النرويجية غريتي بو بو تطلق 'استغاثة' من حرب عالمية في اول تجاربها الروائية

رواية الكاتبة والمخرجة تدور حول ما يواجهه الطيارون من تحديات في حال تعرض طائراتهم إلى مشكلات تقنية أو أهداف معادية تؤدي إلى سقوطها في مناطق تحت سيطرة الأعداء، جنبا إلى جنب مع رؤية جيوسياسية وإنسانية درامية عميقة تتعلق بحياة هؤلاء الطيارين.

تعمل الكاتبة النرويجية غريتي بو بو منذ سنوات في الكتابة والإخراج في السينما والدراما. وحازت أفلامها ومسلسلاتها على العديد من الجوائز بالمنطقة القطبية. حيث فاز فيلمها "Operasjon Arktis" بجائزة "أماندا" عام 2015، وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية. وعملت كمساعد تصوير مع ستيفن سبيلبرغ.

وهذه الرواية "استغاثة" التي تعد روايتها الأولى على الرغم من أنها تدور في منطقة غير مأهولة في الرواية، وتتمثل في الطيران الحربي وما يواجهه الطيارون من تحديات في حال تعرض طائراتهم إلى مشكلات تقنية أو أهداف معادية تؤدي إلى سقوطها في مناطق تحت سيطرة الأعداء، ولك جنبا إلى جنب رؤية جيوسياسية وإنسانية درامية عميقة تتعلق بحياة هؤلاء الطيارين.

الرواية التي ترجمتها يارا أيمن وصدرت عن دار العربي تدور أحداثها عندما بدأ حلف الناتو أكبر مناوراته في فصل الشتاء في أقصى شمال النرويج على الجانب الآخر على الحدود الروسية، وهو ما يستفز الروس ليقوموا بتعبئة "تدريباتهم المفاجئة" على الجانب الخاص بهم من الحدود. تستفز طائرة مقاتلة روسية طائرة تحميل هليكوبتر نرويجية. تشعل هذه الحادثة أزمة سياسية، حيث رأى كل من روسيا وحلف الناتو الحادث بمثابة هجوم. يحاول الطياران بحلف الناتو الرائد الأميركي المخضرم "جون" والطيارة المقاتلة "إيلفا" الخروج بأقل الخسائر ومحاولة النجاة في سباق مع الزمن، وذلك لوقف كارثة قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. حيث وصلت العلاقات بين روسيا وحلف الناتو لأقصى درجة من التوتر، ويقوم الرئيس الروسي والأمين العام لحلف الناتو بالاستعداد إلى مواجهة وشيكة.

تتحطم الطائرة بعد أن تم إسقاطها لينتهى الأمر بالطيارين عالقين على الجانب الروسي من الحدود، مهمة تبدو مستحيلة: حيث يتعين عليهما عبور البحيرة السيبيرية المتجمدة سيرًا على الأقدام - والعدو في أعقابهما - للعودة إلى النرويج وتجنب القبض عليهما من قبل القوات الخاصة الروسية أثناء مطاردتهما، وإيقاف كارثة قيام حرب عالمية ثالثة. إنها معركة ضد الزمن، حيث يقوم الرئيس الروسي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي والصناعة العسكرية الخاصة بشحذ السكاكين.

ترى غريتي بو بو أن ما أهلها لكتابة هذه الرواية أنها كانت منخرطة في السياسة منذ سن المراهقة ولديها خبرة من تعاملها مع المنظمات السياسة، بالإضافة إلى قراءة الكثير من الفلسفة السياسية والسير الذاتية والأخبار والتاريخ. لقد اكتسبت معرفة جيدة حول الشمال النرويجي من خلال التصوير عدة مرات في فينمارك وسفالبارد. لذلك كان لدي أساس جيد فيما يتعلق بالكتابة عن الشمال النرويجي والمناخ والموارد الطبيعية والسيناريوهات السياسية، لكن لم يكن لدي سوى القليل من المعرفة بالجيش بشكل عام، المقاتلين الطيارين بشكل خاص. من هنا كان علي الاعتماد على مساعدة الخبراء. كان هناك العديد من أفراد القوات الجوية والقوات المسلحة الذين ساهموا معي بخبراتهم. فيما يتعلق بالتهديد الجيوسياسي الذي يشكله المجمع الصناعي العسكري الناشئ بشكل متزايد، فقد استمعت إلى عدد مثير للقلق من المناقشات والمقابلات والمحاضرات مع الخبراء، فضلا عن قراءة الأدبيات الأكاديمية. هذا مجال مهم وأعتقد أنه غير معروف نسبيا".

