الوصاية التركية على حكومة السراج تعطل مسار جنيف

التهدئة في ليبيا أو التسوية السياسية تعتبر ضربة للمشروع التركي في المنطقة بمحاميله الجيوسياسية والإيديولوجية، ما يفسر دفع الرئيس التركي باستمرار لإبقاء الوضع متوترا.
هل أمر أردوغان السراج بتعليق المشاركة في حوار جنيف
حكومة الوفاق الوطني باتت رهينة للوصاية التركية وللميليشيات المتطرفة
حل الأزمة في ليبيا سياسيا يسحب ذرائع التدخل التركي
لماذا يعترض إخوان ليبيا على المهمة الأوروبية لمراقبة حظر السلاح

القاهرة - قال فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة ولا تحظى بشرعية كاملة في ليبيا إن الحديث عن استئناف مفاوضات السلام تجاوزته أحداث على الأرض، مشيرا إلى أن قرار تعليق المشاركة في حوار جنيف مرده تعرض ميناء طرابلس لقصف يوم الثلاثاء وهو القصف الذي تسبب في تدمير مستودع للأسلحة التركية.

وأضاف مخاطبا الصحفيين في ميناء طرابلس الذي قصفته قوات الجيش الوطني الليبي أمس الثلاثاء أنه يجب أن تكون هناك أولا "رسالة واضحة من كل الأطراف الدولية التي تحاول أن تتحدث معنا".

ويبدو قرار السراج في ظاهره إجراء احتجاجيا في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها ليبيا، إلا أن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة على وقع التدخل العسكري التركي في الصراع وهو ما إذا كان قرار حكومة الوفاق قرارا سياديا أم إملاء من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بات يتصرف بمنطق الوصي على الشأن الليبي.

وأمس الثلاثاء طرح المجلس الرئاسي الليبي ثلاثة مطالب أرسلها للوسيط الأممي غسان سلامة لإنجاح حوار جنيف في جولته الثانية وهي مطالب معقولة وقابلة للتنفيذ كونها مطالب إجرائية أكثر منها اشتراطات للمشاركة في الحوار.

ولم تكن ثمة أي مؤشرات على تعليق المشاركة حتى بعد تعرض ميناء طرابلس للقصف وهو المنفذ الحيوي لتدفق السلاح من تركيا.

لكن فجأة انقلبت حكومة الوفاق على هذا الموقف وخرجت من منطق التجاوب الايجابي إلى منطق التعطيل بذريعة ما تعتبره خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الهش.

ولا تبدو حكومة السراج في موقع قوة حتى تفرض شروطا أو تسارع لتعطيل المسار السياسي وليس من مصلحتها ذلك مع تقدم قوات الجيش الوطني الليبي باتجاه قلب طرابلس. ومع ذلك فإنها قررت تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف وهو أمر يتناقض مع المنطق السياسي والواقع الميداني، ما يفسر في النهاية أن قرارها لم يكن قرارا سياديا بل جاء في سياق الوصاية والاملاءات التركية.  

هل قرار السراج بتعليق المشاركة في حوار جنيف قرار سيادي أم بأمر من أردوغان
هل قرار السراج بتعليق المشاركة في حوار جنيف قرار سيادي أم بأمر من أردوغان

وبعيدا عن هذا التبرير، فإنه يبدو واضحا أنه ليس من مصلحة أردوغان التوصل إلى التهدئة في ليبيا ومنها إلى مصالحة وطنية تحفظ للبلاد النفطية سيادتها وتحصنها من التدخلات الخارجية وتقطع الطريق على أطماع تركية معلنة.

ولم تعد حكومة الوفاق الوطني تملك قرارها بعد أن رهنت نفسها أولا لميليشيات متطرفة وبعد أن هيمنت عليها جماعة الإخوان المسلمين عبر ذراعها السياسية العدالة والبناء الذي أعلن رفضه للمهمة البحرية الأوروبية لمراقبة حظر السلاح على ليبيا.

وثانيا لا يمكن تفسير قرار السراج بتعليق مفاوضات السلام والقول بأنها تجاوزتها الأحداث على الأرض بمعزل عن التدخل التركي، فالسلطة التي تسيطر على طرابلس لم تعد تملك قرارها منذ فرطت في مبدأ السيادة ومنحت تركيا ضوء أخضر للتدخل عسكريا بذريعة أنه لا خيارات أمامها مع تقدم الجيش الوطني باتجاه قلب العاصمة.

