انتحاريات وسيارات مفخخة تبطئ الهجوم على داعش

قوات سوريا الديمقراطية تتقدم ببطء في اتجاه آخر جيب خاضع لسيطرة الدولة الإسلامية في شرق سوريا فيما لم تظهر إشارات على أن المعركة انتهت رغم توقعات متفائلة بحسمها قريبا.

انحسر نفوذ داعش بشدة في سوريا لكنه لايزال صامدا في آخر معاقله
داعش يستخدم الألغام والأنفاق للدفاع عن آخر جيب تحت سيطرته
مقاتلون أغلبهم من الأجانب يتحصنون قرب الحدود العراقية
لا نصر قريبا على داعش في الباغوز

الباغوز (سوريا) - قال مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة إن تنظيم الدولة الإسلامية نفذ تفجيرات بسيارات ملغومة ضد القوات التي تهاجم الباغوز في مسعى أخير لتجنب الهزيمة في آخر قطعة من الأراضي التي لا تزال تحت سيطرته.

وستتوج السيطرة على قرية الباغوز، الواقعة بشرق سوريا على ضفاف نهر الفرات، أربع سنوات من الجهود الدولية لطرد المتشددين من أراضي دولة الخلافة التي أعلنوها من جانب واحد وشملت نحو ثلث مساحة سوريا والعراق تقريبا في عام 2014.

لكن من المتفق عليه على نطاق واسع أن التنظيم المتطرف الذي تتقلص أراضيه منذ ذلك الحين والذي تكبد هزائم ساحقة في 2017، سيظل يمثل تهديدا أمنيا كقوة تمرد تملك خلايا نائمة وبعض الجيوب.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قالت إنها تتوقع معركة حاسمة اليوم الأحد بعد تقدم تدريجي دام 18 ساعة لتفادي الألغام المزروعة على الأرض التي زرعها التنظيم الذي يستخدم مقاتلوه أنفاقا تحت الأرض لإقامة كمائن قبل أن يختفوا.

إلا أنه بحلول الظهيرة، لم تظهر إشارات على أن المعركة انتهت وقال متحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويدعم قوات سوريا الديمقراطية إن وتيرة التقدم انحسرت.

وقال الكولونيل شون رايان "يستخدم مقاتلو الدولة الإسلامية سترات ناسفة وسيارات ملغومة لإبطاء هجوم قوات سوريا الديمقراطية والاختباء من ضربات التحالف في منطقة الباغوز. ما زالوا يحتجزون مدنيين ويغطون الأنفاق أيضا بشحنات ناسفة بدائية الصنع".

وواصلت القوات التي تضم فصائل عربية وكردية اليوم الأحد بدعم من طائرات التحالف الدولي، قصفا مدفعيا عنيفا وضربات جوية على الجيب الأخير للتنظيم المتطرف في شرق سوريا، في معركة من شأنها أن تمهّد لإعلان انتهاء الخلافة المزعومة.

وقال القائد الميداني في قوات سوريا الديمقراطية رستم حسكة اليوم الأحد "تدور اشتباكات هي الأعنف التي نشهدها هنا"، مؤكدا أن "الدواعش المحاصرين في هذه المساحة الضيقة يرفضون الاستسلام وغالبيتهم من المهاجرين، بينهم فرنسيون ومن جنسيات أخرى".

وأضاف "يقاتلون بشراسة ويستخدمون كافة الوسائل من سيارات مفخخة وانتحاريين".

واستهدفت قوات سوريا الديمقراطية بحسب حسكة، "عدة مستودعات ذخيرة وسيطرت على نقاط مختلفة".

وعلى بعد 400 متر من خطوط الجبهة الأمامية، تسمع صباح الأحد أصوات رشاقات نارية ودوي قصف مدفعي كثيف وغارات جوية، ما يؤشّر إلى استئناف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضرباته على التنظيم المتطرف.

وتصاعد دخان أسود كثيف وسُمع دوي انفجارات قوية بعد غارة جوية استهدفت مخيما سكنيا قرب نهر الفرات.

وعلى سطح مبنى مجاور لساحة المعركة، شرح قائد ميداني آخر أن مقاتلي "داعش طُردوا من القسم الأكبر من المخيّم ولم يبقَ تحت سيطرتهم إلا ما تبقى من المخيم بالإضافة إلى جزء من بلدة الباغوز".

وداخل الباغوز، واصلت قوات سوريا الديمقراطية عملياتها العسكرية خلال الليل. وعلى إحدى تلات الباغوز الواقعة على بعد 800 متر من الجبهة الأمامية، كان حسكة ليل السبت الأحد ينسّق الضربات ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.

ويتلقى حسكة بواسطة جهاز اتصال لاسلكي معلومات حول أحد مواقع التنظيم على بعد كيلومتر واحد، فيستخدم جهازا لوحيا إلكترونيا لنقل إحداثيات موقع الجهاديين وفقا لنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) ويطلب شنّ غارة جوية وسرعان ما يُسمع هدير مقاتلة أميركية تحلق في السماء.

وما هي إلا دقائق حتى يرفع حسكة عينيه عن الجهاز ويقول مبتسما "موقع داعش، انتهى".

