الوسائط الإعلامية جائحة مصر الراهنة

لا تحتاج إلى الكثير من التدقيق لتكتشف ان نفسا معاديا لمصر وانجازاتها هو ما يشكل توجهات الاعلام.
فضائيات تستدرج المشاهدين بعيداً عن حصونهم المنيعة التي تربطهم بالوطن
الاعلام المصري بات يحترف التحريض ولم يعد يكترث بوظيفته الأصيلة: تنوير الوعي
الخطر الحقيقي هو تقاعس السياسيين ورجال التاريخ والخبراء عن الرد على افتراءات لا تنقطع ليل نهار

في أثناء إجراء حوار صحافي مع طلبة قسم الإعلام بكلية الآداب الذين يجهزون لإصدار جريدة طلابية متخصصة فاجأني أحد المحاورين بسؤال مفاده هل الإعلام في مصر هو سبب الأزمة المصرية الراهنة؟ وجاءت الإجابة تأكيدا لما أقره الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة ضمن لقاءاته المجتمعية المتواترة بأن الإعلام ليس سببا مباشرا في صناعة الحدث المصري لكن هو بالفعل وسيط ثقافي أصبح تحريضيا أكثر منه تنويريا. وأنا بالفعل على قناعة تامة بأن الإعلام المصري اليوم الذي يطل علينا عبر وسائطه المرئية والمقروءة والمسموعة بات يحترف التحريض إلا من رحم ربي ولم يعد يكترث بوظيفته الأصيلة والراسخة في اعتقاد المتخصصين من رجال الإعلام والميديا بوجه استثنائي وهي تنوير الوعي وكشف الحقائق بصورة موضوعية بعيدة عن أية محاولات مشبوهة لتعزيز ثقافة الرفض والامتقاع والشجب المستدام.

وبرغم أن مصطلح الكونية من الموضوعات الأكثر رواجاً في وسائط الإعلام المعاصر من صحافة وفضائيات وإذاعات مسموعة ومواقع ومنتديات إليكترونية، وبات من البدهي أن يحتل هذا المصطلح الحيز الأكبر من الجدال والنقاش في هذه الوسائط التي طفقت تفرد مساحات واسعة من الحوار وإبراز الخصائص والسمات وربما المناقب والمثالب له أيضاً.لكن لا يزال يصر إعلامنا المصري والعربي الموجه على أنه يقدم نفسه بدور المرشد والموجه والملقن والمحرض لا كما ينبغي أن يكون وسيطا يقدم المعرفة عبر رسالة شديدة الموضوعية بعيدة عن العنصرية والإقصاء والرؤية القاصرة.

وإذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد وجه انتباه الإعلام إلى أدواره الحقيقية لاسيما الدور المتعلق بخدمة الوطن واستقراره بوصف الإعلام أقوى تأثيراً مستخدماً في ذلك سحر وتحايل الصوت والصورة في التأثير على المشاهد والمستمع إلا أن هناك أصوات إعلامية تصر على اغتيال عقل المواطن حينما تدغدغ مشاعره بأفكار وشعارات من شأنها تقويض هذا الوطن الكبير. هذا الشأن يتمثل تماما في القضية المصرية الراهنة المعروفة بجزيرتي تيران وصنافير والتي بفضلها استحال الشعب المصري عموما والسادة الأفاضل مقدمو البرامج الحوارية الفضائية بقامة الجغرافي الاستثنائي المفكر الجغرافي جمال حمدان، فصالوا وجالوا وفتشوا بخبراتهم المعتمدة فقط على محرك البحث غوغل في تأكيد مصرية الجزيرتين وكنت أفضل أن يكترث هؤلاء بعض الشيء بالمجمع العلمي ووثائق كتاب وصف مصر وخرائطه والذهاب إلى الإسكندرية لمكتبتها وليس شواطئها لتقديم معلومات وبيانات يسهل تصديقها لا كما رأينا منذ أسبوعين أصوات مرتفعة وضجيجا عاليا ومزايدات وطنية أرهقت مسامعنا وعقولنا. هذا يدفعني إلى عدم الخوض مثل ملايين المصريين في تحديد مصرية الجزيرتين والأحرى أن ينشغل البرلمان المصري قليلا بهذا الموضوع بعيدا عن مناقشة بدلات حضور الجلسات ونفقات الانتقال إلى القاهرة وغير ذلك مما أشار إليه شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي بقوله وكم بمصر من المضحكات.