تضيء غريتي بو بو بنهاية الرواية جوانب من تجربة هذه الرواية عبر ما أطلقت عليه "اعترافات مؤلفة"، تقول "بما أنني كتبت وأخرجت أفلامًا وبرامج تلفزيونية لأكثر من عشرين عامًا، تبيَّن لي أن الانتقال إلى كتابة الأدب منعشٌ للغاية. أعتقد أن همينغوي هو من قال إذا كان الفيلم مكعب حساء، إذن فالكتاب ثور. أنا أوافقه الرأي لأن الكتاب يمكنه أن ينطوي على مستويات كثيرة من الخيال تفوق تلك التي في سيناريو الفيلم بكثير.

وتكشف إن نقطة البداية في رواية "استغاثة" تعد هي الخطر المتزايد الناجم من احتمال حدوث صراع جغرافي سياسي بين روسيا وحلف "الناتو" في القطب الشمالي. جاءتني الفكرة أثناء تصوير فيلم "عملية القطب الشمالي". كنا نقف على ممر الطائرات في مطار "بودو" ونحن نصور تدريب "الناتو" بينما كانت عدة طائرات "إف- 16" تُقلع بجانبنا واحدة تلو الأخرى. امتلأت "بودو" بالطيارين المقاتلين المشاركين في التدريب فانتهى بي الأمر بالحديث مع بعضهم. تحدثوا عن توتر عمليات الاعتراض الجوي مع طائرات الطيارين المقاتلين الروس في الحدود النرويجية الروسية، فقلت في نفسي.. ماذا لو تعرضوا لحادث؟.. تلقيت مساعدةً لا تُقدر بثمن من عدة أشخاص وأنا أؤلف هذا الكتاب وكان استماعي لحديث بعض من أبرز الخبراء في مجالاتهم، والتعلُّم منهم مغامرةً لي في حد ذاته.

وتوجه غريتي بو بو الشكر إلى محرري "كنوت جورفيل" الذي تابع الكتاب بصبر شديد من مهده إلى ما أصبح عليه الآن بين يديكم. وتقول "بعد أن فرغت من حديثي القصير مع طياري "الناتو" الذين لا أتذكر أسماءهم للأسف، ظهر أمامي الأخوان الشهيران "ألف سفيردراب" و"بجورن سفيردراب". تمتع كلٌ منهما بقدر كبير من الحكمة والخبرة تحديدًا في أكثر الجوانب التي احتجت أن أعرف مزيدًا عنها ومنحاني إلهامًا واقتراحات وضعت كتابي على المسار الصحيح. أسهم أيضًا رئيس قسم المروحيات السابق في المراقبة الجوية بالنرويج وطيار المروحيات في القوات المسلحة النرويجية "جير هامر" في المواجهات التدريبية في مرحلة مبكرة من عملية الكتابة. أسهم "جير" إسهامًا كبيرة في فيلم "عملية القطب الشمالي" وكان سخيًا في إسداء النصائح المفيدة فيما يتعلق بكتابة الرواية".

