النص غير الحواري في المسرح التعبيري

الناقد المسرحي أحمد عامر يؤكد أن بقاء وحياة النصوص الدرامية من عدمه ليس قرارً يتخذه مؤلف النص.
مؤلفو النص غير الحواري يؤكدون ضرورة وأهمية وجود هذا النص
البحث كشف عن قدر كبير من الفجوات المعرفية، والعلمية، الخاصة بكل نص من النصوص غير الحوارية

يشكل ملتقى الشارقة للبحث المسرحي الذي ينظم في إطار مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في دورته السابعة منصة عربية لعرض وإبراز الأبحاث المسرحية المنجزة في أكاديميات المسرح في العالم العربي. وقد نوقش في اليوم الثاني للملتقى بحث الناقد المسرحي د. أحمد عبدالمنعم عامر "النص غير الحواري في المسرح التعبيري" والذي حصل عنه على درجة الدكتوراه في علوم المسرح، وانطلق من ملاحظات، وأسئلة، حول ماهية وجدوى كل ما ليس حوارًا في النص الدرامي المسرحي المطبوع، ومدى إمكانية اعتبار كل هذا نصا سيميوطيقيًا، واعتبار كل عنصر من العناصر المكونة له نصا سيميوطيقيًا أصغر.
 وكشف عامر في بحثه عن أنساق بنائية، وعلامات دالة تسهم في إنتاج المعنى، بدرجات متصاعدة، بدءًا من حدود العلامة الصغرى، وحتى تأثيرها في المعنى العام للعلامة الكبرى، التي هي النص الدرامي المسرحي، والعلامة الأكبر التي هي العرض الدرامي المسرحي أمام جمهوره.
وقال: "أكد مؤلفو النص غير الحواري أنفسهم ضرورة وأهمية وجود هذا النص، بداية من المؤلف الدرامي، ومرورًا بكل من يتدخل في تحرير النص، تمهيدًا لطباعته، ونشره في لغته الأصلية، وانتهاءً بتأليف المترجم لما يرى أنه يفيد النص، ويحتاجه المتلقي، ليفهم ماذا أراد المؤلف الأصلي. ولكن هذه الإسهامات تأتي وفقا لرغبة، وقرار كل فاعل من الفاعلين الثلاثة: المؤلف، والمحرر، والمترجم، دون أن يكون هناك نظام حاكم، وقواعد تم اختبارها، وهو ما سعى هذا البحث للوصول إليه، حتى يكون أمام كل فاعل، أو من يزيد عليهم، ما يسير عليه لرفع كفاءة النصوص غير الحوارية في النص المطبوع، وبالتالي رفع كفاءة النص/العرض الدرامي المسرحي ككل.
وأكد عامر أن ما وصل إليه البحث من كشف لعلامات النص غير الحواري التعبيري، وغير التعبيري، هو في ذاته كاشفا لمدى ودرجة تعبيرية النصوص، أو واقعيتها، أو طبيعيتها، أو كلاسيكيتها؛ فالنصوص غير الحوارية تمكِّن قارئها من الحكم، بناء على معيار الدرجة، وليس الإجابة بنعم، أو لا، وفقا لمعيار نقاء النوع الكلاسيكي. وهو ما يمكن اعتباره عاملا مساعدًا، في الحكم على درجة تعبيرية نص درامي، لم يشتهر بتعبيريته، أو حتى بالحكم على أحد البنى الداخلية، الممثلة لنص من النصوص غير الحوارية، كأن يكون المنظر على درجة من التعبيرية، بالرغم من وجوده في نص طبيعي، أو أن يكون النص واقعيا/أيقونيا، بدرجة ما، بالرغم من كونه منظرًا لنص درامي تعبيري، وهكذا.

العديد من النصوص التي كتبت، ونشرت في القرن العشرين، ترتد عائدة إلى البنية الحوارية؛ حيث تكاد تخلو من النص غير الحواري تقريبا

