باحث يؤكد أن شيوخ الأزهر لم ينجرفوا تحت وطأة الحكم العثماني

حسام عبدالمعطي يضئ جوانب مهمة من تاريخ الجامع الأزهر ودوره ومكانته العلمية وشيوخه من العلماء الكبار.
الكتاب يتطرق لإدارة شيخ الأزهر لشئونه وموارده المالية، كذا علاقته بالسلطة ودوره السياسي
عبدالمعطي ارتكز على تحليل ونقد المادة التاريخية، وتحليل ما ورد في المصادر المختلفة 

يتبوأ الجامع الأزهر الشريف منزلة عظيمة وشهرة واسعة في ربوع العالم الإسلامي قاطبة، فهو من أشهر المساجد الإسلامية مكانة وشهرة، وجامعة إسلامية هي الأولى في العالم الإسلامي؛ حيث نشر الثقافة الإسلامية والعلوم الفقهية والمعرفة في شتى أنحاء العالم. 
وهذا الكتاب "شيخ الجامع الأزهر في العصر العثماني 945 ـ 1227هـ/ 1538 ـ 1812" للباحث د.حسام محمد عبدالمعطي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب - جامعة بني سويف، يضئ جوانب مهمة من تاريخ هذا الجامع ودوره ومكانته العلمية وشيوخه من العلماء الكبار، حيث يتتبع تطور مكانة الأزهر العلمية، كاشفا عن ظهور منصب شيخ الأزهر، وآليات تعيينه، والصراع على تولي مشيخة الأزهر، كما يتطرق لإدارة شيخ الأزهر لشئونه وموارده المالية، كذا علاقته بالسلطة ودوره السياسي، ويؤكد أن دور الجامع الأزهر لم ينحصر وشيوخه لم ينجرفوا تحت وطأة الحكم العثماني.
ارتكز عبدالمعطي في كتابه الصادر عن مكتبة الإسكندرية على تحليل ونقد المادة التاريخية، وتحليل ما ورد في المصادر المختلفة من آراء ومقارنة بعضها بعضا، فمن خلال مقارنة مادة الدراسة وتحليها، يلقي الضوء على جانب من جوانب تاريخ مشيخة الجامع الأزهر في هذه الفترة التاريخية التي ظل يكتنفها الكثير من الغموض. 

azhar
حسام عبدالمعطي 

وتعتمد الدراسة على العديد من المصادر منها سجلات المحاكم الشريعة وبخاصة سجلات محاكم القسمة العسكرية والقسمة العربية والباب العالي، بالإضافة إلى اعتماد الدراسة على العديد من المخطوطات والمصادر والحوليات العربية من أجل كشف العديد من التطورات التي لحقت بالأزهر إبان هذه الحقبة التاريخية سواء على مستوى الاختيار أو طبيعة المذهب الذي عليه الشيخ والصراعات بين المذاهب التي سعت لتولي المنصب وإدارة الأموال والأوقاف المرصودة للجامع.. وغيره.
رأى عبدالمعطي أن ظهور منصب شيخ الأزهر ظل الغموض يكتنف ظروف وملابسات نشأته، وقال "ظل الخلاف قائما حول أول من ولي المشيخة من العلماء، وإن اتفق العدد الأكبر من الباحثين حول نشأة هذا المنصب خلال العصر العثماني، كما أنه من الملاحظ أن عددا كبيرا من كتّاب ومؤرخي الأزهر اتفقوا على أن الشيخ عبدالله الخرشي ليس أول من تولى هذا المنصب، ولكنهم لم يحددوا من أول تولاه، وتبدو قصة الشيخ أحمد بن سعد الدين العثماني العمري في كتابه الشعري "ذخيرة الأحلام بتواريخ الخلفاء وأمراء مصر الحكام وقضاة قضاتها في الأحكام" بأن أول شيخ للجامع الأزهر هو الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالحق السنباطي صحيحة إلى حد كبير في اعتقاد الباحث، فيروي العمري قصة طريفة لذلك تقول إن:
الشيخ أحمد أفتى بأن داود باشا الذي كان مملوكا للسلطان سليمان القانوني من الرقيق ولا يجوز له أن يتولى الأحكام، وأن أحكامه باطلة ما لم يحصل على عتقه وحريته، وأن الباشا استشاط غيظا وهم بضربه بسيفه، فتمرّد عليه الجنود ونهروه، وانحازوا إلى الشيخ السنباطي، فأرسل الباشا نبأ هذه الحادثة للسلطان فأنعم عليه بالعتق، وطلب إليه أن يبلغ الشكر إلى الشيخ، فذهب إليه وحاول أن يقدم إليه هدية وبعض المال، فلم يقبل الشيخ منه شيئا من ذلك. ولكن الباشا منذ ذلك الحين أصبح لا يرد للشيخ رأيا ولا يرفض له شفاعة، وقد دفع ذلك الموقف السلطان سليمان إلى تعيينه شيخا للجامع الأزهر".
وأشار عبدالعاطي إلى أن هذه الحادثة لا يمكن أن تكون وحدها الدافع لإنشاء منصب كبير مثل منصب شيخ الجامع الأزهر، فنعتقد أن السلطان سليمان القانوني أراد استغلال هذه الحادثة ليزيد من قيود الباشا الحاكم في القاهرة إذا فكر في الانفصال بمصر عن جسد الدولة العثمانية، فنحن نعرف أنه حدثت أكثر من محاولة للانفصال بمصر عن الدولة العثمانية".
وأكد أن شيخ الأزهر كان أعلى سلطة دينية في مصر، وخلال هذه الفترة محل الدراسة ظل عدد كيبر من القضايا التي تشغل الرأي العام في مصر، وربما في العالم الإسلامي محل جدل فقهي خلال هذه الفترات، وكانت آراء مشايخ الأزهر مهمة ومحورية في هذه القضايا، ويجيب علينا الحاكم عليها في عصرها وفي حينها، فكل فتوى وكل حجة هي بنت ذلك العصر، فخلال فترة تولي الشيخ أحمد بن عبدالحق السنباطي انتشر استخدام البن في مصر انتشارا كبيرا، وقد اقترن ذلك بانتشار المقاهي التي كانت مقرا للراقصات والفسقة، لذلك فعندما سأل الشيخ أحمد عن هل القهوة حلال، فقد حرّمها، ولم يكن ذلك فقط رأي الشيخ السنباطي، فقد أكد ذلك مفتي السلطنة الشيخ "أبو السعود" أفندي حيث قال "ما أكب أهل الفجور على تعاطيه فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله ويتقيه، وهذا ليس فيه تصريح بتحريمها، بل يقتضي أن الأولى تركها حذرا من التشبه بالفجار".
وقال إنه "وخلال فترة تولي الشيخ نجم الدين الغيطي كانت أكثر القضايا التي شغلت الرأي العام في مصر والسلطنة العثمانية هي قضية وقف المرتبات أو الجامكيات وشراء وبيع هذه المرتبات وكانت هذه القضية تمس حياة جزء كبير من أفراد المجتمع المصري، وكان السلطان سليمان القانوني، قد قرر ضم هذه الأوقاف إلى بيت المال، فقام الشيخ الغيطي بكتابة مؤلفه عن التأييدات العلية للأوقاف المصرية، حيث أكد على ضرورة احترام الأوقاف وفقا لنص الوقف، وأن هذه الأوقاف موقوفة على مؤسسات ومنشآت خدمية دينية من مساجد ورجال علم مما يستوجب استمرارها، وبالفعل فقد استجاب السلطان القانوني لذلك حيث استمرت أغلب أوقاف السلاطين المماليك".

