر منظم بقانون صادر سنة 1997، مبرزا أنه تم جرد أكثر من ألفي عنصر تراثي، منها عنصرين فقط تم تقييدهما على لائحة اليونسكو.

ودعا إلى حماية هذا الموروث من الاندثار لأن عددا من دول الساحل تواجه أزمات ونزاعات، مشددا على ضرورة استخدام هذا الموروث من أجل التعايش والتسامح.

ولفت الخبير في التراث والتنمية المحلية، سيسي لاسانا من مالي، إلى أهمية اتفاقية اليونسكو الخاصة بصون التراث غير المادي، مستعرضا مجموعة من العناصر التراثية التي تم تصنيفها بمالي، منها موسيقى "إمزاد  Emzad" الخاصة بمجتمعات الطوارق، ومسابقة خاصة بالأبقار وسط المياه، ومثلث "Palafon" وفضاء "Yaraal et degal"، داعيا إلى حماية هذا التراث المهدد بالاندثار.

وعدد إبراهيم الحسين، باحث في التراث الأدبي والحساني، مجموعة من الإنتاجات الفنية والجمالية التي أبدعها المجتمع الحساني في الصحراء بصور متناسقة زاوجت بين النفعي والوظيفي وفي تقاطعها مع الفنون الأفريقية المجاورة، ومنها الموسيقى الحسانية التقليدية بإيقاعاتها وآلاتها، وأيضا من خلال المباني التقليدية للخيام بمختلف مكوناتها، فضلا عن اللباس والمشغولات اليدوية.

وتطرقت باقي المداخلات إلى عدة مواضيع منها دور موسم طانطان في صون وتثمين التراث الثقافي غير المادي بمجال "البيظان"، ومظاهر الحضور الحساني في المجال الأفريقي، وامتداد تراب "البيظان" كمجال للتلاقح الثقافي في العمق الأفريقي، والتشكلات الفرجوية للتراث الثقافي الحساني، وذلك نقلا عما نشر بوكالة المغرب العربي للأنباء.

ويعد موسم طانطان الذي تم إدراجه من طرف منظمة اليونسكو ضمن التراث الشفهي غير المادي والإنساني عام 2005، والمسجل ضمن القائمة الممثلة للتراث الثقافي غير المادي والإنساني عام 2008، نقطة تجمع سنوي لأكثر من ثلاثين قبيلة للرحل يلتقون قصد التبادل في ما بينهم ومن أجل صون تراثهم الثقافي، خصوصا في ما يتعلق بالموسيقى والرقص والحرف اليدوية والعادات التقليدية.

وجاءت فعاليات موسم طانطان التي نظمتها مؤسسة ألموكار هذا العام تحت شعار "موسم طانطان: 20 عاما من الصون والتنمية البشرية"، احتفاء بمرور عقدين على هذا الحدث الذي يهدف للحفاظ على التراث الحساني الأصيل وحمايته من الاندثار.