النهضة تسعى إلى ترحيل أزمة الشاهد إلى البرلمان

محللون يعتبرون تمسك النهضة بالشاهد مفارقة غريبة تعكس مخاوف الحركة من تركيبة حكومية لا تكون على مقاس أجندتها.

تونس - قال قيادي في حركة النهضة الإسلامية وعضو في لجنة خبراء لجنة "قرطاج 2" إنه في حال عدم التوصل إلى الاتفاق بشأن الإبقاء على يوسف الشاهد رئيسا للحكومة فإن الحركة سترفع ملف أزمة الرئاسات الثلاث، رئيس البرلمان ورئيس الدولة ورئيس الحكومة، فيما قال مراقبون إن الحركة تراهن على تمزيق الوثيقة لفرض تمسكها بالشاهد.

وقال رضا شكندالي لميدل ايست أونلاين "إن الحركة متمسكة بموقفها بشأن الإبقاء على الشاهد رئيسا للحكومة وهي تختلف في ذلك مع بقية الأطراف منها حزب نداء تونس واتحاد الشغل اللذان يطالبان بتغيير هيكلي على الحكومة".

ويستبطن موقف النهضة المثير للجدل في ظل نوع من الإجماع على رحيل الشاهد مسعى إلى ترحيل الأزمة السياسية بين الأطراف الموقعة على الوثيقة إلى مؤسسات الدولة في عملية مشابهة لإقالة الحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق.

وترى النهضة، وفق تسريبات، أن استماتة كل من النداء واتحاد الشغل في ترحيل الشاهد جاءت على خلفية عملية توافقية تمت بين الرئيس السبسي ونور الدين الطبوبي وليس بناء على تشخيص للأوضاع العامة للبلاد وعلى مدى أهمية أداء رئيس الحكومة.

وخلال اجتماع لجنة الخبراء المنبثقة عن لجنة "قرطاج 2" دافعت النهضة بشدة على الشاهد مشددة على أنها ترفض رحيله والتغيير الهيكلي للحكومة وتطالب بالاكتفاء بإجراء تعديل وزاري جزئي وفني "حفاظا على الاستقرار".

وقال شكندالي "إن خلاف النهضة مع بقية الأطراف حول رحيل الشاهد من عدمه هو خلاف سياسي جوهري" مشددا على أن "الحركة تتمسك بالإبقاء على الشاهد من أجل الحفاظ على الاستقرار الحكومي والسياسي في البلاد".

رضا شكندالي
الحركة متمسكة بموقفها بالإبقاء على الشاهد

وأثار موقف النهضة الساعي إلى ترحيل ملف أزمة الشاهد إلى البرلمان جدلا في الأوساط السياسية والإعلامية التي لم تتردد في وصفه بالمفارقة إذ في الوقت الذي يطالب فيه النداء الذي يمثل الشاهد أحد قياداته برحيله تتمسك الحركة بالإبقاء عليه.

ويقول محللون سياسيون إن النهضة ترفع يافطة الاستقرار للحفاظ على تموقعها في عملية صنع القرار التي اتسعت أكثر خلال فترة الشاهد.

وشدد خليل الرقيق المحلل السياسي على أن "تمسك النهضة بالشاهد مقابل مطالبة النداء برحيله وهو القيادي بالحزب يمكن اعتباره مفارقة غريبة ولا يمكن تفسيرها سوى بالمخاوف التي تساور الحركة من تركيبة حكومية لا تكون على مقاس أجندتها".

وأضاف الرقيق "إن تمسك النهضة بالشاهد في الوقت الذي أجمعت فيه غالبية الأطراف على رحيله يعد محاولة لتمزيق وثيقة قرطاج التي تمثل نوعا من العقد الاجتماعي والسياسي بين جميع تلك الأطراف".

ولا يخفي كل من النداء واتحاد الشغل مراهنتهم على السبسي لترويض راشد الغنوشي ودفعه إلى مراجعة موقف النهضة والتوصل إلى إجماع حول رحيل يوسف الشاهد.

ولا يرى مراقبون في موقف النهضة التي تسعى إلى ترحيل الملف إلى البرلمان سوى نوع من المساومة والضغوط التي لن تقود سوى إلى ترحيل الأزمة السياسية إلى مؤسسات الدولة في وقت تفككت فيه مفاصلها على وقع تداعيات الأزمة الهيكلية.

