النهضة تتمسك بالشاهد لحسابات سياسية

تعليق وثيقة قرطاج 2 يسلط الضوء على الخلافات العميقة بين الأطراف الموقعة عليها وتشير إلى ترحيل محتمل للنقطة 64 المتعلقة بمصير يوسف الشاهد إلى البرلمان.

الأزمة السياسية في تونس تتجه للمزيد من التفاقم
في مفارقة سياسية، النداء يدفع لإقالة الشاهد والنهضة تتمسك به
النهضة تطالب المطالبين برحيل الشاهد بالبديل

مع إعلان سعيدة قراش المستشارة السياسية للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أن الأخير قرر تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 إلى أجل لاحق بعد فشل الأطراف الموقعة على الوثيقة خلال اجتماع أشرف عليه اليوم الإثنين في التوصل إلى اتفاق بشأن رحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد من عدمه، تكون تونس بدأت تخطو نحو أزمة أشد فيما قال سياسيون إن المسار الديمقراطي أصبح في مهب المجهول.

وكان قائد السبسي قد راهن على الاجتماع بشأن فض الخلاف بين النهضة المتمسكة بالشاهد من جهة وبين مختلف الأطراف الموقعة على الوثيقة والمطالبة برحيله.

وخلال الاجتماع تمسكت النهضة بمجرد إدخال تغيير جزئي على الحكومة تحت يافطة الاستقرار السياسي فيما طالبت بقية الأطراف وفي مقدمتها نداء تونس واتحاد الشغل واتحاد الأعراف ومنظمة المرأة بتغيير في العمق وبرحيل الشاهد نظرا لفشل سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي زجت بالبلاد في أزمة حادة.

وعلى اثر الاجتماع قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح لوسائل الإعلام "إذا كان قائد السبسي يريد تغيير الشاهد عليه أن يتوجه إلى البرلمان".

وحمل الغنوشي مسؤولية تعليق العمل بوثيقة قرطاج للأطراف التي قال إنها لم تسع للتوافق والحال أن قائد السبسي قال في اجتماع سابق أنه تم الإجماع على 63 نقطة من أولويات برامج الوثيقة ولم يبق سوى التوافق على النقطة 64 المتعلقة برحيل الشاهد.

وشدد على أن حركة النهضة لا يمكنها المضي قدما في تقديم التنازلات عندما يتعلق الأمر بتعريض المصلحة الوطنية للخطر، مضيفا أنّه لا مصلحة لتونس في الظرف الراهن في الإطاحة بالحكومة دون وجود بديل واضح.

وقال "النهضة تساند مبدأ ضخ دماء جديدة إلا أن الوقت غير مناسب لتغيير حكومي شامل لأن مصلحة البلاد لا تتحمل ذلك".

غير أن نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل قال في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية الخاصة إثر تعليق النقاشات، إنه يحترم مختلف وجهات النظر وجميع الأفكار التي طرحت خلال الاجتماع.

وشدد في المقابل على تحميل المسؤولية لبعض الأطراف في إشارة ضمنية إلى حركة النهضة بسبب تمسكها بموقفها بشأن النقطة الخلافية 64 الواردة بوثيقة قرطاج 2 والمتعلقة بالتعديل الوزاري ومصير الشاهد.

واعتبر الطبوبي أن كل شخص يتحمل مسؤوليته وهو ليس ملزما بأي شيء بدء من اليوم ما يعني أن اتحاد الشغل سيواصل تصعيد معارضته للحكومة.

غير أن الغنوشي اعتبر أن حركة النهضة لا يمكنها المضي قدما في تقديم التنازلات عندما يتعلق الأمر بتعريض المصلحة الوطنية للخطر، مضيفا أنه لا مصلحة لتونس في الظرف الراهن في الإطاحة بالحكومة دون وجود بديل واضح.

وتابع 'لو أراد رئيس الدولة تغيير الحكومة لقام بذلك وله عديد الطرق التي تخول له ذلك، ولو طلب منه رئيس الدولة الاستقالة لاستقال لأنه هو الذي أتى به ولا وجود لما يدل أن رئيس الدولة عازم على تغيير الحكومة".

وتفاعلا مع فشل الاجتماع شدد محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي على أن "تونس باتت اليوم بين فكي أزمة سياسية عميقة لا قرار لها"، ملاحظا أن "البلاد بدأت فعلا تخطو نحو المجهول وأن المسار الديمقراطي بات هو الآخر في مهب العاصفة".

وقال الكيلاني وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين إن "الطروح اليوم على تونس هو بناء القوة الضامنة لمسار الانتقال الديمقراطي" غير أنه استدرك "مع الأسف فإن القوى الديمقراطية تم تشتيتها من قبل التحالف بين النداء والنهضة. وتدفع من خلال تمسكها بالشاهد إلى اللجوء للبرلمان مراهنة على قواعدها الانتخابية وتحالفها مع كتل تابعة لعدد من الأحزاب الأخرى".

ويرى خبراء القانون الدستوري أن هناك ثلاثة سيناريوهات لإنهاء الأزمة أولها يتمثل في الاستقالة الشاهد طوعا ويتم إثره تغيير تركيبة الحكومة وثانيها يتمثل في طرح مسألة تجديد الثقة في الحكومة على الجلسة العامة بالبرلمان من قبل رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، أما ثالثها فيتمثل في التوقيع على وثيقة لوم ضد الحكومة من قبل ثلث أعضاء البرلمان لتتم المصادقة عليها من قبل الأغلبية المطلقة.

ورأى الكيلاني أن النهضة تدفع باتجاه انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة مستفيدة من فوزها في الانتخابات البلدية التي جرت في شهر مايو/ايار.

وأشار إلى أن الحركة تريد أن تدخل الانتخابات في ظل تفكك القوى الديمقراطية لتوفير أكثر ما يمكن من أسباب النجاح"، ملاحظا أن التحالف مع النداء وفر لها "تفكيك السلطة".

ويقلل مراقبون من مراهنة النهضة على جر المسار السياسي الديمقراطي إلى مأزق تستفيد منه هي مراهنة فاشلة مسبقا باعتبار أن الرئيس قائد السبسي له من الصلاحيات الدستورية ما يساعده على إنهاء الأزمة بأقل ما يمكن من التكلفة السياسية.

غير أن الكيلاني قال "ما كنا لنصل إلى هذا الوضع لولا سياسات استرضاء النهضة على الرغم من أنها تسعى إلى فرملة المسار الديمقراطي".

وشدد على أنه "بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج وما أصبحت تمثله النهضة النهضة من خطورة على المسار السياسي لا يوجد أحد بإمكانه حماية التجربة الديمقراطية التونسية في الوقت الحاضر".