وأضاف أن البحث كشف عن قدر كبير من الفجوات المعرفية، والعلمية، الخاصة بكل نص من النصوص غير الحوارية، عبر تاريخ الدراما المسرحية، منذ الكلاسيكية الإغريقية، وحتى تعبيرية بدايات القرن العشرين، مما يجعل من هذه النصوص كاشفة لحقائق جديدة، عن موضوعات قديمة، وبالتالي فهي تساعد في تقديم قراءات جديدة، قد تغير بعض المفاهيم الراسخة عن الكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، والتعبيرية، عند المسرحيين الأكاديميين، وصناع العروض.
أما عن علامات النص غير الحواري، فإن المعيار الأول لقياسه، هو معيار الوجود والعدم، فكثير من النصوص الدرامية، تعد من النصوص غير الحوارية، لكن الفرق بين مؤلفين يدركون ويعوضون هذا الغياب كسوفوكليس وشكسبير مثلا، وآخرين لا يعوضون هذا الغياب كبريشت وبوشنر مثلا، هو فرق في اختيار الحوار كبديل عن النصوص غير الحوارية، أو اختيار الإخراج كبديل، وهو ما يقلل جاهزية النص المطبوع للقراءة، وبالتالي تقل فرص نجاح العروض القائمة عليها، حتى مع مجهودات كبرى من المخرجين، فليس كل المخرجين على القدر نفسه من الموهبة، فيما يتعلق بالجانب الدرامي، ليعوضوا نقص النصوص. 
أما المعيار الثاني لقياس علامات النص غير الحواري، فهو مقدار الوجود، فالبعض يكتفي بوجود محدود لصفحة الشخصيات، أو كتابة جملة، أو كلمة، لتدل على المكان، أو الزمان، أو المنظر، في حين يزيد البعض الاهتمام كيفا، وكما، حتى يصل الأمر لوعي كبير بما يضيفه هذا النص، أو ذاك لعملية إنتاج المعنى في النص/العرض الدرامي المسرحي ككل.
أما علامات النص غير الحواري، في النصوص التعبيرية، فينطبق عليها ما سبق من الوجود والعدم، والتباين في مقدار هذا الوجود، ويختلف الأمر من مؤلف لآخر، ومن نص لآخر، عند المؤلف نفسه، لكن الكاشف في التعبيرية، هو مدى أهمية، وضرورة استكمال ما نقص من نصوص غير حوارية، شريطة ألا يمثل ذلك تعارضا مع صريح ما أعلنه المؤلف الأصلي؛ فإن هذه المعارضة تعد تشويها لنص المؤلف، وخيانة لأمانه النشر، أو الترجمة، كما حدث من المحررين، والمترجمين، للإنجليزية، والعربية، في النسخ السويدية، والإنجليزية، والعربية من مسرحية "حلم" لسترندبرج.
ورأى عامر أن هذا عن النص غير الحواري ككل، أما عن النصوص الفرعية، أو المكونة لهذا النص العام، فلكل نص علاماته، لكن يمكن رصد علامات مميزة لكل قسم من قسمي النص غير الحواري: فالقسم الخاص بالنصوص خارج إطار الحبكة، سواء ما تضمنته الرسالة: كصفحة الشخصيات، وصفحة الأجزاء الكمية، والهامش، أو ما لم تتضمنه: كالعنوان، والفضاء الطباعي، والمقدمات، والتعقيبات، والأغلفة ... فإن هذه النصوص غالبا ما تواجه صعوبات أكبر في إثبات جدارتها بالبحث، والاهتمام، العلمي، والإبداعي، والنقدي، كما تواجه صعوبات أخرى، تتعلق بالسطحية في النظر إليها، وتناولها، وهو ما يؤكد للرافضين رفضهم، وعدم أهميتها، وبالتالي كان على هذا البحث عبء الكشف، والتأكد، ثم التأكيد على أهمية هذه العناصر بالنسبة للنص الدرامي، بنائه، وتلقيه، وإعادة  إنتاجه في عرض مسرحي، أو أي صورة أخرى، وهو ما لا ينتظر أن ينهيه بحث واحد، ولا عدد قليل من الأبحاث، بل يحتاج لأن تتضمنه الخطط البحثية للأقسام العلمية، وأن تتبناه الورش الإبداعية، وأن تستفيد منه مؤسسات الطباعة والنشر، الحكومية، والخاصة.