وتضيف "عندما قدَّمني كنوت جورفيل لأحد أفضل المؤلفين بالنسبة لي وهو "توركل دامهوج"، ليكون مستشاري الأدبي. يجب أن اعترف أنني شعرت بالخجل والتوتر. يرجع الفضل لنوايا "توركل" الحسنة وتوجيهاته الرشيدة في تحسن جودة النتيجة النهائية بشكل ملحوظ ، منذ أن بدأت فكرة الكتاب حتى نهايته. باعتباري أديبة مبتدئة لم أكن لأحظى بمستشار أفضل منه. أود أن أشكر أيضًا رئيسة التحرير "ماريان فوجيلسو نيلسون" محررة "نادي جريمة أنجا رالم"، ورئيسة قسم التحرير "ميريام إدموندز"، وجميع من يعملون في دار نشر "كابلن دام" على دعمهم الصادق، وإيمانهم، وثقتهم. أرغب كذلك في شكر "برنهارد موهر" أحد أفضل خبراء شؤون روسيا و"بوتين" في النرويج، الذي كانت قراءته الدقيقة للنص وتعليقاته البناءة عونًا لا يُقدَّر بثمن. استفدت أيضًا في اللحظات الأخيرة من إسهامات "هانس ويلهلم ستاينفيلد" القيِّمة التي ألهمتنى حقًا لفكرة تسليط الضوء على مدى خطورة حدوث سوء تفاهم بسيط قد يؤدي إلى حرب نووية. كان أحد الأمثلة الواضحة على ذلك الأزمة التي منع حدوثها "ستانيسلاف بيتروف" بحكمة بالغة عام 1983 ووصفها "ستاينفيلد" بحكمة بالغة أيضًا في كتابه "بوتين" والذي أشرت إليه في هذه الرواية في صفحة 120.

وتلفت غريتي بو بو "استمتعت كثيرًا وأنا أصور في قرية شعب السامي "كاوتوكينو" على مر السنين لقناة "إن أر كي" ولشركات الإنتاج الأجنبية. تركت كلٌ من المناظر الطبيعية، والثقافة، وشعب "السامي" انطباعًا لا يُمحى لديَّ، وأنا أعتقد أننا بحاجة إلى الحفاظ على الحكمة التي تمتلكها الشعوب الأصلية في العالم واتباعها. أود أن أشكر صديقتي العزيزة "ماري سار" التي شاركتني تجاربها في حياة شعب السامي ودعتني إلى سلسلة من العروض المُلهمة في "بيفاش" المسرح القومي لشعب السامي. أتوجه بجزيل الشكر أيضًا لإحدى أبرز مغنيي الـ"الجويك" في النرويج وبين شعب "السامي" وواحدة من السفراء الثقافيين "سارة ماريل جو بيسكا" على الأفكار التي أعطتها لي.

وتقول "كانت بطلتي "إيلفا نوردال"، شخصية فريدة لكونها طيارة مقاتلة لطائرات طراز "إف-16" استمتعت كثيرًا بحديثي مع إحدى الطيارتين اللتين تقودان طائرات "إف-16" في النرويج، وهي الملازمة "ماريان مييلد كنوستن". كان هذا الحديث في إطار بحثي وجمعي للمعلومات. يجب أن أعترف إنني انبهرت بها لأنها أسطورة. تلقيت مزيدًا من العون أيضًا من القوات المسلحة النرويجية فيما يخص طائرات "إف-16"، لكن إن ظهرت أي أخطاء فنية في الرواية رغمًا عن ذلك، فسيكون هذا خطئي بالكامل. رغم أن نيتي في البداية كانت أن تعكس حبكة الكتاب واقع اليوم، لكنني وضعت لمسات فنية في المواضع التي شعرت بأهميتها فيها. نجد العلاقة بين الحقيقة والخيال في فن رواية القصص موضع نقاش دائم، لكنني أؤيد جواز الشعرية في الروايات الخيالية لأن هذا يعطى الكاتب مساحة للتعبير عن أفكاره بطريقة تتخطى مجرد التوثيق.

