بزشكيان يتعرض لانتقادات المحافظين بعد تأييده استئناف الحوار مع واشنطن
طهران - يتعرض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي ينتمي إلى التيار الإصلاحي، لموجة انتقادات غير مسبوقة من قبل التيار المحافظ في الداخل وهو ما أوضحته عدد من الصحف، وذلك بعد تصريحه الواضح بتأييد استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة كانت شريكة لإسرائيل في الهجمات الجوية التي استهدفت مواقع نووية وعسكرية إيرانية في يونيو/حزيران الماضي.
وجاءت هذه التصريحات خلال مقابلة تلفزيونية مع المذيع الأميركي المحافظ تاكر كارلسون، المقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي أثارت جدلاً واسعًا في الداخل الإيراني. وقال بزشكيان في المقابلة "لا مشكلة في استئناف الحوار مع واشنطن، إذا كان ذلك يصب في مصلحة الشعب الإيراني ويرفع عنه العقوبات".
وقد ردّت الصحف المحافظة بهجوم حاد على الرئيس الإيراني، معتبرة أن خطابه يمثل تراجعًا عن المواقف المبدئية لإيران في مواجهة "العدوان الغربي". وكتبت صحيفة "كيهان"، المحسوبة على التيار المتشدد والتي يرأس تحريرها شخصية مقرّبة من المرشد الأعلى علي خامنئي "هل من المنطقي أن نعود إلى طاولة المفاوضات مع من قصف منشآتنا النووية وسفك دماء شعبنا؟ هل هذه هي الدبلوماسية؟".
هل من المنطقي أن نعود إلى طاولة المفاوضات مع من قصف منشآتنا النووية
فيما اعتبرت صحيفة "جوان" أن بزشكيان قدّم "رسائل ضعف" في توقيت حساس، واصفة تصريحه بأنه "ليّن أكثر مما ينبغي" في وقت يستوجب الحزم، بحسب وصفها.
وتأتي هذه الانتقادات بعد أسابيع فقط من الغارات الإسرائيلية والأميركية المشتركة التي استهدفت مواقع نووية حساسة في إيران، من بينها منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، ما ألحق بها أضرارًا لا تزال طهران تتكتم على حجمها الحقيقي.
ووفق التلفزيون الرسمي الإيراني، فإن الحرب التي بدأت في 13 يونيو/حزيران أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1060 شخصًا، معظمهم من العسكريين والعلماء العاملين في المشاريع الدفاعية والنووية، خلال 12 يومًا من التصعيد العنيف، والذي توقّف بوساطة دولية بعد إعلان واشنطن وقفًا لإطلاق النار في 24 من الشهر نفسه.
ومع هذا السياق الدموي، يرى خصوم الرئيس الاصلاحي أن مجرد الحديث عن مفاوضات مع الأميركيين يُعد "تنازلًا غير مبرر"، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان داخل أروقة السلطة الإيرانية.
ورغم هذه الانتقادات الداخلية، فإن بزشكيان لا يواجه ضغوطًا من المحافظين فقط، بل أيضًا من القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي صرّحت عبر مسؤولين بارزين أنها "لن تتردد في فرض مزيد من الإجراءات العقابية" إذا استمرت طهران في رفض العودة إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي.
وتعتبر واشنطن أن انفتاح الرئيس الايراني على الحوار يشكّل "نافذة دبلوماسية يجب اغتنامها"، لكن هذه النافذة قد تُغلق بسرعة إذا لم تقابلها خطوات عملية من طهران، مثل تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية، والسماح بتفتيش منشآتها النووية.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن الرئيس الإيراني يحاول الموازنة بين ضغوط الخارج ومسؤوليات الداخل، وسط تحديات غير مسبوقة منذ سنوات، إذ يخوض معركة متعددة الجبهات: اقتصادية، أمنية، ودبلوماسية.
في مقابل الحملة التي تقودها الصحف المحافظة، وجدت تصريحات بزشكيان دعمًا في الصحافة الإصلاحية، خصوصًا صحيفة "هام ميهان"، التي اعتبرت أن المقابلة مع الإعلام الأميركي كانت "ضرورية ومتأخرة".
وكتبت الصحيفة: "كان ينبغي على القادة الإيرانيين أن يخاطبوا الرأي العام الأميركي والدولي منذ زمن بعيد. الصمت الطويل لا يخدم مصالح إيران، بل يفتح المجال للخصوم لرواية المشهد وحدهم."
وتضع هذه التطورات الرئيس الإيراني في موقف صعب، فبينما يسعى إلى استثمار ما تبقى من فرص لفتح باب الحوار مع الغرب، يجد نفسه محاصرًا من قبل التيار المحافظ الذي يطالب بموقف أكثر تشددًا، ويرى في التصعيد خيارًا استراتيجيًا لا تكتيكًا مؤقتًا.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه التهديدات الاقتصادية وتتصاعد وتيرة العقوبات، يبدو أن بزشكيان يراهن على الدبلوماسية لإنقاذ اقتصاد منهك وشعب مثقل بالعقوبات، في وقت يرى خصومه أن هذا الخيار أشبه بالاستسلام.
وبين ضغوط الداخل وتهديدات الخارج، تبقى خيارات الرئيس الإيراني محدودة، في ظل تصاعد خطاب التشدد، ومؤشرات على أن الملف النووي سيكون محورًا لصراع داخلي جديد يُضاف إلى تعقيدات المشهد الإقليمي المتفجر أصلًا.