اليمين المتطرف يحيي جدلا بأمجاد الإمبراطورية الألمانية

اليمين المتطرف في ألمانيا يريد جعل "الألمان فخورين بتاريخهم وبالأمة الألمانية وألا يروا في ذلك شبح النازية" وبخاصة أن الأجيال التي شهدت الحربين العالميتين بدأت بالزوال.

الشعبويون يعيدون الجدل حول الحرب العالمية الأولى في ألمانيا
بولندا تطالب ألمانيا مجددا بتعويضات عن الحرب العالمية الثانية

برلين - يسعى اليمين القومي الألماني لرد الاعتبار للإمبراطورية الألمانية ودورها في الحرب العالمية الأولى، ليثير من جديد جدلا يعود إلى عقود مع اقتراب ذكرى مرور مئة عام على الهدنة.

ونشرت مجلة "كومباكت" القريبة من الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" عددا خاصا كرّس لمعاهدة فرساي الموقعة في العام 1919 والتي حملت الرايخ مسؤولية الحرب الكبرى وفرضت على البلاد دفع تعويضات هائلة.

ويحمل العنوان "عار فرساي: كيف أخضعت الدول المنتصرة ألمانيا" بحد ذاته مغزى كبيرا بتذكيره بالخطاب الانتقامي الذي استخدمه في عشرينات القرن الماضي، أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الإمبراطورية والنازيين.

وتهدف المجلة من خلال ذلك إلى تمجيد الإمبراطورية الألمانية (19871-1918) التي تمثل لدى الوجدان الجماعي الألماني منذ عدة عقود أولى القوى المدمرة في القرن العشرين.

وهذه الآراء المتضاربة حول الرايخ ليست جديدة ونجمت عن جدل هز الرأي العام منذ ستينات القرن الماضي وسمي "جدل فيشر".

ويسعى الأستاذ في جامعة هامبورغ فريتز فيشر في كتابه "أهداف حرب ألمانيا الإمبراطورية 1914-1918"، إلى إثبات أن ألمانيا كانت في عهد غيليوم الثاني أول من دفع باتجاه حرب منذ يوليو/تموز 1914 لتروي تعطشها للسلطة على الصعيد العالمي.

وعزا المؤلف أصول صعود النازية لعدم تحقيق هذا الطموح.

وقال يورن ليونهارد الأستاذ في جامعة فريبورغ-ان-بريسغاو إن "هذا التفسير لفيشر الذي يميل إلى تبنيه اليسار أكثر من اليمين، يستند إلى انتقادات حادة وجهت إلى الإمبراطورية الألمانية بسبب نزعتها العسكرية والتوسعية، ويعتبر أن وحدها ديمقراطية قوية يمكن أن تعوض" عن الأذى الذي وقع قبل 1945.

أما حزب البديل من أجل ألمانيا فيرى أن هذا التفسير يعكس رأي المنتصرين في الحرب ويرى في الرايخ نموذجا إيجابيا.

ويقول المؤرخ كلاوس بيتر سيك أن الأمر من وجهة نظر البديل من أجل ألمانيا يتعلق بـ"إعادة الاعتبار للإمبراطورية لأنها تمثل دولة حديثة بقوتها الصناعية وفي الوقت نفسه، محافظة جدا".

ويشير إلى أن "قيم الرايخ الألماني" تتطابق مع قيم الحزب اليميني المتطرف وهي "الانضباط والنظام".

لذلك يدرج ممثلو اليمين القومي في خطبهم إشارات إلى المستشار السابق في عهد الإمبراطورية أوتو فون بيسمارك (1815-1898) أو إلى "عصر القصور البروسية" التي تشكل "مصدر فخر" للألمان.

وذهب الأمر بزعيم البديل من أجل ألمانيا الكسندر غولاند إلى حد اعتبار النظام الهتلري بأنه لا يقارن مع "ألف سنة من التاريخ الألماني المجيد".

