انفجار اجتماعي يدفع لبنان إلى حافة انهيار اقتصادي وسياسي

الاحتجاجات تسلط الضوء على الانقسام السياسي وتباين وجهات النظر بين مكونات الحكومة حول آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية وكيفية خفض العجز والإصلاح من جهة وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة أخرى.

الحريري يمهل شركاءه في الحكومة 72 ساعة لدعم الإصلاحات
الحريري يتهم شركاءه في الحكم بتعطيل عمله ودفعه ككبش محرقة
جنبلاط وجعجع يدعوان الحكومة للاستقالة وباسيل يحذر من فتنة
وليد جنبلاط: الاحتجاجات قلبت الطاولة على الجميع
هتافات مناوئة لبري والحريري وعون
باسيل يستقوي بحزب الله في التفرد بالقرار
اللبنانيون ملوا من المماطلة ومن فساد الطبقة السياسية

بيروت - تتسارع الأحداث في لبنان منذرة بانسداد سياسي وانهيار اقتصادي على وقع احتجاجات شعبية لم ترفع فيها شعارات ولا أعلام حزبية ولا صور زعماء في مشهد غير مألوف تعالت فيه الأصوات برحيل الحكومة ومُزّقت فيه صور زعماء سياسيين وشكّل بلون واحد انتفاضة على منظومة الحكم وخروجا عن مسار الاصطفافات الطائفية والمحاصصات السياسية.  

وفي أحدث تقلبات المشهد العام في لبنان، أمهل رئيس الوزراء سعد الحريري مساء الجمعة شركاءه في الحكومة 72 ساعة لدعم "الإصلاحات"، متهما بعضهم بتعطيل عمله، فيما يتزامن تحذيره مع موجة تظاهرات ضخمة تشهدها البلاد ضد الطبقة السياسية والتدهور الاقتصادي واستشراء الفساد.

وقال الحريري في كلمة عبر التلفزيون "أنا شخصيا منحت نفسي وقتا قصيرا جدا، إما أن يعطينا شركاؤنا في التسوية والحكومة جوابا واضحا وحاسما ونهائيا يقنعني أنا واللبنانيين والمجتمع الدولي بأن هناك قرارا لدى الجميع للإصلاح ووقف الهدر والفساد أو يكون لدي كلام آخر"، مضيفا "أعود وأقول مهلة قصيرة جدا 72 ساعة".

وحذر في كلمته اليوم الجمعة من أن خصومه السياسيين يريدون أن يجعلوا منه "كبش محرقة" لعدم تمكن الحكومة حتى الآن من القيام بأي إصلاحات ممكنة.

ومنذ ليل الخميس، يتظاهر آلاف اللبنانيين في تحرك موحد لرفع الصوت ضد الحكومة وقرارات فرض ضرائب جديدة عليهم في بلد يشهد أساسا أزمة اقتصادية خانقة.

واندلعت التظاهرات غير المسبوقة بعد إقرار الحكومة ضريبة سحبتها لاحقا على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت ضمن سلسلة ضرائب جديدة تدرس إقرارها تباعا.

وعلت مطالب الشارع باستقالة الحكومة في حراك جامع غير مسبوق لم يستثن حزبا أو طائفة أو زعيما، لكن الحريري اتهم في كلمته أطرافا في الحكومة لم يسمها بتعطيل مساعيه للمضي بإصلاحات اقتصادية جدية سبق أن وافقوا عليها وتتيح للبنان الحصول على قروض وهبات بقيمة 11.6 مليار دولار أقرها المجتمع الدولي خلال مؤتمر "سيدر" في باريس.

وقال "الوجع انفجر في الشارع البارحة وأنا أحاول منذ ثلاث سنوات أن أعالجه وأقدم حلولا حقيقية"، مضيفا "منذ أشهر، ننتظر شركاءنا في الوطن والحكومة أن يسيروا في الحل الذي اتفقنا عليه، لكن لم تبق مماطلة لم يقوموا بها" منذ بدء تشكيل الحكومة الذي تطلب أشهرا.

وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام السياسي وتباين وجهات النظر بين مكونات الحكومة حول آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية وكيفية خفض العجز والإصلاح من جهة وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة أخرى.

وتشكل العلاقة مع سوريا بندا خلافيا داخل الحكومة، مع إصرار التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل وحليفه حزب الله على الانفتاح على دمشق ومعارضة الحريري وفرقاء آخرين لذلك.

ويأخذ خصوم باسيل عليه رغبته بالتفرّد في اتخاذ القرار، مستفيدا من علاقته مع حليفه حزب الله ومن حصة وزارية وازنة.

ودعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الممثل في الحكومة، الحريري الجمعة إلى تقديم "استقالة هذه الحكومة".

الاحتجاجات تصيب لبنان بالشلل
الاحتجاجات تصيب لبنان بالشلل

وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في حديث تلفزيوني ليل الخميس إن التظاهرات "قلبت الطاولة على الجميع"، مشيرا إلى أنه قال للحريري "إننا في مأزق كبير وأفضل أن نستقيل سويا".

