بماذا قايضت قطر وتركيا تحرير إيطالية اختطفها إرهابيون في الصومال

أحزاب ونشطاء ووسائل إعلام في إيطاليا يطالبون الحكومة بالكشف عن تفاصيل دور الاستخبارات التركية في تحرير عاملة الإغاثة الإيطالية سيلفيا رومانو، من قبضة حركة الشباب الصومالية الإرهابية.
الرهينة الإيطالية اعلنت اعتناقها الإسلام وتغيير اسمها عائشة
قطر دأبت على استخدام دبلوماسية الرهائن للتدخل في ملفات إقليمية
تركيا تؤكد تدخلها للمساعدة في تحرير الرهينة بطلب من روما
مراسل سابق لقناة الجزيرة القطرية كان حلقة الوصل مع حركة الشباب

روما - أثارت متطوعة إيطالية كانت تحتجزها حركة الشباب الصومالية المتشددة جدلا واسعا في إيطاليا إثر عودتها إلى روما الأحد الماضي، حيث طالب سياسيون ونشطاء من الحكومة الإيطالية توضيح الدور الذي لعبته قطر وتركيا في تحرير الرهينة مقابل فدية للحركة الإرهابية.

وشنت وسائل إعلام ونشطاء في إيطاليا هذا الأسبوع هجوما لاذعا على الحكومة مطالبين بكشف خفايا الاتفاق مع الثنائي التركي القطري لإطلاق سراح سيلفيا كونستانزو رومانو خصوصا بعد ظهور الأخيرة محجبة وإعلانها اعتناق الإسلام فور وصولها مطار روما الأحد الماضي.

واستقبل رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي المتطوعة الإيطالية التي اختطفت في أواخر العام 2018 من دار للأيتام في كينيا، في مطار روما الأحد، وأثارت عملية تحريرها من حركة الشباب الصومالية جدلا كبيرا في البلاد بعد أن تدخلت المخابرات التركية وقطر والمساعدة في اطلاق سراحها مقابل دفع فدية للإرهابيين.

وكتب كونتي على حسابه في تويتر السبت "تم تحرير سيلفيا رومانو!". وتابع "أود أن أشكر النساء والرجال في أجهزة الاستخبارات الخارجية. سيلفيا نتطلع إلى رؤيتك في إيطاليا!".

وكانت سيلفيا رومانو تبلغ 23 عاما وتعمل كمتطوعة في دار للأيتام في قرية تشاكاما في جنوب شرق كينيا عندما خطفها مسلحون في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

وتقع شاكاما على بعد حوالى 60 كيلومترا من بلدة ماليندي الساحلية، التي تحظى بشعبية لدى السياح الإيطاليين والسكان الأجانب. وأثناء الهجوم أطلق المهاجمون النار وجرحوا خمسة أشخاص في دار للأيتام بينهم ثلاثة أطفال.

ويعتبر خطف الأجانب نادرا نسبيا في كينيا، ولكن كان له تأثير ضار على قطاع السياحة الأساسي لاقتصاد البلاد، التي شهدت موجة من عمليات الاختطاف على الساحل في عام 2011 تضمنت مقتل رجل بريطاني وخطف زوجته من منتجع في جزيرة، بعدها بأسابيع اختطفت امرأة فرنسية من منزلها في أرخبيل لامو.

بعد ذلك بوقت قصير، اختطف مسلحون من حركة الشباب اثنين من عمال الإغاثة الإسبان من مخيم داداب للاجئين بالقرب من الحدود الصومالية في حالة الاختطاف الوحيدة المؤكدة داخل كينيا من قبل الجهاديين.

وفي نيسان/أبريل 2019، تم اختطاف طبيبين كوبيين في شمال شرق كينيا وتم نقلهما إلى الصومال قبل طلب 1.5 مليون دولار للإفراج عنهما.

وقالت مصادر بالشرطة الكينية إن عملية الخطف تحمل بصمات حركة الشباب وهي جماعة جهادية مسلحة تشن تمردا ضد الحكومة الصومالية المدعومة من الخارج منذ أكثر من عقد.

ولم تكشف السلطات الإيطالية تفاصيل حول إطلاق سراح رومانو أو هوية أو دوافع خاطفيها، حيث اكتفى وزير الخارجية لويجي دي مايو بقول إن "الدولة لا تتخلى عن أحد".

