الموساد في طهران وعواصم اقليمية

قصف أربيل رسالة إيرانية موجهة للولايات المتحدة على حساب استقرار كردستان.

الحرس الثوري الايراني يستعرض عضلاته من جديد في مدينة اربيل، ليقصف ويدمّر بيوت امنة بحجّة كونها مراكز للموساد الاسرائيلي، ضاربا عرض الحائط سيادة العراق واستقلاله. وقصف اربيل الاخير هو سلسلة من عمليات قصف ايرانية لمدن ومناطق مختلفة في اقليم كردستان. جزء منها تحت ذريعة وجود مقرّات للموساد، واخرى ردا على ما تعلنه طهران من تواجد معارضة ايرانية في مقرّات ومعسكرات بالإقليم. لقد جاء القصف الايراني الاخير لأربيل كردّ على تفجيرات وقعت في مدينة كرمان اثناء تجمّع للاحتفال بالذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في يناير/كانون الثاني 2020، والتي حمّلت فيها ايران مراكز للموساد موجودة في اربيل من التخطيط لها وتنفيذها.

الموساد علاوة على نشاطه في قلب ايران نفسها باغتياله لعلماء ومسؤوليته عن حرائق في مبان ايرانيّة حسّاسّة، ونجاحه في شهر يناير/كانون الثاني 2018 من سرقة خمسة وخمسون الف وثيقة و183 قرص مدمّج بوزن نصف طن تقريبا والخاصّة بالبرنامج النووي الايراني من مستودعات منطقة شير اباد بطهران، ونقلها الى تل ابيب كأكبر عملية سرقة من قلب بلد على عداء مع اسرائيل، بل وفي اكبر عملية سرقة وثائق بالتاريخ، فانّه ومنذ سنوات يصول ويجول في بلدان المنطقة بأكملها، بعضها بشكل سرّي والاخر بشكل علني. فعلى سبيل المثال وعلى هامش مؤتمر ميونيخ في شباط العام الماضي، اعلن نائب وزير الخارجية البحريني عبدالله الخليفي وبحضور رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية الاسبق بيني غانز عن انّ هناك "وجود رسمي وعلني للموساد في البحرين". وفي العشرين من شهر اكتوبر سنة 2020، نقلت صحيفة الشرق القطريّة مخاوف مصرية من تحوّل الامارات الى "مركز اقليمي للموساد"، وذلك بعد مرور عشر سنوات على اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح من قبل الموساد في قلب دبي. هذا ناهيك عن نشاطات الموساد في مصر والاردن وتركيا وغيرها من بلدان المنطقة.

لقد تباينت المواقف الداخلية من عملية قصف مدينة اربيل، فالحكومة العراقية مثلا لم تكتف بالتنديد واستدعاء السفير الايراني وتسليمه مذكرّة احتجاج هذه المرّة، بل ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير حينما تقدمت بشكوى لمجلس الامن الدولي، وهذه اوّل مرّة يتقدم بها العراق للمجلس بشكوى حول العمليات العسكرية الايرانية داخل العراق. وهذه الشكوى علينا ربطها بمواقف اقطاب من الحكومة وموقف شعبي يحمّل ايران جزءا كبيرا من المشاكل التي تواجه البلاد. ومن خلال تحميل ايران هذه المشاكل، فانّ الاعين تتجه الى اذرع ايران شبه العسكرية والتي ضاق العراقيون بها ذرعا، خصوصا وانّ قيادات هذه الاذرع المسلّحة تعلن عن مواقفها المؤيدّة لإيران وولي الفقيه علنا، وعلى الضد من مصالح وطننا وشعبنا. فهل الحكومة تريد بهذا ان تنأى بنفسها عن هذه الفصائل، خصوصا وانّ الضربات الاميركية لهذه الفصائل كثرت في سوريا والعراق؟

الملفت للنظر هو صمت قوى الاطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي وحزبه على عملية القصف، على الرغم من تنديد الاطار الشديد لاي قصف اميركي وتركي للاراضي العراقية. الا انّ قياديين في الاطار لم يكتفوا بالصمت، بل ذهبوا الى تحميل اربيل سبب القصف، وذهب اخرون وسيرا خلف الرواية الايرانية من مهاجمة الولايات المتحدة التي حوّلت اربيل بنظرهم الى ساحة خلفية لإسرائيل!

انّ قصف اربيل الاخير يعني امور عدّة منها محاولات بدء عزل الميليشيات المسلّحة وتحت اي مسمى عن حواضنها الرسمية لما تشكلّه من خطر كونها تدخل بلادنا في معارك لا مصلحة لشعبنا في خوضها، ما يدفع اميركا لضربها داخل وخارج البلاد وتأثير ذلك على الوضع الامني بالبلاد، ومنها عرقلة المفاوضات التي تهدف الى تقليل او "انهاء" الوجود الاميركي في البلاد.

لو اخذنا بالرواية الايرانية بقصفها مقرّا للموساد في اربيل، والتي كذّبها مسؤولون عراقيّون كثر ومنهم السيّد قاسم الاعرجي وهو وزير داخليّة اسبق، ومقاتل في صفوف منظمّة بدر اثناء الحرب العراقيّة الايرانيّة، فلماذا لا تكون مقرّات غير اربيل كالتي في المنامة او غيرها من العواصم مسؤولة عن تلك الاحداث، ولماذا لا تردّ ايران عليها بقصفها!؟

انّ قصف اربيل من قبل ايران نفسها وليس ضربها عن طريق اذرعها العسكرية، ليس بضرب النقطة الاضعف من بين المواقع التي يشتبه وجود مقرّات للموساد الاسرائيلي فيها فقط، وليس تصفيات حسابات مع قيادة البارزاني وعلاقته الهشة مع الاطار الشيعي والميليشيات الولائية، بل رسالة ايرانية الى اميركا وبعد احداث غزّة والوضع الصعب للحوثيين في اليمن، من اننا موجود,ن وسنستمر بمهاجمة المصالح الاميركية.