ورغم أن هذه السطور لا تتعلق أصلا بموضوع الجزيرتين، بقدر ما هو إطلالة سريعة على توصيف المشهد الإعلامي القائم الآن في مصر المحروسة، وهذا المشهد يمكن باختصار توصيفه بأن الفضائيات المصرية عموما استقرت على قرار هو وضع العقل المصري في بؤرة اهتمامها، وبالفعل بدأت هذه الفضائيات في حملة غسيل الأدمغة التي استهدفت تحقيق مآرب شتى، منها ما يتعلق بمحو الهوية الوطنية، وتخوين الآخر، وإضعاف الروح العامة والعزيمة، وإحلال قيم وأفكار باهتة تسيطر على مجتمعاتنا، وهكذا بدأ بعض الفضائيات وليست كلها في استدراج المشاهدين بعيداً عن حصونهم المنيعة التي تربطهم بالوطن، ثم العمل على تدعيم شعور عدم الثقة في نظامهم السياسي القائم.

ولا شك أنني وغيري كثير يرون أن بعض وسائط الإعلام المعاصر يستهدف بشراسة إسقاط الدولة المصرية من خلال برامج ومقالات وحوارات تتجه صوب اشتعال الغضب الشعبي نحو الرئيس والنظام السياسي ومؤسسات الدولة ناهيكم عن اقتناص الإعلام الموجه إلى كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة وأية إشارة أو لفظة تصدر من كل مسئول أو قيادي في مصر دون أدنى اهتمام بالوظيفة الرصينة للإعلام المصري الذي كان يوما ما رائدا في المنطقة.

والمتابع للصحف المصرية منذ شهر تقريبا يستقرئ على الفور هذه الحملة الشرسة التي تقيمها صحافة صفراء ومغرضة مسكينة لا تعبأ بقدر مصر ومكانتها وخطورة المرحلة الراهنة التي تتحكم في إحداثياتها قوى وتيارات ودول في سعي دائم لإسقاط مصر نهائيا وبدلا من أن تقوم هذه الصحف بأدوار مهمة لتدعيم الدولة لجأت إلى امتهان أدوار أخرى أكثر إثارة وهي التشويه والتحريض والتخوين وأخيرا الاستهتار والسخرية.

والفضائيات الغربية الموجهة وهي في سعيها الدءوب لزعزعة الهويات الدينية تعمل جاهدة على انتفاء الخصوصية الثقافية العربية والإسلامية، عن طريق نقد الإنتاج الثقافي لهذا الوطن العربي الكبير، وإظهار أنه إنتاج ثقافي بائد لا ولن يتسم بالجدة والحداثة والمعاصرة، حتى يصلون بذلك إلى هدفهم الرئيس وهو التشكيك في قيمة مصادر الإسلام الحنيف القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ولا شك أن هذا السعي الخبيث يشكل تقويضاً خطيراً للهوية العربية والإسلامية التي نمتاز بها، ولولا اهتمام بعض الهيئات والوزارات كالأوقاف والشئون الإسلامية والأزهر الشريف وبعض المؤسسات والمنظمات الدينية بتوعية الشباب وتكريس نزعة الاعتداد بالثقافة الإسلامية لفسد حال هؤلاء ولضن علينا معالجة أوجه القصور والخلل.

وإذا كنا في بعض الأحايين المضطربة سياسيا ومجتمعيا نحمد الله أن الوطن يحظى باهتمام واسع من قبل مؤسساته وأجهزته الرسمية للحفاظ على الهوية المصرية، وحيث إن كليات الإعلام وأقسامه ومعاهده الضاربة بطول مصر وعرضها سواء الرسمية أو تلك المعاهد المقامة تحت بير السلم تؤكد جميعها على حقيقة راسخة هي أن الإعلام العربي الرشيد يعي جيداً أنه يقوم بمسئولية شاقة وقيمة وهي الحفاظ على الهوية المصرية واستقرار البلاد بصورة مستدامة، مع مراقبة ما تبثه الوسائط الإعلامية الغربية من لغط حول مصر وأهلها للرد عليها ودحض أفكارها المشوهة. لكن الواقع لا يفي بذلك بل إن إعلامنا لا يكترث بفضائح وأزمات أخرى وكوارث تقع بالكرة الأرضية وخير مثال على ذلك أن الإعلام المصري على وجه الاختصاص على خصومة من الأخبار الواردة بشأن تزوير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لشهادته الجامعية والتي أعقبها حادث مصرع مكتشف فضيحة التزوير. وبالمناسبة الشهادة الجامعية شرط أساسي ورئيس للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في تركيا التي لا تزال تدعم الإرهاب بل ويظل حلمها وهواجسها ومطامحها تتمثل في ثلاثة أركان لا أربعة.