ويضيف باللغة الكردية "منذ استئناف المعارك، تمكنا من استعادة 13 أو 14 موقعا" من التنظيم، متابعا "يستخدم الجهاديون عددا كبيرا من الانتحاريين وخصوصا نساء. نحن في مواجهة عدو يشنّ هجمات ضدنا عبر سيارات ودراجات نارية أو هوائية مفخخة". ويقول "نحن نسمع محادثاتهم وتبادلاتهم عبر ترددات الراديو، نسمعهم يتحدثون خصوصا باللغة الروسية".

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قدرت من قبل وجود مئات من مقاتلي الدولة الإسلامية داخل الباغوز ووصفهم التحالف بقيادة الولايات المتحدة بأنهم "الأكثر صلابة". وقال رايان إن تحديد الأعداد الحالية صعب بسبب اختبائهم تحت الأرض.

ومن موقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من الخط الأمامي بعد ظهر اليوم الأحد، كان بالإمكان سماع أصوات طائرات حربية وقصف المدفعية مع تصاعد الدخان فوق الباغوز.

داعش في استعراض للقوة في سنوات ظهوره الأولى
نفوذ داعش انحسر بعد فقدانه السيطرة على معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها

وقال قيادي من قوات سوريا الديمقراطية إن التنظيم أرسل سيارات ملغومة في مواجهة المقاتلين المتقدمين الليلة الماضية، مضيفا أن الضربات الجوية دمرت اثنتين منهما وفتحت القوات النيران على السيارة الثالثة لتفجيرها، فيما قصف المتشددون أيضا القوة المتقدمة.

وأصيب سنجار شامار وهو من وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية، بشظية أصابت السيارة المدرعة التي كان يقودها.

وقال شامار (22 عاما) أثناء تضميد ذراعه في نقطة مساعدات أولية "تم إرسال زميلي للمستشفى. بُترت ساقه، إلا أن الروح المعنوية مرتفعة عند الخط الأمامي. سأعود لزملائي بعد برهة بمشيئة الله وسننتصر".

وبعد إعلان دولة الخلافة المزعومة في مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطر عليها في هجمات خاطفة في سوريا والعراق المجاور، جذب تنظيم الدولة الإسلامية الآلاف من الأجانب للعيش تحت حكمه والدفاع عن الأراضي التي سيطر عليها.

إلا أن توسعه السريع جذب أيضا مجموعة من الخصوم سواء محليا أو دوليا الذين بدؤوا يقلصون هذه المكاسب.

ومع تراجع الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، تقهقر آلاف من المقاتلين وأتباعهم ومن المدنيين إلى الباغوز والأراضي الزراعية حولها في محافظة دير الزور.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية تدفقوا بأعداد أكبر من المتوقع بشكل عطل الهجوم النهائي. وقال قيادي من قوات سوريا الديمقراطية يوم الخميس الماضي، إن كثيرين ممن يغادرون الجيب كانوا يحتمون تحت الأرض في كهوف وأنفاق.

وبعد إخراج المدنيين المتبقيين، استأنفت قوات سوريا الديمقراطية هجومها مساء يوم الجمعة. ولم تستبعد احتمال أن يكون بعض المتشددين تسللوا للخارج مختبئين وسط غير المقاتلين.

دولة الخلافة المزعومة تنتهي جغرافيا بانتهاء سيطرتها على بلدة الباغوز، لكنها لم تنته إيديولوجيا وفكريا ومن ناحية الخلايا النائمة

وقال قائد من قوات سوريا الديمقراطية يوم الخميس إن قواته ستعلن النصر بعد أسبوع، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عارض كلامه بعد ذلك قائلا إن القوات التي تدعمها الولايات المتحدة استعادت بالكامل كل الأراضي التي كان تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر عليها ذات يوم.

ولدى واشنطن قوات قوامها نحو ألفي جندي في سوريا تتولى بالأساس دعم قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

وأعلن ترامب في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أنه سيسحب قواته، لكن البيت الأبيض عدل عن ذلك جزئيا الشهر الماضي قائلا إن 400 جندي سيبقون هناك.

وأكدت عائلات فرنسية عديدة أن نساء وأطفالا لا يزالون داخل جيب التنظيم المتطرف.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، خرج نحو 53 ألف شخص منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي من مناطق سيطرة التنظيم واعتقلت قوات سوريا الديمقراطية أكثر من خمسة آلاف عنصر من التنظيم كانوا في عداد الخارجين.

ومنذ 20 فبراير/شباط، أجلت الآلاف غالبيتهم من عائلات المقاتلين وبينهم عدد كبير من الأجانب وأخضعتهم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم في نقطة فرز استحدثتها على بعد أكثر من عشرين كيلومترا قرب الباغوز.

وتمّ نقل النساء والأطفال إلى مخيم الهول شمالا، بينما أُرسل الرجال المشتبه بأنهم جهاديون إلى مراكز اعتقال للتوسع في التحقيق معهم.

ولا يعني حسم المعركة في دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق المحررة وانتشاره في البادية السورية المترامية الأطراف.

وقال المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور عدنان عفرين السبت "نستطيع أن نقول إن الخلافة الإسلامية تنتهي جغرافيا بانتهاء سيطرتها على بلدة الباغوز، لكنها لم تنتهِ ايديولوجيا وفكريا ومن ناحية الخلايا النائمة".

وتشكل المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية حاليا إحدى الجبهات الرئيسية في النزاع السوري الذي أسفر عن أكثر من 360 ألف قتيل وملايين النازحين واللاجئين منذ العام 2011.