إلا أن باسيل أعلن الجمعة رفضه استقالة الحكومة. وقال في كلمة "البديل عن الحكومة الحالية هو ضبابي ويمكن أن يكون أسوأ بكثير من الوضع الحالي"، مشيراً "الخيار (..) الذي لا نتمناه هو الفوضى في الشارع وصولا إلى الفتنة".

وفي العام 2016، تسلم الحريري رئاسة الحكومة بناء على تسوية أتت بميشال عون رئيسا للبلاد. وبعد الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2018، احتاج الحريري ثمانية أشهر من المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة.

وتظاهر آلاف اللبنانيين الجمعة لليوم الثاني على التوالي وقطعوا طرقا رئيسية في مختلف المناطق، في تحرك موحد لرفع الصوت ضد الحكومة وقرارات فرض ضرائب جديدة عليهم في بلد يشهد أساسا أزمة اقتصادية خانقة.

واندلعت التظاهرات غير المسبوقة منذ سنوات ليل الخميس بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت. ورغم سحب الحكومة قرارها على وقع غضب الشارع، لم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كافة مكونات الطبقة السياسية الممثلة في حكومة الرئيس سعد الحريري.

وتصاعدت نقمة الشارع في لبنان خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.

وقطع المتظاهرون طرقا رئيسية في مختلف المناطق وتلك المؤدية إلى العاصمة ومطار بيروت الدولي لليوم الثاني على التوالي. وعملت القوى الأمنية مرارا على إعادة فتح الطرق الحيوية.

وتجمع المتظاهرون في وسط بيروت قرب مقر الحكومة الجمعة مرددين شعار "ثورة، ثورة" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، رافعين الأعلام اللبنانية في وقت أقفلت فيه المدارس والجامعات والمصارف والعديد من المؤسسات أبوابها.

ورفع أحدهم يافطة كتب عليها "الإسقاط والمحاسبة، كلهم يعني كلهم"، في إشارة إلى كامل الطبقة السياسية. وهتف متظاهرون بالعامية "برا برا برا، الحريري إطلع برا".

وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية، بدا لافتا منذ ليل الخميس خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على حزب الله، أبرز مكونات الحكومة، على غرار الضاحية الجنوبية لبيروت وأخرى جنوبا خصوصا مدينة النبطية حيث تجمّع متظاهرون قرب منازل ومكاتب عدد من نواب حزب الله وحركة أمل.

كما مزق متظاهرون صورا للحريري في مدينة طرابلس شمالا، حيث يتمتع بنفوذ. وتظاهر آخرون في مناطق مسيحية محسوبة على التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون.

وفي مدينة صور (جنوب)، حيث يطغى نفوذ حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، هتف متظاهرون ضدّه، وفق ما قال أحد السكان.

وفي وسط بيروت، قالت يارا (23 عاما) "إنها فرصتنا لإحداث تغيير في البلد للمرة الأولى لا يهتم الناس بالدين أو الحزب الذي ينتمون إليه"، مضيفة "المهم اليوم أن الشعب اللبناني يتظاهر سويا".

وقال كمال (30 عاما) "نريد دولة مبنية على رجال غير فاسدين.. لقد طفح الكيل".

ولم تخل التظاهرات ليلا من أعمال شغب بدت آثارها واضحة في شوارع بيروت صباح الجمعة، حيث انتشرت مستوعبات النفايات بشكل عشوائي وسط الطرق مع آثار الإطارات التي تم حرقها ليلا وتناثر الزجاج بعد إقدام محتجين على كسر واجهات محال تجارية.

وقضى عاملان أجنبيان اختناقا خلال الليل إثر إضرام متظاهرين غاضبين النار في مبنى قيد الإنشاء في وسط بيروت وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.

وتدرس الحكومة أيضا فرض ضرائب إضافية على الوقود ورفع ضريبة القيمة المضافة.

ولم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة الناتج عن تدهور الوضع الاقتصادي والذي ترافق مؤخرا مع ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء إلى أكثر من 1600 مقابل الدولار الذي بات من الصعب جدا الحصول عليه.

وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نموا بالكاد بلغ 0.2 بالمئة وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.

ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار أي أكثر من 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 20 بالمئة.

وتعهدت الحكومة العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار، لكنها لم تتمكن من الوفاء بتعهداتها.

وكان من المفترض أن تعقد الحكومة اجتماعا طارئا اليوم الجمعة، لكن تم إلغاؤه على أن يتوجه الحريري بكلمة إلى المواطنين مساء.

وفي 2015 شهدت بيروت تظاهرات كبيرة ضد أزمة نفايات، لكنها لم تكن بهذا الحجم واقتصرت بشكل أساسي على العاصمة.

ودعت الأمم المتحدة الجمعة "جميع الأطراف إلى الامتناع عن أنشطة من شأنها زيادة التوتر وأعمال العنف" في لبنان الذي يشهد منذ الخميس تظاهرات ضد الفساد وتردي الظروف المعيشية والاقتصادية، وفق ما أعلن المتحدث باسم المنظمة.

وقال ستيفان دوجاريك خلال مؤتمره الصحافي اليومي إن "الأمم المتحدة تواصل العمل مع حكومة لبنان والشركاء الدوليين بهدف المساعدة في مواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، ويشمل ذلك وضعه الاقتصادي".