النظم الديمقراطية حل لقضايا الشعوب الشرق الأوسطية

تعتبر مسألة الحقوق المشروعة للشعوب واحدةً من أبرز القضايا الشائكة والتي تحتاج إلى حل دائم في منطقة الشرق الأوسط، وهي أساساً مفتاح تنمية ونهضة المنطقة برمتها والتخلص من تخلفها وغفوتها وتأخرها الحضاري الطويل.

ولعل من أهم أسباب الحؤول دون حل قضايا الشعوب حتى الآن هي الاحتلال والتدخل الخارجي المباشر، وسيادة الأنظمة الشوفينية سواء كانت دينية أو قومية متطرفة والتي طبقت سياسة الإبادة والتهميش والقمع تجاه الحقوق والهوية الثقافية واللغوية والحضارية لشعوب المنطقة.

في تركيا قام النظام الفاشي القومي- الديني ومنذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، باستهداف الوجود الهوياتي للشعوب الأرمنية والسريانية والكردية وهي مستمرة بهذا النهج والسياسة حتى الآن. وفي إيران كذلك أيضاً، فالقوميون الفرس المتطرفين يسيطرون على مقاليد الأمور في إيران ويقمعون الشعوب الأخرى من الكرد والعرب والبلوش.. الخ.

وفي العراق لم يعد أحد ألا ويعلم حجم المجازر الذي تعرض له الشعب الكردي هناك، وإلى الآن ترفض الحكومات المركزية في العراق مبدأ حق تقرير المصير لباشور كردستان التي قررت مؤخراً التوجه إلى الاستقلال عن العراق، وجوبه بزحف عسكري عراقي وبدعم إيراني وتركي وحتى دولي نحو المناطق المستقطعة من كردستان، كركوك وخانقين …إلخ.

وفي سوريا تعرضت الشعوب الكردية والسريانية إلى قمع ثقافي وسياسي متواصل في عهد كل الحكومات السورية منذ استقلال سوريا في عام 1947، ونفذت الطبقة القومية العربية المتطرفة الحاكمة سياسات التغيير الديمغرافي تجاه الشعوب السورية والكردية خصوصاً، وعملت على مبدأ فرق تسد لضرب المكونات والشعوب السورية بعضها ببعض. وفي فلسطين أيضاً لا يزال الشعب الفلسطيني يناضل من أجل حقوقه المشروعة وإعلان كيانهم المستقل، إلا أن الطبقات المتطرفة الحاكمة في إسرائيل ترفض ذلك، وتقوم منذ عقود ببناء مستوطنات واستقطاع الأراضي الفلسطينية.

وبالتالي، فإن عملية استهداف الشعوب هي سياسة ممنهجة من قبل الأنظمة القومية والدينية الشوفينية السائدة والمسيطرة على كيانات منطقة الشرق الأوسط، وهذه الأنظمة لو تتبعنا الخط الداعم لها سيتضح أن الدول الاستعمارية الغربية عموماً تساهم إلى حد بعيد في دعم هذه الأنظمة وبقائها على أنفاس شعوب المنطقة.

لكن لماذا؟

الهدف واضح، وهو أن النظم الديمقراطية الحقيقية هي الوحيدة القادرة على النهوض بالمجتمعات والحفاظ على الهويات الثقافية والحضارية لكل المكونات والشعوب، وهذا ما سيفتح العنان لعملية متسارعة في مجال التنمية والنهضة على كافة الصعد، وهذا بالذات ما تخاف منه الدول الاستعمارية في العالم. ولذلك تعمل وتبذل كل جهودها وما تملكه من إمكانات في سبيل إبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة من التخلف الحضاري، ولا يتم ذلك إلا عن طريق دعم الأنظمة الشوفينية في المنطقة التي تنهش مجتمعات شعوبها دون أن تدرك خطورة ما تقوم به على حاضر ومستقبل المنطقة.

وهذا يعني أن النهوض بالمنطقة لا يتم إلا عن طريق بناء النظم الديمقراطية الحقيقية التي تستند على إدارة المجتمعات لذاتها دون أي تهميش أو غبن تجاه أي مكون كان. أما التطرف وسياسة التهميش وإبادة المكونات الأخرى فلن يفيد أحداً وستبقي المنطقة في حالة من الهشاشة الحضارية الدائمة.