الهجوم على سوريا 'أنقذ' أردوغان وأغرق تركيا

الهجوم التركي على أكراد سوريا أعاد لأردوغان بعضا من شعبية متداعية إلا أنه أضرّ في المقابل بعلاقات تركيا الخارجية وعمق أزماتها محليا.

الهجوم على سوريا رمم شعبية أردوغان وعمّق جراح تركيا
نصف نصر لأردوغان في سوريا وخسارة كاملة لتركيا داخليا وخارجيا
فجوة تثقل على التحالف بين حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي

اسطنبول - أعاد الهجوم الذي شنته تركيا على أكراد سوريا في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول بعضا من شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تصدعت بفعل أزمات داخلية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ووضعت حزبه العدالة والتنمية الإسلامي على حافة التفكك.

وإن منح ذلك الهجوم الرئيس التركي دفعة في استطلاعات الرأي، إلا أنه كشف عن انقسامات وشروخ عميقة داخليا وأضر بعلاقات تركيا الخارجية حيث باتت تواجه ضغوطا من الشركاء الغربيين على رأسهم الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وبررت أنقرة العملية التي أطلق عليها أردوغان اسم 'نبع السلام' ونفذتها القوات التركية بدعم من ميليشيات سورية موالية لأنقرة في شمال سوريا، بأنها حتمية لحماية الأمن القومي التركي وضرورية لإقامة منطقة آمنة يمكن ترحيل مئات آلاف اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إليها.

وكان واضحا منذ البداية أن الرئيس التركي مستعد لأي مغامرة خارجية ترمم شعبيته وشعبية حزبه بعد نكسات انتخابية وانشقاقات في العدالة والتنمية وبداية تشكل جبهة سياسية تعمل على عزله.

وكسب أردوغان الرهان بشكل مؤقت إلا أن تداعيات العدوان على أكراد سوريا ستكلف تركيا، بحسب معظم التوقعات، غاليا على صعيد علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية.

الهجوم التركي على أكراد سوريا عرّض تركيا لانتقادات دولية عنيفة وأضرّ بعلاقاتها الخارجية
الهجوم التركي على أكراد سوريا عرّض تركيا لانتقادات دولية عنيفة وأضرّ بعلاقاتها الخارجية

ومنح التوغل العسكري التركي في سوريا الرئيس التركي دفعة في استطلاعات الرأي وكشف عن شروخ محتملة في تحالف سياسي غير رسمي نسب لنفسه الفضل في تحقيق انتصارات مفاجئة على حزبه الحاكم في انتخابات محلية هذا العام.

وقال نواب معارضون، إنهم يشتبهون في أن الدافع الرئيسي وراء قرار أنقرة شن هجمات عبر الحدود على فصيل وحدات حماية الشعب الكردية السورية هو تحسين وضع أردوغان السياسي في الداخل، لكن الحكومة نفت ذلك وروجت للهجوم على أنه ضروري لحماية الأمن القومي التركي.

وجاءت العملية العسكرية في شمال شرق سوريا بعد شهور اهتزت فيها شعبية أردوغان الذي بدا أنه في موقف ضعيف بعد أن خسر حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية السيطرة على أكبر مدينتين في تركيا للمرة الأولى منذ تولى السلطة في 2003.

وكانت شعبية أردوغان قد تعرضت لضغوط بعد أزمة العملة التي فقد نحو 40 بالمئة من قيمتها في العام الماضي قبل أن تتعافى نسبية ثم عاودت الانخفاض بدفع من تدخلات أردوغان في السياسة النقدية وعلى خلفية توتر في العلاقات مع واشنطن حيث هدد الرئيس الأميركي بفرض عقوبات على أنقرة لشرائها منظومة صواريخ روسية مثيرة للجدل لتعارضها مع منظومات الناتو الصاروخية.

