بغداد ودمشق تتفقان على دعم التعاون الأمني وسط جهود لتعزيز التقارب

زيارة حميد الشطري لمرقد السيدة زينب بعد اجراء مباحثات مع الشرع رسالة للداخل العراقي وللسلطات في دمشق أن بغداد مصرة على حماية المراقد الشيعية والدفاع عن أبناء الطائفة.
اتفاق على تشغيل منفذ التنف-الوليد وتشجيع الاستثمارات في قطاعات النفط والحبوب
العراق يقدم شحنة قمح مجانية لسوريا كهدية بهدف تعزيز التقارب

دمشق - بحث رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري، مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في دمشق الجمعة، عدداً من الملفات المهمة، على رأسها التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في سوريا والمنطقة، إلى جانب ملفات اقتصادية وتجارية، أبرزها تشغيل منفذ التنف-الوليد، وتشجيع الاستثمارات المشتركة في قطاعات النفط والحبوب وفق ما نشرته وكالة الانباء الرسمية السورية "سانا".

وتكتسب هذه الزيارة بعداً خاصاً، ليس فقط في إطار تقارب العلاقات الثنائية بين بغداد ودمشق، بل أيضاً بوصفها رسالة موجهة إلى الداخل العراقي، وتحديداً إلى القوى الشيعية، تؤكد تمسك الحكومة العراقية بالتزاماتها تجاه حماية المراقد الشيعية والدفاع عنها، في ظل ما تحمله سوريا من رمزية دينية كبيرة، تجلت في زيارة الشطري لمرقد السيدة زينب (عليها السلام)، خاصة بعد لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني برئيس الطائفة الشيعية السورية عبد الله النظام.
وخلال اللقاء الذي عُقد في قصر الشعب بدمشق، شدد الطرفان على أهمية التعاون الأمني لمواجهة التحديات المشتركة، خصوصاً في ما يتعلق بتنظيم "داعش" والخلايا النائمة المنتشرة في مناطق الحدود. كما أكد الجانبان على ضرورة تفعيل التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات في ما يخص حركة الجماعات المسلحة وتهريب الأسلحة.
وفي الشق الاقتصادي، ناقش الوفدان آليات تعزيز الشراكة التجارية، من خلال عقد صفقات في مجالات النفط والقمح، وتشكيل لجان فنية مشتركة لمتابعة تنفيذ هذه الاتفاقات. وتم الاتفاق على الإسراع في تشغيل منفذ التنف-الوليد الحدودي، لما له من أهمية استراتيجية في تسهيل حركة البضائع والربط الاقتصادي بين البلدين.
ونقل رئيس الوفد العراقي رسالة رسمية من السوداني إلى الشرع، تتضمن دعوة لحضور القمة العربية المزمع عقدها في بغداد في السابع عشر من الشهر القادم. وتعد هذه الدعوة مؤشراً على رغبة العراق في إعادة دمج سوريا في الفضاء العربي الرسمي، بعد سنوات من العزلة، كما تمثل أيضاً اعترافاً بدور دمشق في التوازن الإقليمي.
وفي بُعد رمزي يعكس التزام بغداد المستمر بحماية المراقد الشيعية، قام حميد الشطري بزيارة مرقد السيدة زينب (عليها السلام) في ريف دمشق، وأدى الصلاة في داخله. وقد اعتُبرت هذه الزيارة رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى القوى الشيعية في العراق، مفادها أن الحكومة متمسكة بثوابتها الدينية، وأنها لن تتخلى عن دورها في حماية الحواضر الدينية الشيعية، أينما كانت. وتأتي هذه الخطوة في سياق متكامل مع لقاء السوداني برئيس الطائفة الشيعية السورية، ما يكرّس البُعد العقائدي لهذه التحركات، ويعزز من روابط التضامن الشيعي الإقليمي.

وفي لفتة إنسانية هدفت لتعزيز التقارب أطلق العراق حملة لتقديم 220 ألف طن من القمح إلى الشعب السوري كهدية. وقد تم الإعلان عن هذه الخطوة من قبل القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق، ياسين شريف الحجيمي، الذي أوضح أن التوجيه جاء مباشرة من رئيس الوزراء السوداني، ضمن مبادرة حملت اسم "هدية الشعب العراقي إلى الأشقاء في سوريا". وستُشحن الكميات عبر وزارة النقل العراقية وشركة تجارة الحبوب، لتصل إلى الجانب السوري خلال الأيام المقبلة.
وقد عبّرت المؤسسة العامة للحبوب في سوريا عن امتنانها لهذه المبادرة، واصفة إياها بأنها تعكس "عمق العلاقات الأخوية والتاريخية" بين الشعبين. وقال مديرها العام، المهندس حسن عثمان، إن هذه المساعدة تأتي في وقت حساس تمر فيه سوريا بأزمة غذائية واقتصادية خانقة، وتدل على أن العراق لم يتخلَّ عن مسؤولياته تجاه أشقائه.
ورغم أهمية هذه الزيارة، فإنها لم تخلُ من الانتقادات داخل الأوساط السياسية العراقية، لا سيما من أطراف في الإطار التنسيقي التي عبّرت عن تحفظها على توقيت الانفتاح على النظام السوري. إذ يرى بعض المعارضين أن هذا التحرك قد يضع العراق في موضع إقليمي حرج، وسط استمرار العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، ووجود حساسيات داخلية بشأن أولويات السياسة الخارجية العراقية.
مع ذلك، يبدو أن السوداني يسير في اتجاه تعزيز الانفتاح المتدرج مع سوريا، باعتباره جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة التوازن في العلاقات الإقليمية، وتحقيق تقارب أمني واقتصادي يخدم مصالح العراق، دون التخلي عن هويته المذهبية أو مصالحه السيادية.
ويمكن القول إن زيارة الشطري إلى دمشق ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل تمثل محطة أساسية في مسار إعادة بناء العلاقات العراقية-السورية على أسس جديدة، تقوم على المصالح المشتركة والتكامل الأمني والديني والاقتصادي.