وتخلص قائلة "أود أن أشكر "توربين سنيكيستاد" الذي قرأ بعينيه الثاقبتين نسخًا لا تُعد ولا تُحصى من الرواية، وعلَّق عليها وصحَّح بعض الأشياء بها كالمراجعين المحترفين.. لقد عاش "توربين" مع "إيلفا" و"جون" والظروف القطبية القاسية.. ومعي.. لوقت طويل حتى الآن. أُقدِّر صبره واهتمامه بالتفاصيل، كما أنني ممتنة بشكل لا يُوصف لدعمه الصادق. آمل أن يبقى دائمًا معنا. أنا سعيدة أنك أعطيتني كل وقتك ومعرفتك. شكرًا على المساعدة والدعم اللذين حصلت عليهما منك ومن العائلة والأصدقاء، ترى رواية "استغاثة" النور أخيرًا الآن. يقولون إن "كتابة فيلم كالسباحة في حوض الاستحمام، أمَّا كتابة الرواية فهي أشبه بالسباحة في البحر". أعلن انطلاقي رسميًا الآن مع رواية "استغاثة!".

مقتطف من الرواية

كان الليل لا يزال يخيِّم على المكان عندما أزال "جون" و"إيلفا" المأوى وبدآ ما أملا أن تكون مرحلتهما الأخيرة في هذه الرحلة. كان من الشاق عليهما أن يتقدما عبر الثلج العميق في الغابة وسرعان ما وجدت "إيلفا" نفسها تلهث. توقفت حتى لا تتعرق بشكل مفرط. كان "جون" يسير خلفها وسمعت أنه يلهث مثلها أيضًا. شعرت بحرقة وألم في رئتيها مع كل نفس تأخذه فحاولت أن تقلل معدل تنفسها عن قصد لتعطي جسدها فرصة تعويض ما يفقده من حرارة.

استمرت في مراقبة "جون" لأنها صارت تراه من زاوية مختلفة تمامًا بعد حادثة الأمس. هذا الرجل لم يكن على ما يرام، وشعرت نحوه بشفقة وخوف. كانت تشعر بالحيرة أيضًا وتساءلت لماذا وافق الرائد "إيفانز" البطل الحاصل على نيشان الطيران المتميز وعدد لا نهاية له من الأوسمة الفخرية على تدريب طياري "الناتو" في المقام الأول في حين أنه لا يثق إطلاقًا في شرعية تدخلات "الناتو".

كان خروجهما من الغابة الخانقة وبلوغهما المرتفعات الجليدية المفتوحة مثل الدخول إلى عالم مختلف. لم يكن الصباح قد حل بعد عندما ارتحلا، كما أن الغابة لم تدع كثيرًا من ضوء القمر يتسلل عبر الأغصان المثقلة بالثلج، لكن الوضع في المرتفعات الجليدية كان مختلفًا. أضاء القمر المكان مثل بؤرة ضوء عملاقة. كان ضوء الفجر كالنار المحترقة في الأفق أمامهما وصارت "إيلفا" ترى المكان أمامهما بوضوح الآن. رمقت "جون" بجانبها وقد اعتلى وجهه تعبيرٌ عابسٌ ونظرة انطوائية. لا شيء يستنزف قوة الإنسان مثل البرد والألم المستمرين.

كانا يعانيان من قضمة الصقيع في وجهيهما ويديهما لكنهما قادران على التحمل إلى الآن. قلقت "إيلفا" أكثر بشأن ألم ساق "جون" وخاطره المُعذَّب. ظنت "إيلفا" أن من الجيد أنهما سيصلان للنرويج في أقل من أربع وعشرين ساعة لأنها شكت في قدرة "جون" على الصمود أكثر من هذا.

كانا يقظين وتقدَّما في صمت موتِّر. علما أن موقعهما مكشوف فوق المرتفعات الجليدية المفتوحة، حتى وإن كان ضوء الفجر ما زال خافتًا. كل ما عليهما فعله الآن هو الحفاظ على تركيزهما وهما يسيران خطواتهما الأخيرة في الصحراء القطبية الموحشة وهما في أكثر حالاتهما ضعفًا. سيكون عليهما أن يحذرا حتى لا يرصد مكانهما جنود قوات "سبيتسناز" أو الطائرات الآلية وطائرات المراقبة.