برهم صالح.. لقد اخطأت التعبير

الرئيس العراقي يريد حكما رشيدا في كردستان وينسى البيئة التي صنعته.

في حديث له مع احدى المواقع الالكترونية، تطرق الرئيس العراقي برهم صالح الى قضايا كثيرة تخص الشأن العراقي والاقليمي والدولي، ومن بين ما تطرق اليه هو الوضع في كردستان.

وبطبيعة الحال لا يستطيع اي سياسي، صديق كان ام عدوا، انكار الواقع الذي تشهده كردستان والتقدم والتطور الذي شهدته وتشهده كردستان. فكان لا بد له وهو ابن كردستان (بشكل او باخر) ان يقر بهذا التطور والتقدم، لكنه استدرك قائلا ان شعب كردستان يعاني من عدم وجود ما اسماه بـ"الحكم الرشيد" في كردستان، واضاف ان ساسة كردستان ايضا يعترفون بهذه المعاناة.

بشكل عام فان النقد السياسي امر ايجابي وضروري ان كان موضوعيا، لتصحيح الاخطاء والانطلاق صوب فضاءات صحية ارحب. لكن ما لفت نظري في نقد السيد برهم انه استخدم مصطلحا جديدا على ثقافته الحزبية طالما تستخدمه احزاب الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، ويبدو انه اصيب بالعدوى من ساسة الاحزاب الاسلامية الشيعية في بغداد، باستخدام الكلمات "الكبيرة" والمصطلحات الأكبر التي تعتمد التعميم دون وضع النقاط على الحروف، يكاد المتلقي ولا حتى المتحدث يفهم القصد منها.

ان مصطلح الحكم الرشيد مصطلح فضفاض يشمل نواحي الحكم كله ابتداءً بشخص من يحكم مرورا بطريقة حكمه، وانتهاءً بالاداء السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي والثقافي.

ولم يشأ السيد برهم توضيح ما يعنيه بالحكم الرشيد واي جانب يعنيه، وبدلا من ذلك وضع الكلام على لسان ساسة الاقليم حينما ذكر بانهم يعترفون بانفسهم بوجود هذه المعاناة (هكذا بالعموم). دون ان يحدد بان السلبية الوحيدة الذي يعاني منه شعب كردستان وما يعترف بوجوده حتى ساسة الاقليم هو الفساد المالي في بعض المرافق الادارية، مع ان الفساد الموجود في كردستان هو في مستوياته الدنيا مقارنة بما هو موجود في دول الشرق الاوسط وحتى في العالم.

اما الجوانب الاخرى من الحكم في الاقليم فان كل شعب كردستان دون استثناء يقر بالسياسة الناجحة التي ينتهجها صناع القرار الكردستاني، والحكم الرشيد الذي ادار هذه السياسة في احلك الظروف واقساها، ولاي حتاج الموضوع للكثير من العناء والفطنة لاكتشاف الانجازات الباهرة التي حققها هذا الحكم الرشيد خلال هذه السنوات في ظروف ومحيط معقد من الناحية الجيوسياسية.

ان كان هناك ثمة عدم رشد في كردستان فهو موجود في البيئة السياسية الحزبية التي انطلق منها برهم وترعرع فيها، وهذا امر لا يمكن لاحد انكاره او نفيه بدليل. انه هو بنفسه قد خرج من هذه البيئة وشكل حزبا منفصلا قاده ولم تنجح كل محاولات ارجاعه الا عندما كان رجوعه ثمنا لتسلمه منصب رئاسة الجمهورية العراقية.

لا نريد هنا ان ننكأ الجراح الكردستانية من جديد لكن نقول: لو لم يكن الحكم في كردستان رشيدا لما تحمل صانع القرار الكردستاني الصبيانيات غير الراشدة في السادس عشرة من اكتوبر وبلع موس الخيانة كل ذلك لكي يحافظ على مكتسبات كردستان ولا يضيعها بسبب اجنحة سياسية غير راشدة، ولو لم يكن الحكم في كردستان رشيدا لما تأخرت تشكيلة الحكومة لغاية الان وبعد مرور ثمانية اشهر على الانتخابات الكردستانية، لعدم اثارة مشاكل داخلية من قبل اجنحة متهورة غير راشدة مستعدة للتضحية بمصير كردستان مقابل مصالحهم الشخصية، وهي ذات الاجنحة التي توكأ عليها السيد برهم لتسنم منصب رئاسة الجمهورية العراقية.

على كل، تلك مرحلة مضت، لها ما لها وعليها ما عليها. لكن لا يجدر بالسيد برهم ان ينتقد الحكم في كردستان وهو يدرك تماما انه استخدم مصطلحا خاطئا وفي توقيت خاطئ، فتصريحه هذا لا يصب في مصلحة احد، خاصة وان الحزبين الرئيسيين في كردستان يحاولان اليوم التوصل الى اتفاق سياسي لتشكيل حكومة نؤمن بانها ستكون رشيدة كما كانت دائما، هذا ان كان السيد برهم يعتبر نفسه بحق طالبا في مدرسة المرحوم الطالباني الذي لم يلجا في اي يوم لهكذا تصريحات حينما كان رئيسا لجمهورية العراق، الا اذا كان قد قرر ممارسة نفس الدور الذي كان يمارسه بعض البرلمانيين الكرد في الدورات السابقة لبرلمان بغداد، والذين كان كل همهم انتقاد حكومة كردستان بسبب او بدونه مع ان مهتمهم في بغداد كانت للدفاع عن حقوق الكردستانيين، هذا الدور الذي لا نامل من السيد برهم ان ينحدر اليه.