وأضاف أنه خلال القرن السادس عشر ومع تفاقم المجاعات والأزمات توافد على الأزهر أعداد كبيرة من أطفال وشباب الريف من أجل الحصول على الجراية وتحسين أوضاعهم، وقد احتج عدد كبير من المماليك، ومحصلي الضرائب على ذلك حيث هرب عدد كبير من الشباب محتمين بالأزهر بدعوى الدراسة به، وقد رفض العلماء تسليم هؤلاء الصبية والأولاد إلى الصوباشي (حكمدار الأمن) وأصدر شيخ الأزهر فتوى بأنه طالما أن هؤلاء الفلاحين الشباب لا يملكون الأرض، وليس عليهم مال خراج فليس عليهم وزر إذا نزحوا من هذه القرى إلى القاهرة لاسيما إذا كان سعيهم إلى القاهرة لطلب العلم وحفظ القرآن".
ورأى عبدالمعطي أن العديد من شيوخ الأزهر كانوا معتدلين إلى حد كبير في فتواهم تجاه الديانات الأخرى غير أنه يجب علينا مراعاة العصر والظروف فمثلا عندما استفتي الشيخ عبدالله الشبراوي حول زيارة وحج الأقباط لبيت المقدس، كتب الشيخ "أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم"، غير أنه عندما اتهم بأنه قبض رشوة، وأنه بذلك يعطي للأقباط فرصة ليكون لهم موكب حج مثل المسلمين ويكون هناك موكب للنصارى وللمسلمين، فقد دفعه ذلك للتراجع عن ذلك خوفا من إثارة العامة ضده، فلم يمانع في نهب الحجاج النصاري".
ورأى أن الأزهر ظل على امتداد العصر العثماني يشكل الركن الأساسي من أركان الحياة الثقافية داخل الجناح العربي من الدولة العثمانية، كما ظل محورا رئيسيا للحياة العلمية والثقافية في أنحاء العالم الإسلامي، هكذا يمكننا القول إن أهمية الأزهر السياسية كانت أكبر من أهميته الدينية، فرغم كون الرجل الرمز الديني الأكبر في مصر فإنه لم يكن بالضرورة أهم علماء الأزهر من الناحية العلمية، فهناك عدد ليس بالقليل من شيوخ الأزهر لم يترك أيا منهم مؤلفا واحدا في علم من العلوم، كما أن دور شيخ الأزهر الأكبر منذ نشأة المنصب تبلورت في علاقته بالسلطة من جانب والأهالي في مصر من جانب آخر، ففي البداية كان كان شيخ الأزهر هو صوت العلماء في أروقة السلطة، ومع بروز الدور المملوكي في مصر في القرن الثامن عشر وعدم وجود شرعية تبرر وجودهم في السلطة كان شيخ الأزهر وعلماؤه هم أداة الشرعية، لذلك فقد تعاظم دورهم في أروقة السلطة، ومع تزايد الابتزازات المملوكية للأهالي كان على شيخ الأزهر أن يتصدى لجموح هؤلاء المماليك سواء بسبب ابتزازهم للأهالي أو لتوقفهم عن دفع مستحقات العلماء، وهو ما جعله أهم شخصية سياسية في مصر عند قدوم الحملة الفرنسية لمصر، ولم يكن تعيين الشيخ الشرقاوي رئيسا لديوان القاهرة إلا تجسيدا لواقع كان موجودا داخل القاهرة من فترة طويلة".