الركن الأول هو عودة الخلافة العثمانية المريضة والفقيرة ثقافيا وحضاريا لأنها قامت على سواعد المصريين وحدهم والتاريخ كفيل بإثبات ذلك. الركن الثاني هو الارتماء في أحضان القارة الأوروبية التي تزال ترى في تركيا دولة متخلفة رغم أنها خلعت طربوشها وحجابها وطرحها الديني وصارت علمانية حتى النخاع أكثر من العلمانيين أنفسهم. أما الركن الثالث والأخير فهو مصر، آه على مصر تلك التي تؤرق تركيا حكومة وقادة وسياسيين هنالك. فأردوغان وعصابته يرون في مصر حاضرة الشرق الأوسط القوية بأهلها وشعبها وجيشها العظيم قاهر الصهاينة واستحال حلم العصابة التركية هو زعزعة استقرارها وتفتيت وحدة شعبها والحمد لله أن الشعب والجيش والنظام السياسي على وعي تام وكامل بفحيح تركيا وخبث أغراضها صوب مصر.

ومن هنا كان للإعلام المصري دور مهم في الالتزام بنقل المعارف والمعلومات والبيانات بالإضافة إلى التوعية المستمرة لحملات تشويه مصر وتدعيم أركان الثقافة المصرية لدى جمهور المستهدفين الذين تركوا أدمغتهم لبعض البرامج التي تستهدف تشويه مصر العظيمة. الغريب في الأمر أن هذه الوسائط الإعلامية التي تدعي الكونية والعولمة والمنادة بثقافة واحدة يلتزم بها الجميع أن نجدها تفرض وصايتها الإعلامية على العقل المصري، فهي تنادي بشيء وتقوم بعمل آخر، فهي تصر على احتكار نقد الوطن، ونقد الرموز والقامات الفكرية المصرية، دون أدنى إشارة إلى ما يحدث ببقاع الأرض المعمورة.

والمستقرئ لما تبثه بعض هذه الوسائط الإعلامية من صحافة وفضائيات وإذاعات ومواقع إليكترونية يدرك على الفور زيف الشعارات التي ينادي بها هؤلاء الكوكبيون أو العالميون، ففي الوقت الذي يطلقون العنان لحرية الرأي والتفكير يقيمون سياجاً وعوائق ذهنية أمام الرأي الآخر، فإذا هم مصر وسياساتها ومؤسساتها التي بالفعل عليها الكثير أيضا من مهمة التطوير والتحديث، فعلى الجانب الآخر يرفضون رفضاً شديداً في أن يظهر أحد المفكرين المصريين في وسائطهم التي تبدو مشبوهة الهدف والعرض والتناول للحديث عن مثالب الدول التي تهاجم مصر. وهذا الترصد الواضح من قبل وسائط الإعلام يجسد عن قرب حقيقة العداء المباشر لمصر والمصريين.

وبهذه الصورة الإعلامية الموجهة ضد مصر ورموزها أيضاً فمما لا يدع مجالاً للشك هو وجود مؤامرة قصدية للتآمر على معالم الوطن، ولكن الخطر الحقيقي هو تقاعس الكثيرين من السياسيين ورجال التاريخ والخبراء عن الرد على تلك الافتراءات التي لا تنقطع ليل نهار، وبل وأصبح بعض المؤسسات العربية بوسائطها الإعلامية في بلداننا العربية مشغولة بالشأن الداخلي لمصر دون التعريض لأية حوادث أخرى تجري بأوطانهم.

ومن هنا ينبغي على كافة الوسائط الإعلامية الإسلامية والمؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الحكومية في وضع خطة سريعة لمواجهة مثل هذه الحملات المريضة التي لا تنقل أخبار مصر بل تشوه سمعتها فحسب، كذلك تلك المؤسسات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين، وتجعل الإسلام وجهاً لعملة الإرهاب والتطرف رغم أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال وينبذ كافة صور العنف والتطرف والغلو في الدين والمعتقد. ولابد وأن تهرع الحكومة المصرية بالاهتمام بمثل هذه المؤامرات، ولا ينبغي أن نغرق حتى أذنينا في هوس الدفاع بدلا من النهوض بالوطن.