الوهم الافتراضي في 'أنا أُوسِيلفي إذن أنا موجود'

الناقد المغربي سعيد بنكراد يترجم كتاب الفيلسوفة والمحللة النفسانية الفرنسية إلزا غودار عن صورة عرضية وهشة تملأ مساحات العوالم الرقمية بالتيه والتضليل.
صور تعيد إنتاج نسخ عابرة في العين والوجدان
حالة من حالات الاستعراء

الدار البيضاء (المغرب) - صدر كتاب "أنا أُوسِيلفي إذن أنا موجود: تحولات الأنا في العصر الافتراضي" للفيلسوفة والمحللة النفسانية الفرنسية إلزا غودار وترجمة الناقد المغربي سعيد بنكراد، عن المركز الثقافي للكتاب في الدار البيضاء بالمغرب.
يركز موضوع الكتاب وفقا للمترجم على "السيلفي"، أي الصورة العرضية والهشة التي تملأ مساحات العوالم الافتراضية ويتم تداولها داخل فضاء " أفقي" تخلص من أبعاد "العمق" فيه ليصبح حاضنا لكل أشكال الوهم والتيه والتضليل والقليل من حقائق العلم والحياة.

سعيد بنكراد
فيها القليل من حقائق العلم والحياة

 إنها صور لا "تنظر" إلى معطيات الواقع، بل تعيد إنتاج نسخ عابرة في العين والوجدان. وتلك إحدى خصائص "الصور المزيفة"، أو هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن تحضر من خلاله المحاكاة الساخرة أو المضللة للواقع. فنحن نُمسك من خلالها بأشباه أشياء أو كائنات، أو ننتقي من عوالمها حقائق لا تُعمِّر في الذاكرة إلا قليلا. 
وضمن حالات الزيف هاته يمكن تصنيف العوالم الافتراضية أيضا، بكل إبدالاتها الجديدة وتبعاتها على الزمان والفضاء والنسيج الاجتماعي، وتبعاتها على الذات وعلاقتها بنفسها وبالآخرين في الوقت ذاته.
 تدخل ضمن ذلك كل الوسائط الجديدة التي تحاكي عالم الحقيقة الواقعية من خلال سيل من الصور التي لا غاية منها سوى التمثيل ذاته.
 فقد تكون هذه العوالم مستودعا للكثير من المنجزات العلمية، وقد تكون وسيلة فعالة في نقل المعلومة ضمن سياقات بعينها، بل قد تكون في بعض الحالات مصدرا لصداقات حقيقية، ولكنها قلصت، في الكثير من الحالات، من دائرة الذات وحدَّت من رغبتها في الذهاب إلى ما هو أبعد من تمثيل بصري سيظل أسير رؤية تحتفي بالأشياء في صورها "العارية" خارج مداها في المتخيل وخارج مجموع الروابط الاستعارية التي نعيد من خلالها خلق الوجود والتنويع من مظاهره. 
لقد أُفرغ المتخيل داخلها من مضمونه التأملي والاستشرافي وحل محله إدراك مباشر لحقائق لا يستقيم وجودها إلا من خلال صور لا تنقل واقعا، بل تنمو على هامشه في شكل استيهامات عرضية لا تُخبر عن حقيقة الذات، كما هي في اللغة ومجمل التعبيرات الرمزية المضافة، بل تقدمها اعتمادا على "رتوشات" تُحسن الأصل أو تعدله أو تغطي على جوانب النقص فيه، وذاك هو موضوع "اللايكات" و"الجيمات" في مواقع التواصل الاجتماعي. 
إن الذات "الحقيقية" لا قيمة لها قياسا بـ"بديلها" الذي لا يعيش سوى في الصور وضمن سيل التعليقات التي يقدمها عن نفسه أو عن "البدائل" الأخرى.
 فما يُرى فيها ليس ذاتا تتحرك ضمن فضاء عمودي تستوعبه العين في كل أبعاده، بل انعكاساتها في شاشات المحمول أو اللوحة، إنها حالة من حالات الاستعراء.