النظام الجزائري قطب جديد للاخوان في خدعة مقصودة

التنظيم العالمي للجماعة يروج لمزاعم انه مدعوم من اركان الحكم في الجزائر لكن شعبيته على الارض تتراجع ويزداد تقارب الجزائر مع الدول المناهضة للمد الاخواني في المنطقة.

الجزائر – يسعى قادة التنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين الى الايحاء بانهم على خط واحد مع النظام الجزائري، بل ذهبوا ابعد من ذلك الى الترويج لتحول هذا البلد الى أحد اقطاب التنظيم على غرار تركيا وقطر.
وتأتي هذه المزاعم في حين تتراجع شعبية الاحزاب الاخوانية في الجزائر منذ انتكاستهم في انتخابات 2017، وتتعزز علاقات هذا البلد خصوصا مع السعودية والامارات، اللتين تقفان في خط المواجهة الأولى مع المد الاخواني في المنطقة.
 وتروج دوائر اخوانية في التيار العالمي لمقاربة قائمة على دعم السلطات الجزائرية للتنظيم، لإيهام الرأي العام بتطابق خيارات السلطة مع أجندة التيار الاخواني، وهي المقاربة التي تريد المرور من خلالها الى ما بعد مربع الهدنة السياسية بين الطرفين، واستغلال مرونة النظام السياسي في التعاطي مع التيارات الإسلامية، نحو أخونة سلطات البلاد على غرار ما هو في تركيا وقطر. 
تعمل فعاليات اخوانية على الترويج لدخول السلطات الجديدة في الجزائر، على خط القطبية الاخوانية في المنطقة، وتبرر ذلك بالفتور الذي يخيم على العلاقات الجزائرية التركية والجزائرية القطرية، وهو الأمر الذي ترجعه الى شعور الدوحة وأنقرة بمنافسة جديدة من طرف الجزائر في استقطاب التيار الاخواني العالمي. 

مؤامرة كيدية للايقاع بين الجزائر وشركائها التقليديين في الشرق الأوسط، لا سيما السعودية والامارات العربية.

لكن حملة الزج بالنظام السياسي الجزائري في زاوية قيادة التيار الاخواني، لا يستبعد أن تكون مؤامرة كيدية للايقاع بين الجزائر وشركائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، المعروفتان بمناهضتهما للعقيدة الاخوانية وافرازاتها الأيديولوجية والأمنية، التي فرخت تنظيمات إرهابية مسلحة حولت المنطقة الى بؤرة توتر خطيرة. 
وتربط الجزائر والرياض وأبوظبي علاقات وثيقة خاصة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد مساعدتها على تجاوز موجة الربيع العربي منذ العام 2011، وهو الأمر الذي أغاظ قطر التي دخل وزير خارجيتها السابق في ملاسنة كلامية مع نظيره الجزائري الراحل مراد مدلسي في احدى القمم العربية، وظلت الجزائر حينها عصية على رياح التغيير الذي قادته قطر وتركيا في المنطقة، ودفعت بأذرعها الاخوانية الى الواجهة. 
وتعمل تلك الدوائرعلى استغلال التقارب بين السلطات الجزائرية وبعض الأحزاب الاخوانية في البلاد خاصة خلال الآونة الأخيرة، في التسويق لنظرية تتنافى والعقيدة السياسية للنخب الحاكمة في الجزائر، خاصة بالنسبة للعسكر الذي يمثل العمود الفقري للدولة، وأكبر الأحزاب السياسية الحائزة على الأغلبية في المجالس المنتخبة والمشهد السياسي بشكل عام. 
وتعرف العلاقات الجزائرية بقطبي التيار الاخواني العالمي (الدوحة وأنقرة)، فتورا لافتا في الآونة الأخيرة، حيث أرجئت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد للجزائر لأسباب غير معلنة، لكن الارجاء جاء في أعقاب قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ترحيل المدير العام لشركة "أوريودو" المملوكة لقطر، الألماني نيكولاي بيكرز، على خلفية التخابر مع جهات أجنبية. 
كما كادت أن تتحول زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجزائر نهاية شهر يناير الماضي، الى أزمة دبلوماسية، على خلفية سعي الأتراك لجر الجزائر الى الخلافات السياسية بين تركيا وفرنسا، وتوظيف الحقبة الاستعمارية (1830- 1962) بالجزائر، الى ذريعة لرد الأتراك على التهم الموجهة لهم من طرف الفرنسيين حول ما يعرف بـ "مجازر الأرمن". 

