برلين تحاول ابطال محاولة تركية لاستمالة الجزائر نحو السراج

فائز السراج ووزير الخارجية التركي يقومان بزيارة إلى الجزائر في نفس اليوم بحثا عن دعم التدخل العسكري التركي في ليبيا.
ميركل وجهت دعوة لتونس والجزائر لحضور مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية
السراج يحاول الضغط على الجزائر لتفعيل الاتفاقيات الأمنية المشتركة

الجزائر - طار فائز السراج رئيس حكومة الوفاق في ليبيا، إلى الجزائر اليوم الاثنين بالتزامن مع زيارة مماثلة يقوم بها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في محاولة أخيرة عاجلة للحصول على دعم من السلطات الجزائرية في ظل استمرار رفض التدخل العسكري التركي في ليبيا.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الاثنين إن "فائز السراج وصل الجزائر على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة تدوم يوما واحدا".

وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان لها إن اللقاء الذي سيجريه السراج مع رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون يندرج ضمن "المشاورات الدائمة والمتواصلة مع الإخوة الليبيين وسيسمح بتبادل وجهات النظر حول تفاقم الأوضاع في ليبيا وبحث السبل الكفيلة لتجاوز هذه الظروف العصيبة"، دون ذكر تفاصيل أخرى.

وصباحا وصل وزيرا الخارجية والداخلية في حكومة الوفاق محمد طاهر سيالة وفتحي باشاغا وكان في استقبالهما نظيراهما الجزائريان صبري بوقادوم وكمال بلجود، بحسب التلفزيون الحكومي.

 كما ينتظر أن يصل مساء وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، في زيارة رسمية تستمر يومين، بحسب بيان للخارجية التركية.

ومن المنتظر أن يجتمع السراج إلى جانب مرافقيه بتشاووش أوغلو ونظيره الجزائري صبري بوقادوم.

وفي مايو الماضي، حاول السراج طلب وساطة الجزائر لعقد اجتماع لدول الجوار الليبي وممارسة الضغط على حفتر لمساعدته في الحفاظ على نفوذ حكومة الوفاق، لكنه فشل في ذلك بسبب تمسك الجيش الليبي الذي خوض معركة منذ أبريل الماضي ضد الجماعات المسلحة والإرهابيين، بتخلي السراج عن الميليشيات للعودة إلى طاولة المفاوضات.

وقالت مصادر محلية إن السراج الذي بادر بطلب الزيارة العاجلة إلى الجزائر وهي الثانية له خلال 6 أشهر، سيطلب من السلطات الجزائرية تفعيل الاتفاقيات الأمنية المشتركة، بناءً على تفاهمات جرت في يوليو الماضي، بين وزير الداخلية في الحكومة الجزائرية آنذاك صلاح الدين دحمون ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا.

وكانت الجزائر قد أعلنت بعد زيارة باشاغا في يوليو "إرسال وفد أمني جزائري لمناقشة ترتيبات إعادة تفعيل اللجنة الأمنية المشتركة الجزائرية-الليبية في أقرب وقت، ومناقشة المسائل المتعلقة بالشق الأمني والاتفاقيات ذات الصلة بمحاربة الإرهاب والمخدرات والجريمة وتهريب السلاح والهجرة غير الشرعية".

وتزامنا مع الزيارة التي يقوم بها السراج وتشاووش أوغلو إلى الجزائر، أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتصالات هاتفية منفصلة مع رؤساء الجزائر وتونس وتركيا.

وذكرت الرئاسة الجزائرية في بيان أن تبون تلقى مكالمة هاتفية من ميركل وجهت له من خلالها دعوة رسمية لزيارة ألمانيا وحضور المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي تنوي الحكومة الألمانية تنظيمه في برلين.

وحسب البيان فإن ميركل وتبون حثا على التعجيل بإيجاد حل للأزمة القائمة في ليبيا والوقف الفوري للنزاع المسلح والتدخل العسكري الخارجي.

من جهتها قالت الرئاسة التونسية إن الاتصال بين ميركل وسعيّد "تعرّض إلى مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وخاصة الوضع في ليبيا ومسار مؤتمر برلين".

ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن بيان للرئاسة التركية أن ميركل وأردوغان بحثا هاتفيا "المستجدات الإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب مستجدات الأوضاع في ليبيا وسوريا".

يذكر أن أردوغان فشل في انتزاع موافقة جيران ليبيا للتدخل العسكري التركي ودعم حكومة الوفاق من خلال زيارة سابقة أداها إلى تونس الشهر الماضي.

وكانت الاضطرابات الداخلية التي مرت بها الجزائر وتحضيراتها للانتخابات الرئاسية إلى جانب تمسكها بالبقاء في صف الحياد في ما يخص الملف الليبي، قد عطلت تفعيل اللجنة الأمينة المشتركة مع حكومة الوفاق.

واستنجدت حكومة السراج بالجزائر لمساعدتها عبر هذه الاتفاقية في تدريب وتكوين كوادر من الشرطة والأمن في الجزائر في خطوة تمكنها من صد قوات الجيش الليبي بعد أن فشلت ميليشيات دعمتها أنقرة بالسلاح والمال في مساعدتها.

وبقدوم رئيس جديد، بدأت بعض التغيرات تظهر في الموقف الجزائري الذي طالما إلتزم  بالحياد والصمت مع الاستنفار الأمني والعسكري الكبير الذي أعلنته البلاد على الحدود الليبية في خطوة تشير إلى استعدادها لكل الاحتمالات.

ومباشرة بعد تسلمه منصبه، عقد الرئيس عبدالمجيد تبون اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن الجزائري نهاية كانون الأول/ديسمبر لدرس الأوضاع "على الحدود الجزائرية مع ليبيا".

