بغداد تعاقب ضباطاً شاركوا في نشاط مناهض لأميركا خلال عاشوراء
بغداد - أصدرت وزارة الداخلية العراقية أوامر بنقل عدد من الضباط إلى مواقع حدودية كإجراء عقابي، بعد مشاركتهم في فعالية شهدت دوس العلمين الأميركي والإسرائيلي، في قضاء طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، خلال مراسم عاشوراء حيث اعتبر القرار محاولة لاحتواء غضب واشنطن التي دعت مرارا لاحتواء النفوذ الإيراني داخل المؤسسات الرسمية العراقية.
وبحسب مصادر أمنية مطلعة، فإن العقوبات شملت ضابطًا برتبة عميد واثنين برتبة عقيد، بعد ظهورهم وهم يرتدون الزي الرسمي أثناء سيرهم فوق العلمين المرسومين على الأرض، في فعالية جماهيرية تحمل طابعًا سياسيًا واضحًا. وأوضحت المصادر أن وزير الداخلية عبدالأمير الشمري أمر بتنفيذ العقوبات فورًا، في خطوة تهدف إلى "الحفاظ على حياد الأجهزة الأمنية وإبعادها عن أي سلوك ذي طبيعة سياسية أو دبلوماسية قد ينعكس سلبًا على علاقات العراق الخارجية".
ورغم الطابع الانضباطي الظاهري للعقوبات، إلا أن الحادثة أعادت تسليط الضوء على حجم تغلغل الميليشيات والفصائل المسلحة المدعومة من إيران داخل مؤسسات الدولة العراقية، لا سيما في الأجهزة الأمنية والعسكرية. فمشاركة ضباط أمن في فعالية ذات بعد دعائي واضح، لطالما تبنّته فصائل موالية لطهران، تمثل تجسيدًا عمليًا لما يعتبره مراقبون "اختراقًا بنيويًا" للمنظومة الرسمية من قبل قوى ذات ولاءات عابرة للحدود.
فعملية دوس العلمين الأميركي والإسرائيلي ليست مجرد تصرف رمزي أو ارتجالي، بل تأتي في سياق حملات تعبئة أيديولوجية مستمرة، دأبت الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران على ترويجها منذ سنوات، سواء في المناسبات الدينية أو السياسية، كنوع من التأكيد على موقفها المناهض لواشنطن وتل أبيب، ومحاولة التأثير في الرأي العام المحلي.
وتحرّك وزارة الداخلية لمعاقبة الضباط المشاركين لم يكن بمعزل عن الضغوط الدبلوماسية المتزايدة، خصوصًا مع تعالي أصوات من واشنطن وعواصم غربية أخرى تطالب الحكومة العراقية بكبح النفوذ الإيراني المتزايد في مؤسساتها الرسمية، والحرص على الالتزام بالحياد في ملفات الأمن والسياسة الخارجية.
وقد علّقت شخصيات أميركية بارزة على الحادثة، من بينها أعضاء في الكونغرس ومراكز أبحاث قريبة من دوائر القرار، معتبرة أن مشاركة ضباط أمن عراقيين في هكذا أنشطة "تُضعف ثقة الولايات المتحدة بالحكومة العراقية، وتشير إلى فشل بغداد في ضبط مؤسساتها الأمنية". وقد دعت تلك الأصوات إلى مراجعة العلاقة العسكرية والأمنية مع العراق إذا استمرت هذه الخروقات دون رد حازم.
الحادثة، برأي محللين عراقيين، تكشف أزمة "ازدواجية الولاء" داخل أجهزة الدولة، حيث تُستخدم الرموز والمؤسسات الرسمية أحيانًا لخدمة أجندات سياسية أو أيديولوجية لا تتماشى بالضرورة مع التزامات العراق الدولية أو مصالحه الاستراتيجية. ويشير هؤلاء إلى أن فاعلية الدولة تقوّضها مثل هذه السلوكيات، خصوصًا في سياق إقليمي معقّد، تُتهم فيه بغداد مرارًا بأنها تحولت إلى ساحة لصراعات الوكالة بين إيران والولايات المتحدة.
ويضيف هؤلاء أن استمرار تجاهل هذه الظواهر سيؤدي إلى تآكل الثقة المحلية والدولية بمهنية الأجهزة الأمنية، ويعزّز حالة الانقسام داخل المؤسسات، بين من يلتزم بالولاء للدولة والدستور، ومن ينصاع لتوجيهات خارجية تحت مظلة "محور المقاومة".
المشهد الذي التقطته عدسات الهواتف في طوزخورماتو، وظهر فيه ضباط بزيهم الرسمي يسيرون على العلمين الأميركي والإسرائيلي، لم يكن منعزلاً عن ما تعتبره فصائل مسلحة "أدوات تعبئة معنوية" في مناسبات دينية كعاشوراء. غير أن مشاركة شخصيات أمنية رسمية فيه تمثل تجاوزًا صريحًا للضوابط المهنية، وتخالف التعليمات المركزية التي تحظر على منتسبي الأجهزة الأمنية الانخراط في فعاليات ذات طابع سياسي أو خارجي، لتجنّب الإحراج الدبلوماسي أو التوتر في علاقات العراق الدولية.
ومن خلال الإجراءات العقابية، تحاول وزارة الداخلية امتصاص الغضب الأميركي والغربي، لا سيما في ظل حساسية المرحلة التي تمر بها العلاقة بين بغداد وواشنطن، مع استمرار الوجود الأميركي المحدود في العراق، والجدل حول مستقبل هذا الوجود في ظل ضغط سياسي داخلي متباين.
ويبدو أن الحكومة العراقية، رغم سعيها لتوازن العلاقات مع كل الأطراف، تجد نفسها محاصرة بين المطالب الغربية بتطهير مؤسسات الدولة من النفوذ الخارجي، وضغوط القوى السياسية الشيعية المتحالفة مع طهران، التي ترى في أي تقارب مع واشنطن تهديدًا لاستقلال القرار العراقي.
وبين تحرك داخلي لمعاقبة المخالفين، وتوتر خارجي متصاعد، تظهر حادثة دوس العلم الأميركي والإسرائيلي من قبل ضباط أمن عراقيين كمؤشر دقيق على اختلال التوازن داخل مؤسسات الدولة. إنها ليست مجرد واقعة رمزية، بل حلقة أخرى في سلسلة طويلة من مظاهر النفوذ الإيراني المتغلغل، الذي يربك حسابات الحكومة العراقية في سعيها لبناء دولة ذات سيادة ومؤسسات موحدة.