ويذهب المراقبون إلى حد القول بأن النهضة تسعى إلى "تأجيج الأزمة السياسية" وزرع أكثر ما يمكن من التعقيدات أمام التوصل إلى حل اقتناعا منها بأن الحكومة المرتقبة ستحمل بصمات خصمها اللدود اتحاد ومنافسها في الانتخابات البلدية نداء تونس في ظل مجاهرته بمراجعة علاقته بها وتحذيره للتونسيين من خطورة مشروع الإسلام السياسي.

وخلافا لقراءات الخبراء التي تشدد على أن جذور الأزمة الهيكلية التونسية هي اقتصادية تنموية بالأساس، ترى النهضة أن عمق الأزمة هو طارئ سياسي ما دفع بها إلى التمسك بعدم الموافقة على إعادة هيكلة الحكومة ورحيل الشاهد.

غير ان مسوغات الخروج من الأزمة السياسية عبر وثيقة "قرطاج 2" في ظل مطالبة اتحاد الشغل بحقه في تزكية حقائب ثلاثة أو أربعة وزراء مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التنمية والتعاون الدولي ووزارة التجارة إضافة إلى إبداء رأيه في حقائب أخرى، تشير إلى أن النهضة باتت على يقين بأنها الخاسر الأول في تركيبة الحكومة المرتقبة.

وهو ما يفسر تمسك الحركة بالشاهد، الذي كثيرا ما استرضاها ما أثار غضب النداء، ولعل ذلك ما يفسر تصريحات راشد الغنوشي في أكثر من مناسبة بأن "تونس ليست في أزمة" وبأن "الحركة لا تفضل تغيير هيكلي وإنما تتمسك بتعديل وزاري".

ويشدد الرقيق على أن "النهضة ومن خلال سعيها إلى ترحيل ما أصبح يعرف في تونس بأزمة الشاهد تحاول الزج بمؤسسات الدولة وخاصة مؤسسة الرئاسة والبرلمان منتهجة سياسة الأرض المحروقة لفرض حكومة على مقاسها الذي تآكل سياسيا".

يوسف الشاهد
الخروج أبرز الخيارات المطروحة

ويرى الرقيق أن "تلويح النهضة بترحيل ملف الشاهد إلى البرلمان رغم إجماع بقية الأطراف على رحيله يستبطن تعويما لمفاصل مؤسسات الدولة وأجهزتها في أزمة سياسية عامة تعيد خلط الأوراق وتمكن الحركة من الاستفادة من عائداتها السياسية" مضيفا "إنها محاولة فاشلة مسبقا في ظل تآكل النهضة"وإذا ما تم ذلك ستزج الحركة بالبلاد في سيناريوهات ثلاث محتملة.

ووفق ما صرحت به منى كريم أستاذة القانون الدستوري، الأربعاء، الحالي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تحصل لإنهاء الأزمة.

أول السيناريوهات يتمثل في الاستقالة الإرادية للشاهد، ويتم إثره تغيير تركيبة الحكومة، وثانيها يتمثل في طرح مسألة تجديد الثقة في الحكومة على الجلسة العامة بالبرلمان من قبل رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، أما ثالثها فيتمثل في التوقيع على وثيقة لوم ضد الحكومة من قبل ثلث أعضاء البرلمان لتتم المصادقة عليها من قبل الأغلبية المطلقة.

ويرى مراقبون أن النهضة تراهن على السيناريو الثاني والثالث على الرغم من أنها تعلم أن الأمر يكاد يكون مستحيلا نظرا لمحاصرة وزنها الانتخابي تحت قبة البرلمان من قبل الأوزان الانتخابية الأخرى وفي مقدمتها أوزان نداء تونس والجبهة الشعبية وآفاق تونس والحزب الجمهوري وحركة الشعب.

ويشدد المراقبون أن مساعي النهضة إلى ترحيل ملف الشاهد من لجنة قرطاج إلى البرلمان ما هو في نهاية الأمر إلا محاولة تعكس عدم احتكام الحركة لسياسة الحوار والتفاوض والوفاق وتعكس أيضا استخفافا بمخرجات الوثيقة التي تعد نوعا من العقد الاجتماعي والسياسي الملزم لجميع الأطراف كأرضية لمفهوم الوحدة الوطنية.