الزيارة التي كادت ان تذكي ازمة دبلوماسية بين الجزائر وتركيا
الزيارة التي كادت ان تذكي ازمة دبلوماسية بين الجزائر وتركيا

وهذا ما أوّلته دوائر اخوانية، بخلافات تعود الى استشعار الدوحة وأنقرة، بدخول الجزائر على خط المنافسة لاستقطاب التيار الاخواني، خاصة بعد جلب أحزاب اخوانية محلية الى معسكرها ودفعها الى غسل يديها من الحراك الشعبي الذي كانت تدعمه منذ انطلاقته في فبراير من العام الماضي.
وسجل استخلاف تركيا للقطب الاخواني بالقاهرة بعد سقوط التنظيم هناك، تقاربا لافتا بين القطب الجديد وبين أكبر الأحزاب الاخوانية في الجزائر (حركة مجتمع السلم-حمس)، تجسد في نشاط واضح على خط الجزائر تركيا، مما أوحى بإعادة ترتيب البيت الاخواني في الجزائر، لاسيما بعد رفع القيادة العامة للتيار في القاهرة، صفة الفرع الجزائري عن حركة "حمس"، بعد الخلافات التي دبت داخلها والصراع بين القياديين أبوجرة سلطاني وعبدالمجيد مناصرة بداية من العام 2011. 
وظلت حركة مجتمع السلم بقيادة عبد الرزاق مقري، تهلل للتقارب بينها وبين الأتراك، وتحول الرجل الأول فيها الى ذراع تركية في الجزائر، بعدما أبدى دفاعا مستميتا عن تطور العلاقات الرسمية بين البلدين، في وجه ما يعرف بـ "التيار الفرانكو علماني" الموالي لفرنسا، واعتبر في احدى تدويناته على حسابه الرسمي في الفيسبوك، أن " تطور العلاقات الجزائرية التركية هو امتداد للعمق الحضاري والروحي بين البلدين وبين الشعبين، وأنه مقدمة للتحلل من النفوذ الفرنسي ". 
لكن الذي غاب عن منظري حملة القطبية الجزائرية للتيار الاخواني، أن الفعاليات الاخوانية المحلية لم ترتق الا في وقت محدود الى مستوى الفرع الجزائري للتيار خلال ثمانينيات القرن الماضي، أثناء تزعم الراحلين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني، لحركة "حماس" حينها (حركة المجتمع الإسلامي)، قبل أن تتكيف في منتصف التسعينيات الى "حمس"، امتثالا لتعديل دستوري حظر استعمال الهوية الحضارية أو الدينية في الشأن السياسي، وهو ما لا يؤهلها لأن تكون فاعلا مهما في ترتيب الشأن الاخواني بالمنطقة. 
ويكون اعتراف رئيس جبهة العدالة والبناء عبد الله جاب الله، بعد انتكاسة الاخوان في الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017، بكون الظروف الإقليمية السائدة في المنطقة كسقوط اخوان مصر، ودخول قوى إقليمية في الخليج العربي على خط مناهضة التيار، لتجنيب المنطقة مخطط الأخونة والمد الإرهابي، فضلا عن استحالة الوصول الى حلف اخواني داخلي بسبب الحزازات الشخصية بين القيادات، قد ساهم بشكل كبير في تراجع شعبية التيار بالجزائر. 
ويبدو أن التقارب المسجل بين السلطة والإسلاميين منذ مطلع الألفية، تحت غطاء قانون المصالحة الوطنية الذي أقره الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة العامين 1999 و2005، من أجل تجفيف حمام الحرب الأهلية في البلاد، قد أحدثت التباسا لدى القائلين بأخونة السلطة الجزائرية، لأن بنية النظام لا زالت تعتبر مؤسسة الجيش هي نواة السلطة، والمؤسسة ذاتها مهما تماهت مع تيار الحمائم المهادن، فان الصقور الرافضين لأي تقارب مع الإسلاميين يأخذون تجليات تظهر في مؤسسة الجيش، كما تظهر في القوى السياسية والمجتمع المدني والاعلام، وهو ما يكون دفع الاخوان الى تبني خيار "المشاركة" أملا في تفادي الصدام مع السلطة والاستفادة من تجربة الجبهة الإسلامية للانقاذ المحظورة. 
وإذ يعتقد هؤلاء أن التقارب المذكور يؤسس لأخونة النظام السياسي في البلاد، فان تجربة تعاطي النظام المذكور مع الإسلاميين بمختلف توجهاتهم الأيديولوجية والمرجعية، تبقى تجربة فريدة من نوعها، لأنها بتجاوز المد الشعبي والسياسي لجبهة الإنقاذ في مطلع التسعينيات، عبر الدفع بالصراع الى الجبهة الأمنية، وتقريب أحزاب الاخوان من معسكرها لتكون بديلا سياسيا لها، ثم توظيف تيارات أخرى كالسلفية العلمية والصوفية لاجهاض العقيدة الجهادية، وتوريط نفس الأحزاب في منظومة الحكم، حوّل التيار برمته ومكوناته المتعددة الى أداة في يدها انتهت الى ما اعترف به القيادي عبد الله جاب الله، حول نهاية الإسلام السياسي في الجزائر، مما يدحض القول بإمكانية أخونة النظام الحاكم في الجزائر.