انتكاسة الحريري الانتخابية تعزز نفوذ حزب الله وإيران في لبنان
بيروت - أقر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الاثنين بخسارة ثلث المقاعد التي يسيطر عليها تياره السياسي في البرلمان المنتهية ولايته، غداة انتخابات كرست نفوذ حزب الله في المعادلة السياسية بلبنان.
وأعلن الحريري فوز تياره بـ21 مقعدا، مستبقا صدور النتائج الرسمية للانتخابات المتوقعة في وقت لاحق الاثنين، بعدما كانت كتلته النيابية تضم 33 نائبا في البرلمان في آخر انتخابات في العام 2009 وحاز مح حلفائه الأكثرية المطلقة وبذلك تكون كتلة تيار المستقبل قد فقدت 12 مقعدا مقارنة بما كانت عليه في البرلمان المنتهية ولايته.
وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في دارته في وسط بيروت "كنا نراهن على نتيجة أفضل وعلى كتلة أوسع"، لكنه أضاف أنه "سعيد" بالنتيجة.
وربط الحريري تراجع عدد مقاعده بطبيعة قانون الانتخاب الجديد، مقللا من تداعيات ذلك على مستقبل تياره السياسي الذي يؤخذ عليه تقديمه العديد من التنازلات لصالح حزب الله في السنوات الأخيرة.
وقال "عملي هو تحقيق التوافق بين اللبنانيين. ولبنان لا يحكم إلا بجميع مكوناته السياسية. والذي يتكلم غير ذلك يضحك على نفسه، لذلك علينا أن نعمل مع بعضنا لبناء البلد فهو لم يعد يتحمّل خلافات سياسية".
وتمكن الحريري في نهاية العام 2016 من تشكيل حكومته بعد تسوية سياسية أتت بميشال عون حليف حزب الله، رئيسا للبلاد في أكتوبر/تشرين الأول (2016)، بعد نحو سنتين من الفراغ الدستوري وشلل المؤسسات الرسمية.
وفي لبنان البلد الصغير ذي الموارد المحدودة، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى السياسية الكبرى وأبرزها حزب الله الذي تمكن من خلال النتائج الأولية للانتخابات من تعزيز نفوذه في المعادلة السياسية.
وشارك نحو نصف الناخبين اللبنانيين الأحد في عملية الاقتراع لاختيار 128 نائبا، مع معدل اقتراع بلغ 49.2 بالمئة لم يلب تطلعات معظم الأحزاب التي توقعت أن ينعكس إقرار قانون يعتمد النظام النسبي تهافتا على صناديق الاقتراع.
"صنع القرار"
وبعد ساعات من إقفال صناديق الاقتراع الأحد، بدأت الماكينات الانتخابية التابعة للوائح بإصدار نتائجها التي أظهرت في مرحلة أولى احتفاظ الثنائي الشيعي الذي يضم حزب الله مع حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، بالعدد نفسه تقريبا من المقاعد في البرلمان.
ولا توجد بعد أعداد نهائية لعدد المقاعد التي فاز بها حلفاء لحزب الله من طوائف أخرى، والتي قد تؤدي إلى زيادة حجم كتلته، ما يعني أن فوز الجماعة الشيعية المدعومة من إيران سيعزز نفوذ طهران في لبنان وهو أمر سبق أن اثار أزمة سياسية على خلفية مصادرة حزب الله لقرار الدولة اللبنانية لصالح أجندة قوة خارجية هي إيران.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كريم مفتي "حزب الله في طريقه لأن يكون مؤثرا في عملية صنع القرار، لكن ذلك سيعتمد أيضا على التحالفات التي سينسجها أو يجددها".
وتصنف واشنطن حزب الله الذي يمتلك ترسانة كبيرة من السلاح ويقاتل اسرائيل على قائمة المنظمات الارهابية.
كما تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خمسة أعضاء من الحزب باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.
ولطالما شكل سلاح الحزب الذي يحارب إلى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين، لكن الجدل حول سلاحه تراجع إلى حد كبير قبل الانتخابات بفعل "التوافق السياسي" القائم حاليا.
وأوردت صحيفة "الأخبار" القريبة من حزب الله في مقالة افتتاحية بعنوان "الرابحون والخاسرون" الاثنين أن حزب الله وحركة أمل أظهرا "قدرة فائقة على تنظيم الصفوف بما يمنع تعرضهما لأي انتكاسة"، فيما "تلقى الحريري (وتيار المستقبل الذي يراسه) الصفعة الأكبر في تاريخه".
واعتبرت أن "خسارة الحريري" هي "العلامة الفارقة في هذه الانتخابات".
ويرى محللون أن البرلمان اللبناني قد يشهد في المرحلة المقبلة ظهور توازنات أو تحالفات جديدة.
كتلة "متنقلة"
واستنادا إلى التوقعات ذاتها، يتجه التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس اللبناني ميشال عون إلى خسارة مقاعد من حصته الكبيرة جدا في البرلمان المنتهية ولايته.
ويحاول عون، منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، تقديم نفسه على أنه على مسافة متساوية من كل الفرقاء.
وتدل النتائج الأولية على أن حجم كتلة عون ستتراجع لصالح تقدم حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع.
وكان الطرفان على طرفي نقيض منذ سنوات طويلة، لكن حصل تقارب بينهما ساهم في الاتيان بعون رئيسا، إلا أن هذا التقارب لم يترجم في الانتخابات النيابية التي تنافسا فيها في كل المناطق.
ودفع قانون الانتخاب الجديد غالبية القوى السياسية إلى نسج تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية حتى بين الخصوم بهدف تحقيق مكاسب أكبر.
وفي معظم الأحيان، لم تجمع بين أعضاء اللائحة الواحدة برامج مشتركة أو رؤية سياسية واحدة، إنما مصالح آنية انتخابية وهو ما قد يكون قد انعكس على ثقة الناخبين باللوائح.
وشكلت اللوائح المشتركة بين حزب الله وحركة أمل الثابتة الوحيدة في التحالفات، بما يكرس إلى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي.
وسارع مناصرو الكتل الفائزة ليلا إلى الاحتفال وتسيير مواكب سيارة في الشوارع ترفع الرايات الحزبية وصور المرشحين.
كما تكررت ظاهرة إطلاق الرصاص ابتهاجا في عدد من المناطق اللبنانية، خصوصا في شمال لبنان.
وتعبر فئات واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرار الوجوه ذاتها وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علما أنها لم تنجح على مدى عقود في تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها لبنان.