بريتوريا على أعتاب تغيير سياسي جذري مربك للجزائر وبوليساريو

النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في جنوب أفريقيا تشير إلى هزيمة متوقعة للحزب الحاكم، وسط توقعات بتغيير في موقف بريتوريا بشأن عديد الملفات من بينها ملف الصحراء المغربية.

بريتوريا - باتت هزيمة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في الانتخابات البرلمانية بجنوب أفريقيا شبه مؤكدة وفق النتائج الأولية التي أظهرت تراجعا واسع النطاق للحزب الذي تهاوت شعبيته بحسب آخر استطلاعات الرأي، فيما ينتظر أن تؤدي خسارته للأغلبية المطلقة إلى تغييرات جذرية خاصة في السياسة الخارجية لبريتوريا التي ظلت من الدول القلائل الداعمة لجبهة بوليساريو الانفصالية، ما أدى إلى تعكير علاقاتها مع الرباط.

وأظهرت النتائج الأولية بعد فرز نحو 52 في المئة من الأصوات حصول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم على 42.5 في المئة، ما يؤشر على أن الأمور تسير باتجاه تشكيل ائتلاف حكومي للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

وشكّلت جنوب أفريقيا الاستثناء في القارة بتأييدها للطروحات الانفصالية لبوليساريو وتوفير الدعم السياسي لقادتها رغم أن جميع الوقائع الميدانية أثبتت الطابع الإرهابي للجبهة الانفصالية وسعيها إلى إطالة أمد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في وقت تؤيد فيه أغلبية الدول الأفريقية سيادة المغرب على صحرائه.

وأثارت الزيارة التي أداها مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا في فبراير/شباط الماضي غضب المغرب الذي يعتبر أن بريتوريا تقحم نفسها في نزاع مفتعل ليس طرفا فيه.

وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريح حينها أن جنوب أفريقيا "فاعل هامشي في قضية الصحراء المغربية وستبقى كذلك"، مشددا على أنها "لا تملك التأثير والفاعلية لتغيير الحقيقة ولو كانت لها القدرة لتغيير الوضع لفعلت ذلك منذ عشرين سنة".

ويرى مراقبون أن بريتوريا خسرت شريكا دوليا موثوقا مهمّا بسبب سياساتها العدائية تجاه المغرب وتجسدت مؤخرا في مساعيها لقطع الطريق على فوز المملكة برئاسة مجلس حقوق الإنسان، لكن كافة محاولاتها باءت بالفشل بعد أن فاز المغرب بالمنصب بفارق عريض عن جنوب أفريقيا.

ويتوقع أن تفضي إزاحة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من الحكم إلى مراجعة لموقف بريتوريا بشأن ملف الصحراء المغربية، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، في وقت يعتبر فيه خبراء اقتصاديون أن جنوب أفريقيا خسرت فرصا استثمارية هامة في المغرب وفوّتت على نفسها فوائد التعاون مع الرباط في العديد من القطاعات.

ولطالما أبدت المعارضة في جنوب أفريقيا تحفظات كبيرة على سياسة الحزب الحاكم الداعم عموما للحركات الانفصالية وينظر لها على أنها حركات تحرر وفق عقيدته الحزبية من عهد الراحل نلسون منديلا.

ويرى مراقبون أن الوضع تغير في أفريقيا بعد مبادرة الأطلسي التي باتت تستقطب العديد من دول القارة باعتبارها تمثل فرصة تاريخية للتنمية والاستقرار، ما يقيم الدليل على أن مصلحة جنوب أفريقيا باتت أكبر مع المغرب منها مع الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو الانفصالية.

وبعد أن فقد زخمه، خسر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ولاء الناخبين الثابت لمدة ثلاثين عاما عقب إنهاء نظام الفصل العنصري.

وتوقعت استطلاعات الرأي تراجعا تاريخيا للحزب الحاكم في جنوب أفريقيا، فيما تراوحت نوايا التصويت له بين 40 و47 في المئة، أي أقل بكثير من نسبة 57 بالمئة التي فاز بها عام 2019.

وبالنسبة للعديد من سكان جنوب إفريقيا البالغ عددهم 62 مليون نسمة، فشل الحزب الذي وعد بتوفير التعليم والمياه والسكن للجميع في تحقيق هذه الوعود.

وبعد مرور ثلاثين عاما على انتخاب أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا في شخص نيلسون مانديلا، ما زال ثلث سكان البلاد عاطلين من العمل، بينما تستمر الجريمة في تحطيم الأرقام القياسية ويتزايد الفقر وعدم المساواة.

كما يطغى على الحياة اليومية انقطاع المياه والكهرباء. وأدى تزايد قضايا الفساد التي تورط فيها مسؤولون كبار إلى تقويض الثقة في الحزب.

وإذا تأكد تراجع نسبة أصوات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى أقل من 50 في المئة فسيتعين عليه تشكيل تحالفات وإجراء مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية.

وفي هذا السياق، عنونت صحيفة "بيزنس داي" المحلية صباح الخميس "جنوب إفريقيا على أعتاب تغيير سياسي"، بينما قالت "ذا سيتيزن" "لقد تكلم الشعب"، دون أن تتردد في مقارنة الطوابير الطويلة للناخبين الأربعاء بتلك التي شهدتها أول انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994.

ورغم خيبة الأمل المتزايدة، يُنتظر أن يظل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يشغل حاليا 230 مقعدا (57.5 في المئة)، الحزب الأكبر في البرلمان. لكن وفقا لخبراء، فإن الحزب القوي سيخرج من هذه الانتخابات ضعيفا.

بدوره تحدث زعيم التحالف الديموقراطي المعارض جون ستينهاوزن عن حقبة جديدة بعد ثلاثين عاما من الانتخابات كان "من المحسوم خلالها فوز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ولم نتساءل إلا عن النتيجة".