وقرر المجلس الذي يتشكل من القيادات العسكرية والمدنية للبلاد "جملة من التدابير يتعين اتخاذها لحماية الحدود" خصوصا مع ليبيا التي تبلغ أكثر من 1000 كلم.

وأكد تبون أن "الجزائر أول وأكبر المعنيين باستقرار ليبيا، ولن نقبل أبدا بإبعاد بلادنا عن الحلول المقترحة للملف الليبي".

وكان وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم جدّد التأكيد على أن الجزائر ترفض أي وجود عسكري أجنبي في ليبيا داعيا إلى "حل بين الليبيين" وحدهم.

وقال بوقادوم إن الجزائر ستقوم بعددٍ كبيرٍ من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية، مضيفاً أن بلاده لا تقبل بوجود أي قوة أجنبية مهما كانت.

hg
الجزائر تجدد تمسكها برفض التدخل الأجنبي مهما كان نوعه في ليبيا

وتنتظر دول المنطقة موقف الجزائر من التدخل التركي في المنطقة باعتبارها أهم الدول المعنية بالحرب على أراضي جارتها التي تتقاسم معها حوالى نصف حدودها الشرقية، بعد أن تجاهلت السلطات الجزائرية كل الصراعات في المناطق المجاورة للبلاد سواء في منطقة الساحل، أو في ليبيا منذ مرض القائد الأعلى للقوات المسلحة سابقا عبدالعزيز بوتفليقة، حيث اقتصرت مهمة الدفاع على قيادة الأركان التي لا تحوز على صلاحية إعلان الحروب وتقرير استراتيجيات مصيرية للبلاد.

لكن ذلك لم يمنع الجزائر من عقد تحالفات تضمن مصالحها مثل الدعم اللوجستي الذي قدمته لسلاح الجو الفرنسي وحتى الأميركي في الحرب على الإرهاب التي يخوضها الطرفان في منطقة الساحل الصحراوي منذ العام 2012.

ويرى مراقبون إن الجزائر يهمها أيضا عدم المجازفة بدعم أردوغان الذي يريد نقل السيناريو السوري الذي تصدر مشهده المقاتلون الإسلاميون المتشددون إلى ليبيا، وهي تسعى حاليا لإعادة بحث الحل سياسيا بين الجانبين.

وأمس الأحد، أكد الرئيس التركي بأن بلاده سترسل "محاربين غير أتراك" إلى ليبيا مع بدء تنفيذ خطة التدخل التركي المباشر هناك، في إشارة إلى مقاتلي الفصائل السورية الذين تدعمهم أنقرة ووفرت لهم في الأسابيع القليلة الماضية رحلات سرية من مطار إسطنبول لنقلهم إلى طرابلس.

ومنذ سبتمبر الماضي، تبحث الأمم المتحدة عن حل للأزمة الليبية فتح المجال أمام حلّ سياسي للنزاع الذي يمزّق البلاد، عبر عقد مؤتمر دولي في برلين كان يفترض أن يعقد في يناير الجاري، لكن أردوغان تدخل على خط الأزمة حتى يتمكن من ترجيح كفة حليفه السراج على طاولة المفاوضات.

وفي خطوة تصعيدية أبرمت حكومة الوفاق في نوفمبر الماضي اتفاقيتين مع أنقرة واحدة تخص التنقيب عن الغاز الطبيعي في خطوة قال أردوغان إنها تهدف إلى الدفاع عن حقوق بلاده في المنطقة، والأخرى تنص على إمكان أن تقدم أنقرة مساعدة عسكرية لحكومة الوفاق في معركتها ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر.

ويعمل الرئيس التركي على تعزيز نفوذ بلاده شرق البحر المتوسط عبر دعم حكومة السراج وميليشيات إسلامية متطرفة تقاتل إلى جانبها لضمان بقائها في العاصمة طرابلس حتى يتمكن من ضمان حصوله على حصة من مشاريع التنقيب في الغاز شرق المتوسط.

ومنذ أيام حصل أردوغان على موافقة البرلمان التركي لإرسال قوات إلى ليبيا طبقا للاتفاق الذي جرى التوصل إليه بينه وبين السراج والذي لاقى رفضا إقليميا ودوليا.

وتضغط أنقرة حاليا على الجارتان الجنوبيتان لليبيا (الجزائر وتونس) للحصول على تأييد التدخل العسكري في ليبيا عبر تسهيل عمل قواتها هناك حتى يتمكن من إضعاف تفوق قوات الجيش الوطني الليبي.

وأثار إعلان أردوغان بدء نشر قوات ميدانية في ليبيا مخاوف دول عربية وأوروبية ودولية من خطر التمدد التركي في المنطقة.

واليوم الاثنين،  دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى حل سياسي في ليبيا، قائلا إنّ "الأحداث الأخيرة في ليبيا تشير إلى أنّ تصعيد العنف حول طرابلس يمكن أن يكون وشيكا".

وأضاف في وقت يتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا حول ليبيا الاثنين بطلب من روسيا، "اليوم أصبح العمل الحقيقي على حل سياسي للأزمة في ليبيا ملحا أكثر من أي وقت مضى".

وتابع أنّ "الاتحاد الأوروبي يدعو كل الأطراف إلى المضي في مسار سياسي برعاية الأمم المتحدة".

ومن المتوقع أن تثار خلال جلسة مجلس الأمن قضية تصاعد النزاع بين حكومة الوفاق في طرابلس وبين قوات الجيش الوطني الليبي.

وقال جوزيب بوريل إنّ الاتحاد الأوروبي "سيستمر في بذل كل الجهود لإيجاد حل سلمي وسياسي" في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط معمر القذافي في 2011.