مدى ودرجة تعبيرية النصوص
النصوص كاشفة لحقائق جديدة

وأوضح عامر أن القسم الثاني من أقسام النص غير الحواري، وهو الخاص بالنصوص داخل إطار الحبكة، فإنه أحسن حظا، فيما يتعلق بالاتفاق على انتمائه للتخصص الدرامي المسرحي، وذلك لكونه داخل الحبكة، ومن عمل المؤلف، ويتصل مباشرة بالحبكة، والعرض المسرحي، لكنه يواجه صعوبات من نوع مختلف، فالحديث عن المنظر مثلا يختلط بالحديث عن المكان، والمكان نفسه مصطلح يتخذ عددًا كبيرًا من المعاني المختلفة، وفقا لاستخدام كل باحث، أو ناقد، ثم أن الحديث عن المكان، والمنظر يشيع أنه حكر على تخصص الديكور، أو السينوغرافيا، مثلما الحديث عن التمثيل، والإخراج، وهو ما يجعل النصوص غير الحوارية، داخل إطار الحبكة، موزعة في الغالب ما بين تناول نظري، بعيد عن الواقع العملي الدرامي المسرحي، إبداعًا، ونقدًا، وبحثًا علميًا، أو هو مقتصر على العرض المسرحي، باعتبار السينوغرافيا، والتمثيل، والإخراج، والموسيقى، والرقص، من فنون العرض فقط، وكأن النصوص لا تشتمل على هذه البنى، والعلامات، وهو ما يكشف الصعوبات الخاصة بهذا القسم، وما يؤكد أهمية أن تتبنى الأقسام العلمية خططًا خاصة ببنى كل نص من النصوص غير الحوارية، داخل حبكة النص الدرامي المسرحي المطبوع، بل وكذلك الانتقال للنصوص التي تنتجها الفرق، ويكتبها صناع العرض، كتعديل، أو تطوير، أو إعادة كتابة، لنصوص قديمة، للوصول لما تحتاجه عمليات العرض المسرحي، ويجب أن يراعيه المؤلفون في نصوصهم من البداية.
ورأى أنه بناء على هذه القراءة العامة، لبنى، وعلامات، وتحديات، القسمين الكبيرين للنص غير الحواري، داخل النص الدرامي المسرحي المطبوع، فإن النصوص التي نشرت منذ قرون، ويعاد نشرها كلما نفدت، تعد من وجهة نظر هذا البحث، مسودات إبداعية، غير مكتملة، وتحتاج إلى تجهيز خاص، يكمل ما ينقصها، قبل إعادة طباعتها، ونشرها، لجمهورها الثلاثي: صناع العرض، والمتفرجين، وأخيرا: قراء النص الورقي. أما عن علامات كل نص من النصوص غير الحوارية، الواردة في هذا البحث، فيلي ذكر أهم ما كشف عنه البحث، وفقا لترتيب فصوله، وترتيب ما تضمنته الفصول من مباحث، وعناوين فرعية.
وفي تعقيباته على مداخلات المسرحيين نبّه عامر إلى إن بقاء وحياة وانتشار النصوص الدرامية من عدمه ليس قرارً يتخذه مؤلف النص، ولكنه يتوقف على كفاءة هذا النص في صورته التي يصل بها إلى قرائه، وخاصة صُنَّاع العروض المسرحية منهم، وليس في يد المؤلف إلا رفع كفاءة هذا النص الدرامي المطبوع ليكون قادرًا على البقاء، والاستمرار، والانتشار في عروض مسرحية متنوعة الرؤى في الزمان والمكان، لكن السؤال هنا عن معايير الحكم على كفاءة هذا النص المطبوع، وهل يقتصر الأمر على الموهبة والإبداع؟ أم يترك الأمر لحكم الواقع والتاريخ؟ أم أن هناك ما يمكن تطويره علميا ليمثل خطوات عملية، وقواعد محددة، لرفع كفاءة وجاهزية النص المطبوع للتلقي، وبالتالي لإعادة الإنتاج في عروض مسرحية؟
وأكد أن الصورة التي تتم طباعة النصوص بها تتدخل بها إرادات ليس من بينها إرادة وعقل وذات وموهبة وإبداع المؤلف الأصلي، ويزيد من ابتعاد النص المطبوع عن مؤلفه أن يقوم مترجم بنقله إلى لغة وثقافة وبيئة أخرى، فيعمل فيه عقله وقلبه وقلمه، ويتخذ من القرارات ما قد يتعارض بوضوح مع إرادة المؤلف.
وقال عامر إنه كلما تقدمت الدراما المسرحية نوعًا، وتاريخًا، كلما خرجت من هذه البنية الحوارية، وظهر اتجاه المؤلف الدرامي لكتابة ما يمكن اعتباره نصا غير حواري، يدعم النص الحواري، ويكمله، ويزيد من قابلية فهمه، وبالتالي إنتاجه بصورة أفضل في عروض مسرحية، مثل كتابة المنظر المسرحي، بعد غيابه تماما في النص الكلاسيكي، خاصة مع تقدم العمارة المسرحية وإمكانات خشبة المسرح، وهو ما لا يعني بالضرورة تفوقا إبداعيا، لكنه يعني بالضرورة إسهاما أكبر في إنتاج معنى أكثر وضوحا للعلامة المسرحية الكبرى، التي هي النص الدرامي ككل، استهدافا لتأثير أعلى بالعلامة الأكبر التي هي العرض المسرحي. 
لكن هذا التطور الخاص بما هو حواري، وغير حواري، لا يمتد تاريخيًا في خط مستقيم صاعد، بحيث يزداد مع التطور الدرامي بالضرورة، تطورا في شكل ومضمون هذا النص غير الحواري؛ فالعديد من النصوص التي كتبت، ونشرت في القرن العشرين، ترتد عائدة إلى البنية الحوارية؛ حيث تكاد تخلو من النص غير الحواري تقريبا؛ وهو ما يثير التساؤل حول مدى اعتبار أنه من علامات التقدم العلمي، والإبداعي الدرامي المسرحي، مساحة وجود النص غير الحواري في الدراما التي تعتمد بالأساس على الحوار، كما هو حال غالبية النصوص الدرامية المسرحية، وهو ما يحيل لما بعده من حديث عن تطوير النص غير الحواري كما وكيفا.