وعلى أرجح التقديرات تلقت حكومة السراج أوامر من الرئيس التركي لتعطيل المسار السياسي المدعوم دوليا وأمميا لأن التهدئة في النهاية تعني سحب كل ذرائع التدخل العسكري التركي.

وتعني التهدئة تحت أي عنوان كان، سواء كانت وقفا لإطلاق النار أو حوارا سياسيا أو تسوية سياسية، ضربة للمشروع التركي في المنطقة بمحاميله الجيوسياسية والأيديولوجية.

وشاركت أنقرة في مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير/كانون الثاني وهو الأول الذي يعقد على وقع التدخل التركي العسكري، إلا أنها لم تلتزم بمقرراته على الرغم من ادعاءها الدفع نحو حل سياسي ينهي الصراع.

واستمرت في إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى طرابلس، متجاهلة كل الدعوات الدولية والإقليمية للتوقف عن تأجيج الصراع.

ومع ظهور بوادر لحلحلة الأزمة من خلال مسار حوار جنيف الذي لم تقاطعه القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، أعادت حكومة السراج الخلافات إلى المربع الأول بإيعاز من 'الوصي' التركي.

وسبق أن أعلن الجيش الوطني الليبي أنه لن يسمح بتدفق الأسلحة التركية وبتعزيز نفوذ الجماعات المتطرفة في غرب البلاد، من دون أن يقطع مع الجهود الدولية الرامية لانهاء الصراع.

حكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق سياسي في 2015 عاجزة عن كبح انفلات السلاح بل إنها باتت تعتمد على أمراء الحرب وقادة الميليشيات في الحفاظ على سلطتها ومنهم متورطون في الإرهاب وفي الهجرة السرية وتجارة البشر والسلاح

وتمسك بمبدأ تحصين سيادة ليبيا وحماية ثرواتها وبإفشال المشروع التركي وبتطهير طرابلس من الإرهاب ومن مرتزقة أردوغان، وهي عناوين مشروعة لا تتناقض مع أهداف عملياته العسكرية.

وسعت الأمم المتحدة الأربعاء لإنقاذ محادثات وقف إطلاق النار في ليبيا بعدما أعلنت حكومة السراج التي تتخذ من طرابلس مقرا لها الليلة الماضية أنها ستنسحب من المحادثات بعد يوم واحد من انطلاقها.

وبدأت المحادثات يوم الثلاثاء في جنيف بين وفدي حكومة الوفاق والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي.

وقال مصدر إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة يحاول إقناع وفد طرابلس بالبقاء في جنيف واستئناف محادثات غير مباشرة.

وقال جان العالم المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "لا يزال الوفدان هنا (في جنيف) ويعقد الدكتور سلامة اجتماعا اليوم مع وفد حكومة الوفاق الوطني. قيادة البعثة على تواصل مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والدول الأعضاء للحفاظ على الزخم".

ولا تزال ليبيا بلا سلطة مركزية بعد مرور نحو تسع سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي على يد مقاتلين دعمهم حلف شمال الأطلسي بضربات جوية.

وتسيطر جماعات مسلحة على الشوارع وعلى عدة مناطق في شرق ليبيا بينما تقف حكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق سياسي جرى التوصل له منتجع الصخيرات المغربي في 2015، عاجزة عن كبح انفلات السلاح بل إنها باتت تعتمد على أمراء الحرب في الحفاظ على سلطتها ومنهم متورطون في الإرهاب وفي الهجرة السرية وتجارة البشر وتجارة السلاح والمخدرات.  

وعُقدت اجتماعات جنيف إلى الآن في قاعتين منفصلتين، حيث يتنقل سلامة بين الطرفين، بينما من المقرر إجراء جولة جديدة من المحادثات في الأسبوع المقبل.

وذكر الجيش الوطني الليبي في بادئ الأمر أن الضربات التي نفذها أمس الثلاثاء استهدفت سفينة تركية تجلب أسلحة، لكنه قال لاحقا إنه قصف مستودعا للذخيرة.

والميناء هو البوابة الرئيسية لعبور القمح والوقود وواردات أخرى إلى طرابلس كما تستخدمه تركيا في إرسال شاحنات عسكرية وعتاد آخر لحلفائها.