النبلاء يرحلون سريعاً
نعم النبلاء يرحلون سريعا.. وهكذا رحل عنا الرجل الكريم، والإنسان النبيل، والإعلامي الكبير، والكاتب القدير، الدكتور هيثم الزبيدي المؤسس الثاني لصحيفة العرب الغراء، رحل دون أن يُشعرنا بمرضه.. اختار أن يجعلنا مطمئنين عليه على الدوام، ونجح في أن يخفي عنّا مرضه حتى لا نتألم لألمه.
كل ما عرفته من صفات الراحل الكبير لا تتوفر إلا في شخصيات الرجال النبلاء. وفي موروثنا الشعبي الكثير من الأمثال التي تتحدّث عن رحيل الأشخاص المحترمين سريعا، وحتى حين يرحل عنّا شاب أو فتى صغير في سن مُبكّرة تصفه الأمثال بأنه "ابن موت"، أي أن صفاته الطيبة وجمال روحه وخلقه تدل على أنه سيموت ويرحل مُبكّراً.
ولعل القول بأن النبلاء يرحلون سريعاً ينطبق تماما على فقيدنا الغالي الدكتور هيثم الزبيدي، الذي تشرّفت باللقاء به في أبوظبي، حيث ترافقنا معاً في بعض فعاليات معرض أبوظبي للكتاب 2024، وجلسنا سوياً بدارة السويدي، في حفل تتويج الفائزين بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة، وكان لي شرف الاستماع إليه وتبادل النقاش معه – رحمه الله – وهو الأستاذ وانا التلميذ الصغير في مدرسته المتفرّدة، وعلى مدار الأيام التي نلت فيها شرف الإلتقاء به، عرفت أن الزمان جاد عليّ بالتعرف على رجل يتسم بالنبل والكرم والتواضع وعمق الفكر، مثقف كبير، وكاتب مُحنّك مُلم بما يجري على الساحة السياسية، محب للفن والأدب، يحتفظ بمجموعة خاصة من الأعمال التشكيلية تؤكد على موسوعية ثقافته، بسيط بشوش طيب القلب، يحكي لك ويتحاور معك وكأنك تعرفة وتجلس إليه على مدار زمن طويل، وأنت الذي تجلس إليه للمرة الأولي.
شخص نادر الوجود قلما يجود الزمان بمثله بحق، وشخصية ملهمة – كما يقول أستاذي الكبير فاروق يوسف – قادر على أن يمنحك الطمأنينة والثقة، ويدفع بك للإمام.
أؤمن أن الموت علينا حق، لكن حقيقة لازلت لا أتخيل رحيل فقيدنا الغالي الدكتور هيثم الزبيدي، الذي سكن القلوب، وبقي عصياّ عن الرحيل من ذاكرتنا، باقياً بيننا بأفعاله التي لا يمكن أن تُنسى، وكيف أنسى له تشجيعه لي وفتح الصفحات الثقافية بصحيفتنا الغراء "العرب" أمام مشاركاتي، وجعل موقعنا العريق "ميدل إيست أونلاين" الموقع الأقرب إلى القلب، بل وجعلي أشعر بأن "العرب"، و"ميدل إيست أونلاين" جزء من طقوسنا وضمن أجندتنا اليومية، فإما أننا في شوق لمطالعة صحيفتنا، واقتناص فرصة لمطالعة موضوعات موقعنا، أو إعداد مقال أو حوار أو خبر لإرساله، ونحن في ثقة من نشره طالما أنه كتب بمهنية ومصداقية.
نعم إن الراحل الدكتور هيثم الزبيدي هو من منحني الفرصة للتواجد على صفحات صحيفة "العرب" الغراء، وموقع ميدل إيست أونلاين، وظل هو المُشجّع وهو الدافع لأستمر في التفاعل والحضور بالمشهد الثقافي العربي، وصارت كتاباتي تشغل مساحات لم أكن أظن يوما أنني سأشغله على صفحات جريدة بحجم "العرب".
أليس مُدهشاً أن من يرد على رسائلك في بريد موقع "ميدل إيست أونلاين" هو رئيس التحرير الدكتور هيثم الزبيدي، أليس رائعاً أن رئيس التحرير بدل أن تشكره على دعمه وتشجيعه، تجده هو من يقول لك دائماً "أنت المتفضل دوما".
كانت آخر محادثة بيننا عبر تطبيق "واتساب" في يوم الـ 29 من شهر أبريل/نيسان الماضي، كنت أطلب مساعدته كما عودنا على طلب مساعدته في أي وقت، وكان رده ودوداً، وتشجيعه كبيراً، وكرمه يفوق كل كرم.
لقد ترك استاذي الدكتور هيثم الزبيدي – رحمه الله – مساحة من الصعب أن يأتي من يشغلها من بعده، لقد فقدت سنداً واستاذاً لا يبخل بالنصح والتوجيه والتشجيع، ولا يتردد في أن يقدم لك أكثر مما تنتظر من الدعم والمساعدة.. وعبر تواصله الكريم معي عرفت أن مساعدته كانت للجميع القريبين والبعيدين، من يعرفهم ومن لا يعرفهم، لقد كان رحمه إنسان استثنائي في البساطة والتواضع والنبل والكرم وتقديم المساعدة لكل من يطلبها.
نعم افتقدنا الدكتور هيثم الزبيدي، وخسرت أنا – بوجه خاص – أستاذاً سنداً وعوناً منحني الكثير والكثير بكل سخاء وبكل حب ونُبْل، لكن عزائي أن الراحل الكبير رحل عنا بجسده، وسيبقى بيننا بروح وفكره ومدرسته الخاصة التي ستبقى تؤثر في الأجيال جيلاً بعد جيل، بل وسيبقى مُلهماً لنا على الدوام.
وعزائي هو ثقتي في أن أسرة "العرب" ستسير على نهج فقيدنا الغالي، واستكمال مسيرته، وجعل راية صحيفتنا خفّاقة عالية، وأنموذجاً يحتذى، ومدرسة يتعلم منها الجميع.. وكل العزاء لعائلة الراحل الكبير في العراق الشقيق وفي المهجر، ولأسرة صحيفة العرب "العرب" وموقع "ميدل إيست أونلاين"، ومجلة "الجديد"، وكل من ينتمي لمؤسسة العرب، ولكل محبيه وتلامذته. وختاماً فإننا نبتهل إلى الله أن يرحم فقيدنا، وأن يُلهمنا الصبر الجميل.