التوغل التركي في سوريا دفع حزب الشعب الجمهوري المعارض إلى مأزق، فقد جعله التأييد المشروط للعمل العسكري على خلاف مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي ساعده في الفوز برئاسة بلديتي كل من اسطنبول وأنقرة

وتسبب انهيار الليرة في ركود اقتصادي أدى إلى ارتفاع شديد في معدل البطالة وأثار انتقادات من أعضاء سابقين بارزين في حزب العدالة والتنمية يتوقع أن يطلقوا أحزابا جديدة قريبا بعد أن انشقوا عنه.

غير أن استطلاعات الرأي تظهر أن ثلاثة أرباع الأتراك يؤيدون التوغل في سوريا الذي بدأ في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول وذلك رغم الإدانة الدولية بما فيها إدانات حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة متروبول أن شعبية أردوغان ارتفعت في الشهر الماضي إلى 48 بالمئة لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ فترة قصيرة قبل ذروة أزمة العملة العام الماضي. وبلغ معدل استهجان أدائه أدنى مستوياته منذ محاولة الانقلاب التي وقعت في صيف العام 2016.

وتقول أنقرة إن وحدات حماية الشعب تنظيم إرهابي تربطه صلات بمسلحين أكراد في تركيا. وقد أبرمت اتفاقات مع موسكو وواشنطن لإبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب عن المنطقة الحدودية رغم أنهم ظلوا لسنوات حلفاء للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

ودفع التوغل في سوريا حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي إلى مأزق، فقد جعله التأييد المشروط للعمل العسكري على خلاف مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي ساعده في الفوز برئاسة البلدية في كل من اسطنبول وأنقرة.

وحزب الشعوب الديمقراطي اليساري هو الحزب الرئيسي الوحيد الذي يعارض العملية العسكرية. ويستقي الحزب الدعم الشعبي في الأساس من الأكراد الذين يشكلون 18 بالمئة من سكان تركيا.

وفي وقت سابق من العام الحالي عرض حزب الشعوب الديمقراطي تأييدا خارجيا لتحالف من حزبي الشعب الجمهوري والحزب الصالح وهو حزب قومي. ويعارض هذان الحزبان ما يرون أنه حكم استبدادي من جانب أردوغان وتسبب الاثنان في هزيمة ساحقة له في انتخابات محلية في شهري مارس/آذار ويونيو/حزيران.

وأي انقسام في صفوف هذه الأحزاب سيكون مكسبا لأردوغان وذلك رغم أن أحد نواب حزب الشعوب الديمقراطي قال إنه يتوقع أن يستمر التعاون في ما بينهما.

وقال سيزجين تانريكولو الذي يعارض العملية العسكرية في سوريا "من الواضح أن هدف أردوغان  هو هدم هذا التحالف الداعم للديمقراطية الذي شكله حزب الشعب الجمهوري وإضعاف العلاقة التي كونها مع الناخبين الأكراد".

وأضاف "خلق ذلك شعورا بخيبة الأمل لكن في رأيي أن هذا ضرر يمكن إصلاحه. وستكون الفترة المقبلة فترة ستتأسس فيها من جديد علاقة الثقة".

وتعليقا على تحسن شعبية أردوغان قال لطفي تركان نائب رئيس الحزب الصالح إن مؤسسات استطلاع الرأي تخلط بين تأييد القوات وتأييد الرئيس.

وأضاف "الجنود نجحوا إلا أن الساسة والدبلوماسيين لم يحققوا شيئا حتى الآن" في سوريا.

لكن تركان رفض أيضا انتقادات حزب الشعوب الديمقراطي للتوغل العسكري. وقال إن "تصريحات حزب الشعوب في هذا الأمر ليس لها معنى بالنسبة لنا" لأن إبعاد الإرهابيين عن حدود تركيا مسألة تتعلق ببقاء الدولة.

الهجوم التركي على أكراد سوريا فجر موجة غضب في دول أوروبية تنديدا بـ"ارهاب" أردوغان
الهجوم التركي على أكراد سوريا فجر موجة غضب في دول أوروبية تنديدا بـ"ارهاب" أردوغان

ولحزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح 139 مقعدا و39 مقعدا على الترتيب في البرلمان التركي البالغ عدد مقاعده 600 مقعد. وأيد الحزبان تفويضا لتمديد العمليات العسكرية في سوريا والعراق في حين عارضه حزب الشعوب الديمقراطي باعتباره انتهاكا للقانون الدولي. ولحزب الشعوب 62 مقعدا في البرلمان.

