انتعاش الاقتصاد التونسي رهن المحركات الاستثمارية والسياسية

خبراء يرون أن الأزمة الهيكلية في تونس تعود الى تدني ثقة المنتج والمستثمر في الإدارة وهو ما يفرض انتهاج خطاب سياسي ينتصر للحوكمة الرشيدة.
نسبة الصادرات ارتفعت بـ32 بالمئة
تطور كبير في قطاع الصناعات المعملية

قال المعهد التونسي للإحصاء إن نسبة النمو ارتفعت خلال الثلاثي الأول من العام 2018 بنسبة 2.5 بالمئة مقارنة بالثلاثي الأول من العام 2017 فيما شدد خبراء على أن حلحلة الأزمة الهيكلية يبقى رهن المحركات السياسية. وكشف المعهد في بيان له الثلاثاء 15 مايو/ايار الحالي على موقعه الرسمي بشبكة الأنترنت ان نسبة الصادرات ارتفعت بـ 32.8 بالمئة فيما شهدت عائدات السياحة ارتفاعا بنسبة 30.8 بالمئة .ما بدا مؤشرا على بداية انتعاشه طفيفة للاقتصاد المنهك.

وخلال مؤتمر صحفي قال زياد العذاري وزير التنمية والاستثمار والتعاون الثلاثاء إن "هذا النمو يمثّل تحوّلا على مستوى تركيبته منذ سنة 2011 لعدم ارتكازه على الخدمات غير المسوّقة (الخدمات المسداة من قبل الادارة اساسا)، التّي ناهز معدّل نموها خلال الفترة 2011 /2017 نسبة 4 بالمائة.

وعزا العذاري المؤشرات إلى أداء قطاع الصناعات المعملية الذي حقق نسبة نمو تقدر بـ 2.4 بالمئة والقطاع الزراعي بنسبة 11.9 بالمئة إضافة إلى تطور الخدمات غير المسوقة (الإدارة) غير أنه كشف عن تراجع الصناعات غير المعملية بنسبة 5.3 بالمئة.

وتأتي مثل هذه المؤشرات في وقت تعصف فيه بالاقتصاد أزمة هيكلية تعود جذورها إلى العام 2011 وفي ظل غياب سياسات إصلاحية كبرى وفق راي الخبراء.

غير أن معز الجودي الخبير الاقتصادي قال "إن المهم ليس في المؤشرات في حد ذاتها على أهميتها وإنما المهم في قراءتها قراءة علمية موضوعية بناء على المحركات الأساسية وفي مقدمتها المحركات السياسية والاستثمارية المنتجة للثروات".

وأضاف الجودي وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين " لا يمكن الحديث عن انتعاشه حقيقية للاقتصاد ما لم يقع إجراء إصلاحات هيكلية كبرى مستعجلة".

وتقول الحكومة إنها وضعت خطة لمباشرة إصلاحات من شأنها أن تقود إلى حلحلة الأزمة الهيكلية تعتمد أساسا على الرفع من أداء القطاعات الحيوية مثل الصناعات المعملية والسياحة ومحاربة الفساد والقضاء على شبكات التهريب التي نجحت في تركيز اقتصاد مواز يمثل 54 بالمئة من الاقتصاد المنظم.

تحسين القطاعات الحيوية
تحسين القطاعات الحيوية 

ووفق العذاري تعود المؤشرات إلى نمو الصناعات المعملية نتيجة نمو الصناعات الزراعية والغذائية بنسبة 16.7 بالمئة والمنسوجات بنسبة تناهز 5.3 بالمئة إضافة إلى الصناعات الميكانيكية والكهربائية التي سجلت زيادة بنسبة 23.6 بالمئة.

وبدت المؤشرات متذبذبة خاصة بشأن تدهور إنتاج النفط الخام إلى 40 ألف برميل يوميا بعد أن كان في حدود 70 ألف برميلا العام 2010 تاريخ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العبدين بن علي إضافة إة تذبذب قطاع المناجم نتيجة الإضرابات.

وفيما لم يقدم العذاري إيضاحات ضافية بشأن الإصلاحات التي يجب تنفيذها لإنقاذ الاقتصاد والرفع من أداء القطاعات الحيوية شدد معز الجودي على أنه "لا يجب أن نغتر بالمؤشرات" داعيا الحكومة إلى انتهاج إصلاحات ترتكز على عدة محاور.

ومن أهم المحاور في محرك الاستثمار من خلال إطلاق الدولة لمشاريع استثمارية كبرى منتجة للثروات في الجهات بما من شأنه أن يرسى مناخ استثماري ملائم يشجع على الاستثمار الخاص مشيرا إلى أن إحدى معضلات الاقتصاد غياب الاستثمار.

وخلال السنوات السبع الماضية لم تطلق الحكومات المتعاقبة أي مشاريع استثمارية كبرى نتيجة ندرة الثروات وضخ التداين الخارجي للتخفيف من عجز موازنة الدولة الذي يتراوح وفق الجودي ما بين 6 و7 بالمئة والحال أنه لا يجب أن يتجاوز 6 بالمئة.

ويرى الجودي أن من أهم المحركات التي من شأنها أن تنعش الاقتصاد هو محرك الاستهلاك إذ كلما ارتفعت نسبة الاستهلاك كلما ارتفع نشاط المؤسسات الصناعية غير أنه لاحظ بالمقابل أن تدهور المقدرة الشرائية حالت دون فاعلية هذا المحرك.

ويكاد محرك الاستهلاك مستحيلا اليوم في تونس نتيجة تدهور المقدرة الشرائية بنسبة تناهز 47 بالمئة وفق بيانات منظمة الدفاع عن المستهلك في ظل أوضاع اجتماعية هشة طالت غالبية فئات المجتمع حتى أنها هجرت المساحات التجارية الكبرى.

ومن بين معضلات الأزمة الهيكلية في تونس وفق الخبراء تدني ثقة المنتج والمستثمر في الإدارة وهو ما يفرض انتهاج خطاب سياسي ينتصر للحوكمة الرشيدة بما من شأنه أن يحد من تفاقم عجز الميزان التجاري الذي يناهز 15.6 مليار دينار، نحو 7 مليار دولار إضافة إلى عجز موازنة الدولة نتيجة كتلة حجم الأجور المرتفعة.

وشدد معز الجودي على أن "المشكل الاقتصادي وراءه مشكلات سياسية يترجمها غياب حوكمة سياسية واقتصادية ذات قرارات قوية تجعل من السياسات الاقتصادية أولوية".

ولم يتردد الجودي وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين في التأكيد على "تركيز تركيبة حكومية برامجية تضع حدا لكل الخطوط الحمراء وتفسح المجال لإصلاحاتكبرى تتولى تنفيذها كفاءات متخصصة وهو ما يفرض الابتعاد عن المحاصصة الحزبية والمزايدات السياسية التي عمقت الأزمة الهيكلية وزادت في تعقيداتها".

وتظهر قراءات الخبراء أن الحكومات التي تعاقبت على الحكم في تونس طغت عليها المحاصصة على حساب مبدأ الكفاءة لا الولاء الحزبي الذي لم يقد سوى إلى خدمة مصالح وأجندات الأحزاب الحاكمة بعيدا عن خدمة المصالح الوطنية المتأكدة.

وشدد معز الجودي "يجب على الحكومة المرتقبة أن تجعل من المسألة الاقتصادية أولوية الأولويات وأن تقضي في إصلاحاتها على كل الخطوط الحمراء سواء منها الاقتصادية أو السياسية".