الوجود والصيرورة فلسفة المستقبل

محمد شبل الكومي يقدم رؤيته التفصيلية لمصطلحات تسللت منذ عقود للثقافة العربية من العالم الغربي.
بعض المثقفين يتصورون أن ما بعد الحداثة تمثل التطور الطبيعي للحداثة
ثقافة ما بعد الحداثة هي ثقافة حداثية تهرأت فتقطعت وتمزقت
الكتاب يكشف أن مع بعد الحداثة، تشترك مع الحداثة بالثورة على الأشكال الفنية القديمة والأنماط الأدبية والتقليدية

القاهرة: أحمد مروان

في كتابه "الوجود والصيرورة، مدخل إلى فلسفة المستقبل" الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لمؤلفه د. محمد شبل الكومي، ومن تقديم د. محمد عناني، يبدو سؤال: ما هي مرحلة ما بعد الحداثة”؟ سؤالا محوريا يسعى المؤلف للإجابة عنه بعدة طرق، وللإحاطة بما طرأ على واقع الثقافة العربية بتأثير انعكاس مصطلحات ترتكن إلى فكرة الحداثة، وما بعدها.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب، عنوان الباب الأول هو: الوجود، ويتضمن ثلاثة فصول هي:  "الواقعية الروحية ومفهوم الوجود"، "الواقعية الروحية ومبادئ الوجود"، "الواقعية الروحية وأقسام الوجود". وجاء الباب الثاني تحت عنوان: "لواحق الوجود"، وتضمن "الواقعية الروحية ومفهوم الحقيقة" و"الواقعية الروحية وقيم الخير والجمال". أما الباب الثالث فعنوانه "قضايا ميتافيزيقية"، وتضمن: "أشكال الزمان والمكان"، و"الواحد والكثير". وفي الباب الرابع والأخير يجد القارئ مبحثين هما: "التحليل النقدي لفكر وثقافة عصر الحداثة"، و"التحليل النقدي لفكر وثقافة عصر ما بعد الحداثة".

المؤلف تناول قضايا عميقة، بأسلوب سلس وجذاب يجمع ما بين الرؤية الفكرية والفلسفية، وبين الأسلوب الأدبي الرشيق، وفق غاية واضحة تهدف إلى تحليل مصطلحات شاعت وانتشرت في ثقافتنا من دون فهم دقيق لها

ما بعد الحداثة
يقدم المؤلف رؤيته التفصيلية لمصطلحات تسللت منذ عقود للثقافة العربية من العالم الغربي، وتعاطى معها المثقف العربي من دون تحليل أو تمحيص بمدى تناسبها مع ثقافته وواقعه، فقد تلقى المثقف العربي هذه المصطلحات وانتشرت انتشارا كبيرا مع الغياب الدقيق لما تعنيه؛ حيث يتصور العديد من المثقفين أن ما بعد الحداثة تمثل التطور الطبيعي للحداثة، مما أغرى البعض بمحاولة اللحاق بركبها كأنها أحدث موضة فنية أو أدبية أو نقدية لا بد منها لأبناء القرن الحادي والعشرين.
يكشف الكتاب أن مع بعد الحداثة، تشترك مع الحداثة بالثورة على الأشكال الفنية القديمة والأنماط الأدبية والتقليدية، وتتطلع إلى التجديد، والتغيير بإحلال نظم جديدة محل النظم التقليدية في الفنون الأدبية، أي أنها مذهب فني انتقل إلى الأدب، واستتبع نظريات فنية في النقد تتماشى مع الإنتاج الفني والأدبي الجديد، ويستطيع المتلقي التعامل معه من خلال أشكاله الجديدة، فهي حركة بناء وإحلال وتجديد، وهي حين تسخر من الواقع أو حتى تنتقده نقدًا لاذعًا، فهي تسعى إلى تغييره بما يتماشى مع الحساسية الجديدة لعصر العلم والثورات التكنولوجية والعلمية، أي أنها تتطلع دائما إلى المستقبل، لكن ليس عبر الاستمرار، والبناء على ما هو موجود أصلا، بل عبر الهدم. 

قضايا عميقة بأسلوب سلس وجذاب
كأنها أحدث موضة فنية أو أدبية أو نقدية 

في مقدمته للكتاب، يرى د. محمد عناني أن "ما بعد الحداثة" ربما قد تكون قد نشأت كرد فعل "للحداثة"، أو كثورة على أنماطها وأشكالها التي رسخت على امتداد القرن العشرين، ولكنها تطورت بعد ذلك خصوصًا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لتصبح مذهبا فكريًا – في المقام الأول - يتضمن عكس عناصر الحداثة، فهو يقبل الواقع الحافل بالتناقضات، وخداع أجهزة الإعلام، وزيف العلامات، وهو لا يسعى إلى البناء بل إلى الهدم، لأنه لا يرى أملاً في النجاة من سيطرة عالم الدعاية والسطحية، والإعلانات الخادعة، والسعي وراء الربح، ولا يرى أملاً في العودة إلى ثبات القيم وعمق الإيمان، فهو يضرب بالمعاول الأدبية والنقدية في إطار الاتجاه الجديد، شأنه في ذلك شأن المذهب الفكري الآخر الذي كان يحمل تعبيرًا مشابهًا هو ما بعد البينونة ثم أصبح يسمى "التفكيكة" أو مذهب الهدم والتفويض، وهو الذي كان يدعو إليه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا. 
يقول: "ثقافة ما بعد الحداثة هي ثقافة حداثية تهرأت فتقطعت وتمزقت، وتفتت فتشتتت، وإذ كنا نؤمن بالتحديث أي بالأخذ بأسباب الحضارة الحديثة، فإننا نؤمن أيضًا أن عمادها هو العلم والعمل، وركنها الركين هو الإيمان بالثوابت، وهما ما ينكره أصحاب "ما بعد الحداثة" استلهامًا لنظرات أشاعها بعض المتفلسفين الذين لم يستطيعوا – مهما يفعلوا - إنكار الذات البشرية الموحدة المنفردة بعد مكتشفات علم الوراثة الحديثة، أو إنكار وجود النظام وكل ما في الكون يشهد به، أو إنكار وجود المعنى ودلالة الألفاظ، وإلا لشككنا في معنى كل كلام ومن بينه كلامهم – هم أنفسهم".
ولعل ما تجدر الإشارة بشأنه أن المؤلف تناول هذه القضايا العميقة، بأسلوب سلس وجذاب يجمع ما بين الرؤية الفكرية والفلسفية، وبين الأسلوب الأدبي الرشيق، وفق غاية واضحة تهدف إلى تحليل مصطلحات شاعت وانتشرت في ثقافتنا من دون فهم دقيق لها. (وكالة الصحافة العربية)

المؤلف تناول قضايا عميقة، بأسلوب سلس وجذاب يجمع ما بين الرؤية الفكرية والفلسفية، وبين الأسلوب الأدبي الرشيق، وفق غاية واضحة تهدف إلى تحليل مصطلحات شاعت وانتشرت في ثقافتنا من دون فهم دقيق لها.