النقد الثقافي في 'صحافة المهرجانات' يغيب والدعاية المجانية تسيطر

الصحافة السينمائية المغربية تعلق بين أبواق تطبل لجهة داعمة وأقلام منهمكة في تقديم تحليلات نقدية موضوعية للجمهور من أجل مواكبة التظاهرات الفنية.

الرباط - إن الحديث عن مفهوم الصحافة السينمائية لهو حديث وكشف لمهنة ثقافية عموما، بكل ما تحمله من علاقات في بعديها الثقافي والفني، فالدعاية في هذا الشأن هي ذلك الأساس الذي تبحث عن المؤسسة الإعلامية في صورتها الكاملة المثالية والتي منها تتسرب أشكال من نقد سينمائي ذي أبعاد غير محدودة كما هو الشأن بالنسبة لصحافة الذوق وصحافة الرأي، فإلى إلى أي حد يمكن أن نفرق بين هذا النوع وذاك؟ وما هو النوع الاكثر انتشارا في المهرجانات السينمائية المغربية أو في العروض الما قبل الأولى للأفلام التي تعرض في القاعات السينمائية؟

إن دور صحافة المهرجانات السينمائية هو مساعدة الناس في التعرف على كل الأنشطة الموجودة في برنامج المهرجان، ويكون الصحفي جيدا إذا ساعد الناس على فهم ما يتعلق بالثقافة السينمائية من خلال مواضيع الندوات، وتأطير الورشات، ومسابقة الأفلام، وهو صحفي حكيم إذا استطاع تجنب التطبيل والتهليل لمدير المهرجان أو لقصة شعر فلان، أو فستان فلانة، فهذا لا علاقة له بالثقافة بقدر ما هو دعاية مجانية لا تغني من جوع، إذ يتجاهل الصحفي الرصين نظام التفاهة هذا، ويركز ويثير الناس ويوقد فيهم الرغبة في مواكبة المهرجان ومناقشة الأفلام واقتناء الكتب أو التعرف على أهل السينما والتلفزيون عن قرب، وقد يكون صحفيا سيئا إن أخفق في استقطاب الجمهور وعدم لفت انتباه الفئة المثقفة المهتمة بالفن السابع.

وفي هذا السياق، يطرح المنظر السينمائي الراحل ديفيد برودول(1947-2024) في كتابه 'صنع المعنى: الاستدلال والبلاغة في فهم السينما' (الصفحة 35) مقولة تمكننا من التعرف على نوعين من الصحافة السينمائية: صحافة الرأي، التي يقدم فيها الصحفي موقفا تجاه فيلم معين متأنيا وناجما عن طول تفكير، مدعوما بمجموعة من الحجج وبمعلومات عن خلفية الفيلم، وصحافة الذوق التي يقدم فيها الصحفي تقييما فنيا وتقنيا للفيلم.

وتجمع الصحافة السينمائية ذات المعايير العالمية هذين النوعين من الصحافة، أما في العالم العربي وخاصة في السينما المغربية، فتقوم الصحافة بالإعلان عن شيء مثير للجدل في التظاهرات السينمائية كخطيبة فلان مثلا، أو أول ظهور للممثلة فلانة بعد طلاقها من فلان، أو المخرج المثير للجدل كذا بسبب وجيه أو بدونه، والمدير العظيم الذي وضع برنامج  ثقافي بيزنطي مثلا، أو استضافته لممثلة ليست مغربية في لجنة التحكيم يتباهى بها أمام المغاربة، فنادق فخمة لصناع الافلام الاجانب من الممثلات الجدد وتجاهل صناع السينما المغربية الأوائل أو دعوتهم إلى مأوى الشباب كمبيث والقائمة طويلة في هذا الشأن.

أين هي هوية الثقافة السينمائية المغربية إذا كانت الدعوات توجه للمخرج فلان من السنغال والممثلة علانة من فرنسا ولجن تحكيم لا علاقة لهم بصناعة الأفلام، مع تمرير رسائل نسوية تظهر بشكل لافت في اختيار تيمة المهرجان أو قضية تخصهم تطرح في أحد ندواته، فماذا عنا وعن هويتنا وثقافتنا السينمائية؟ أليس الأولوية لرواد السينما المغربية في لجان التحكيم؟ إذ العديد منهم تم تجاهله بصفة متعمدة، وعند وفاتهم يتم نشر صورهم والتباهي المزيف بإنسانيتهم.

ويطلق ديفيد برودول على هذا النوع من الصحافة "مومس الاستشهادات" وهي تدل على الصحفي الذي يوفر للمنتج أو المخرج أو الممثل أو مدير المهرجان عبارة رنانة للإعلان عن فيلم جديد كما يحصل في المغرب مع بعض شركت الانتاج، بغض النظر عن جودة الفيلم  أو التظاهرة السينمائية، وهذا النوع من الصحافة يستعمل بالطبع لدعم الدعاية المجانية للافلام السيئة، وأحيانا يقوم المخرج أو المنتج أو المدير بكتابة نصه بنفسه تم يطلب من الصحفي ان يضع اسمه عليه وهي ممارسة لا تقبلها صحافة الرأي والذوق ولا يقبلها كاتب نزيه.

إن عمل الصحفي السينمائي داخل المهرجانات أن يقدم أخبار ذات قيمة ثقافية وفنية للقارئ، ويعلق على جوانب هامة من فيلم معين يستحق الاهتمام، وهذه المهام لا تخرج عن إطار الرسالة النبيلة التي تقدم للجمهور المغربي كمجتمع في طور النمو، على عكس الرسائل الملغومة بالمثلية الجنسية أو النسوية المستقلة أو التطبيل لفتح 300 قاعة سينمائية بيزنطية وما هي في الحقيقة إلا دور شباب ومراكز ثقافية مجهزة بشاشة عرض داتا شو مرتبطة بكمبيوتر.

وتصبح مهمة الكتابة النقدية السينمائية الحرة فكريا ومؤسساتيا بصفتها نشاطا كتابيا هي تقديم مراجعات مستنيرة للخلفية الهشة التي تأتي بهذا النوع الباهت من الصحافة المطبلة للجهات الداعمة انتاجيا، فتكتب وتنتقد احتراما للقيمة الترفيهية والاجتماعية للتظاهرات السينمائية التي تمول من ضرائب الشعب المغربي، والذي يستحق التواضع من أهل الفن لانه مصدر قوت لهم ويستحق برامج ذات قيمة فنية وثقافية واعية، فبدون جمهور لا تمويلات لمشاريعهم ولا عيش فني يذكر.

ونخلص إلى أن دور الصحافة السينمائية في المهرجانات ليس الحديث عن الحياة الشخصية لصناع الفن أو عن مكياجهم وفساتينهم وقصات الشعر والبدلات الرسمية، بل يكمن في تغطية الأحداث المتعلقة بالمهرجان، بما في ذلك استعراض الأفلام المشاركة، وتقديم تقارير عن العروض الخاصة والحفلات الافتتاحية والتكريمات، وإجراء مقابلات مع المشاركين من صناع الأفلام والنجوم، وتقديم تحليلات حول الاتجاهات السينمائية الحالية والتطورات في صناعة السينما، كما تساهم الاستعراضات والتقييمات التي تقدمها الصحافة السينمائية في المهرجانات في توجيه اهتمام الجمهور والصناعة نحو الأفلام ذات القيمة الفنية والثقافية.