ولا تتحمل المعارضة تفتيت صفوفها إذا كانت تأمل أن تتحدى أردوغان في انتخابات على مستوى البلاد على ضوء تأييد نحو نصف الأتراك له بقوة منذ سنوات.

وقال مصدر مقرب من حزب العدالة والتنمية "سيكون في غاية الأهمية تحديد من يقف مع من" في الانتخابات المقبلة، مضيفا أن "ثمة تحسنا" في العلاقة بين الحزب الصالح وحزب العدالة والتنمية". وسبق أن نفت ميرال اكشينار رئيسة الحزب الصالح تقارب الحزبين.

وقد أدى التوغل العسكري إلى تعميق إحساس بالاغتراب بين أكراد تركيا لاسيما بعد أن عزلت أنقرة بعض رؤساء البلدية من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وألقت القبض على العشرات في جنوب شرق البلاد.

وتأكيدا للمأزق الذي يواجهه حزب الشعب الجمهوري أظهر استطلاع تناقله أعضاء الحزب أن حوالي 46 بالمئة من ناخبيه إما يعارضون العملية العسكرية في سوريا أو لم يحسموا رأيهم بعد.

وقد أيد حزب الشعب الجمهوري العملية في الوقت الذي أبرز فيه خلافات في السياسات مع حزب العدالة والتنمية بما في ذلك الدعوة للحوار مع دمشق.

وقالت ميرال دانيس بشطاش النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي "هذا التأييد (من حزب الشعب الجمهوري) كان شريان حياة لحزب العدالة والتنمية. فهذا ما كانوا يريدونه وهو ما حصلوا عليه"، مضيفة أن حزبها سيتعين عليه الآن أن يبت في أمر تعاونه مستقبلا مع الأحزاب الأخرى.

وكان الجيش التركي قد شن عمليتين أخريين في شمال سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي أعقاب كل عملية كان الأتراك يتوجهون إلى صناديق الاقتراع وذلك للمشاركة في استفتاء في 2017 وفي انتخابات على مستوى البلاد في 2018.

وقال أونال جيفيكوز نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري "هذا النمط يشير إلى أن هذا هو الدافع الرئيسي وراء المهمة" العسكرية.

ورغم أن استطلاعات الرأي منحت أردوغان متنفسا لمأزقه، إلا أنها لم تمنحه طوق النجاة من أزمة متعددة الرؤوس سياسيا واقتصاديا، فالوضع الاقتصادي على حاله إن لم يكن على مسار المزيد من التأزم.

أما سياسيا فحتى إن تفكك التحالف المعلن بين حزب الشعب الجمهوري (حزب المعارضة الرئيسي) وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، فإن جبهة سياسية أخرى في طور التشكل قد تمثل صداعا مزمنا للرئيس التركي.

ويقود هذه الجبهة أعضاء سابقون في حزب العدالة والتنمية من المؤسسين من أمثال رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أغلو والوزير السابق علي باباجان وأيضا الرئيس السابق عبدالله غول.

وتقول مصادر محلية إن هناك تململ كبير في صفوف حزب العدالة والتنمية وأن هناك أعضاء آخرون في طريقهم للانضمام للجبهة السياسية التي قد تضم حزبين أو أكثر من المنشقين عن حزب أردوغان.

وبمنطق الربح والخسارة، يبدو أن أردوغان كسب رهانا شخصيا، فيما كانت تركيا الدولة والمؤسسات أكبر الخاسرين من مغامرات رئيسها.

وتواجه أنقرة ضغوطا خارجية على خلفية سياسات أردوغان الذي يخوض معارك على أكثر من جبهة لا وفق المصالح العليا لتركيا بل وفق أجندة ايديولوجية ووفق أطماع وطموحات شخصية.