ويهدف اليمين المتطرف إلى جعل "الألمان فخورين بتاريخهم وبالأمة الألمانية وألا يروا في ذلك شبح النازية" وبخاصة أن الأجيال التي شهدت الحربين العالميتين بدأت بالزوال.

وعاد الجمهور العريض من جهته للاهتمام من جديد بالحرب العالمية الأولى مع صدور كتاب "صيف 1914 كيف سارت أوروبا إلى الحرب" للمؤرخ كريستوفر كلارك في 2013.

ويوضح المؤلف في كتابه أن ألمانيا وإمبراطورية النمسا-المجر تتحملان بالتأكيد مسؤولية كبيرة في اندلاع النزاع، لكن قيصر روسيا وباريس ولندن لم تكن أفضل لأنها لجأت إلى التصعيد ورغبت فيه.

وكتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغمانيه تسايتونغ" حينها أن هذا الكتاب الذي لقي نجاحا كبيرا "كشف عن حاجة متأصلة إلى التحرر من التأنيب والشعور بالذنب".

لكن السلطات العامة، تنظر إلى أهوال النصف الأول من القرن العشرين على أنها قضية حساسة.

وتقام احتفالات الذكرى المئوية هذا العام بحدها الدنيا. وفي برلين أقيم مؤتمر بعنوان "كسب السلام" في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لم يفتح للجمهور.

كما لن تقام مراسم كبيرة في ألمانيا التي لا تضم إلا عددا ضئيلا من النصب المخصصة لقتلى الحرب العالمية الأولى.

ويرى ليونهارد أن "السياسات الألمانية تولي أهمية كبرى لعدم فتح الجروح القديمة"، مشيرا إلى أنها "رؤية (المستشارة) أنغيلا ميركل وهذا جزء من شخصيتها المتحفظة جدا".

ولن تشارك ميركل سوى بمناسبة واحدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني في ريتوند حيث تم توقيع الهدنة التي أنهت الحرب على الجبهة الغربية في أوروبا.

وفي خضم الجدل الذي يثيره اليمين المتطرف في ألمانيا، طالب الرئيس البولندي اندريه دودا مجددا الأحد برلين بدفع تعويضات عن الأضرار التي سببتها الحرب العالمية الثانية لبلده، وذلك قبل أيام من مشاورات ستجرى بين حكومتي البلدين.

وقال دودا في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية الأحد "برأيي مسألة دفعات التعويضات ليست فصلا انتهى".

وأشار إلى تقرير حرره رئيس الدولة السابق ليش كاتشينسكي ونص آخر صادر عن البرلمان البولندي، يفيدان بأن "الأضرار التي نجمت عن الحرب في بولندا لم تدفع مقابلها تعويضات من قبل"، وخصوصا تدمير القوات الألمانية بالمتفجرات للعاصمة وارسو بيتا بيتا. وقال الرئيس البولندي "إنها بذلك مسألة حقيقة ومسؤولية".

وكانت الحكومة الألمانية رفضت في الماضي مطالب من هذا النوع، معتبرة أن بولندا تنازلت في 1953 عن طلب تعويضات من ألمانيا.

لكن الحزب المحافظ الحاكم في بولندا يطعن في صلاحية هذه الوثيقة معتبرا أنها وقعت تحت ضغط الاتحاد السوفييتي السابق.

وتأتي تصريحات دودا بينما يفترض أن تجرى محادثات حكومية بولندية ألمانية الجمعة في وارسو.

وستلتقي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يرافقها عدد من الوزراء، رئيس الحكومة ماتوش مورافيتسكي.

وفي الجلسات الخاصة، يرى دبلوماسيون ألمان أن بولندا تسعى في هذا الملف إلى الحصول على تعويضات مادية وهو هدف غير واقعي، إلا إذا كانت تريد الاعتماد على ذلك لكسب دعم برلين في قضايا أوروبية مثل ميزانية الاتحاد الأوروبي والتهديدات بعقوبات ضد وارسو بشأن احترام دولة القانون.