بزشكيان يتطلّع إلى فتح صفحة جديدة مع دول الجوار والغرب

الرئيس الإيراني الجديد يكشف عن الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، مشددا على ضرورة أن تعترف واشنطن بالواقع وأن تفهم مرة واحدة وإلى الأبد أنّ طهران لا ولن تستجيب للضغوط.

طهران - أكد الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان أن مسألة تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة من أبرز أولوياته، لافتا إلى استعداده للدخول في حوار مع الدول الأوروبية، في أحدث مؤشر على أن خليفة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي يعتزم فتح صفحة جديدة في السياسة الخارجية، ضمن مساعيه لكسر طوق العزلة الدولية التي تسببت في أزمات مالية واقتصادية وأدت إلى تنامي الاحتقان الاجتماعي.

وكان بزشكيان الذي فاز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية في السادس من يوليو/تموز على المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وعد خلال الحملة الانتخابية بإخراج إيران من عزلتها من خلال إقامة علاقات بناءة مع العالم ولا سيما مع أوروبا.

وقال في مقال عنونه بـ"رسالتي إلى العالم الجديد" ونشرته صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية إن "طهران ستركز على تعزيز علاقاتها مع جيرانها وستعمل على إرساء أسس منطقة قوية بدلا من منطقة تسعى فيها دولة واحدة لفرض هيمنتها وسيطرتها على الدول الأخرى.

وتابع "الدول المجاورة والشقيقة ينبغي ألا تهدر مواردها الثمينة في منافسات استنزافية أو سباقات تسلح، أو تقييد بعضها بعضاً بلا داع"، داعيا إلى أن يكون هدفها "خلق بيئة تمكّن الدول من تخصيص مواردها لتحقيق التقدم والتنمية في المنطقة لصالح الجميع".

وقال "سنبادر إلى التعاون مع تركيا والسعودية وسلطنة عُمان والعراق والبحرين وقطر والكويت والإمارات والمنظمات الإقليمية لتعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز العلاقات التجارية وزيادة الاستثمار المشترك والمضي قدماً نحو إنشاء إطار إقليمي للحوار وبناء الثقة والتنمية.

ويأمل العديد من الإيرانيين في أن يعالج الرئيس الجديد العديد من الملفات وأبرزها إيجاد حلول للعقوبات الأميركية التي يدفع مواطنو الجمهورية الإسلامية ثمنها في ظل تواصل تدهور مقدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع مستمر في نسبة التضحم فاقمه انهيار العملة.

وفي المقابل يرى مراقبون للشأن الإيراني أن قدرة بزشكيان على التغيير تظلّ محدودة في وقت يمسك فيه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بزمام الحكم باعتباره صاحب الكلمة الفصل في رسم السياسات.

وأبدى بزشكيان استعداده للدخول في حوار بناء مع الدول الأوروبية على الرغم من تراجعها عن التزاماتها لتخفيف تأثير العقوبات الأميركية.

من جهة أخرى، انتقد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي في 2018 من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي أتاح رفع عقوبات اقتصادية عنها في مقابل تقييد أنشطتها النووية.

وكتب بزشكيان في الرسالة أن" الدول الأوروبية التزمت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق المبرم عام 2015، بمحاولة إنقاذه وتخفيف تأثير العقوبات الأميركية"، مشيرا إلى أنها "تراجعت عن تلك الالتزامات".

وأضاف "على الرغم من هذه الخطوات الخاطئة التي اتخذتها الدول الأوروبية، أتطلّع إلى الدخول في حوار مع دول أوروبا بهدف وضع العلاقات على المسار الصحيح استنادًا إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة".

وكانت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي قد هنّأت بزشكيان على انتخابه، مشيرة إلى أن التكتل الذي يضم 27 دولة "مستعدّ للتعامل مع الحكومة الجديدة بما يتماشى مع سياسة الاتحاد الأوروبي".

ويؤدي بزشكيان اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى في 30 يوليو/تموز لولاية من أربع سنوات، خلفًا لإبراهيم رئيسي الذي قُتل في تحطم مروحيّته في 19 مايو/أيار ما استدعى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وعرض بزشكيان في الرسالة الخطوط العريضة لسياسته الخارجية وشدد على "ضرورة أن تعترف واشنطن بالواقع وأن تفهم مرةً واحدةً وإلى الأبد أنّ إيران لا ولن تستجيب للضغوط".

ورأى أطراف اتفاق 2015 مع إيران أنه أفضل طريقة لمنع الجمهورية الإسلامية من بناء قنبلة نووية وهو ما تنفي طهران سعيها للوصول إليه.

وكانت فرنسا وألمانيا عضوا الاتحاد الأوروبي طرفَين في الاتفاق، إلى جانب بريطانيا والصين وروسيا وحاولت الدول الأوروبية إنقاذ الاتفاق لكن إيران اتهمتها بالتقاعس.

وفي عهد رئيسي، سعت إيران إلى تحسين علاقاتها مع الصين وروسيا وترميم علاقاتها مع جيرانها العرب على رأسهم السعودية، لتجنّب تعميق عزلتها.

ووصف بزشكيان روسيا بأنها "حليف إستراتيجي وجار مهم لإيران"، مبديًا كذلك استعداده "للتعاون على نطاق أوسع" مع الصين.

وحظيت الانتخابات الرئاسية الإيرانية بمتابعة دقيقة في الخارج، باعتبار أن إيران، القوّة الوازنة في الشرق الأوسط، في قلب كثير من الأزمات الجيوسياسيّة، من الحرب في غزة إلى الملفّ النووي الذي يُشكّل منذ سنوات مصدر خلاف بين الجمهوريّة الإسلاميّة والغرب ولا سيما الولايات المتحدة.