لكن وسائل الإعلام الإيطالية كشفت الدور الذي لعبته أنقرة والدوحة في التسوية بين الحركة الإرهابية في الصومال والحكومة الإيطالية، وقالت  صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية إن تركيا وقطر كانتا حلقة الوصل بين السلطات الإيطالية والجماعة المسلحة التي تنتمي لتنظيم القاعدة حتى تطلق سراحها مقابل فدية.

وأضافت الصحيفة في مقال تحت عنوان "سيلفيا رومانو، مقاطع الفيديو الثلاثة لرفع السعر. اللعبة تنتهي في قطر"، أنه خلال تحقيق المدعي العام الإيطالي معها قالت روماني إن حركة الشباب أجبرتها على تصوير ثلاث مقاطع فيديو حتى يتمكنوا من فتح قنوات تواصل مع الجانب الإيطالي ومقايضته وكان كل مقطع مصور هدفه رفع الثمن أكثر.

ال
عاملية الإغاثة الإيطالية كانت تساعد دار أيتام في قرية تشاكاما قرب سواحل كينيا

وأوضحت أن رومانو كتبت مذكراتها عندما كانت مختطفة لكن تمت مصادرة كل ما كتبت منها قبل العودة إلى إيطاليا مشيرة إلى أن الأخبار تقول أيضا إنها أجبرت على الزواج من أحد السجّانين واعتناق الإسلام وربما تكون حاملا.

وكشفت الصحيفة أن المخابرات الإيطالية بقيادة الجنرال لوتشيانو كارتا كانت تتعاون مع السلطات الصومالية لمساعدتها في تحرير الرهينة، مشيرة إلى الدور "الهام" الذي لعبته المخابرات التركية في ذلك خصوصا أن تركيا "لديها تأثيرات قوية جدًا في تلك المنطقة وتعرف جيدا نشاط المجموعات الجهادية المسلحة والطرق المناسبة للتواصل معها".

وانتقدت روماني الحكومة الإيطالية في عملية اختطافها قائلة "إدارة الحكومة غير مسئولة، فبمجرد وصولي إلى إيطاليا كان أمر دفع الفدية هو الذي يسيطر على التفكير، فأصبحت فكرة اختطاف إيطالي صفقة جيدة لأن إيطاليا ستدفع في النهاية، وهذا يعرض الآلاف من الإيطاليين للخطر في جميع أنحاء العالم".

وتعرضت عاملة الإغاثة الإيطالية بدورها لانتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي وصفت بالعنصرية حتى أن بعض النواب في البرلمان الإيطاني نعتوها بـ"الإرهابية الجديدة" وذلك بسبب اعتناقها الإسلام وتحدثها لوسائل الإعلام عن "المعاملة الإنسانية" التي تلقتها من خاطفيها.

من جهته طالب حزب "أخوة إيطاليا" اليميني الحكومة الإيطالية بالكشف عن تفاصيل دور تركيا في تحرير عاملة الإغاثة الإيطالية من قبضة حركة الشباب الصومالية الإرهابية.

ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالحزب كارلو فيدانزا رئيس الوزراء جوزيبي كونتي إلى الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بدور الاستخبارات التركية في العملية الغامضة، مشيرا إلى أن إيطاليا أجبرت على دفع فدية مالية كبيرة لحركة الشباب والاعتماد على الوساطة التركية.

وأكدت وكالة الأناضول الرسمية دور الاستخبارات التركية في "تحرير المواطنة الإيطالية المختطفة في كينيا منذ 2018، قبل نقلها لاحقا إلى الصومال".
ونقلت الأناضول عن مصادر أمنية تركية لم تسمها أن "جهاز الاستخبارات نجح بالتعاون مع نظيريه في إيطاليا والصومال بتحرير سيلفيا كونستانزو رومانو" وذلك بعد أن "طلبت روما من أنقرة المساعدة في العثور على المختطفة وتحريرها".
وأضافت أن "الاستخبارات التركية تمكنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي من تحديد مكان المواطنة الإيطالية، والتأكد من سلامتها ثم حررتها فيما بعد خلال عملية أمنية قادتها بالتعاون مع نظيرتيها الإيطالية والصومالية، ليل الجمعة/السبت".
وأوضحت الأناضول أن "البعثة الدبلوماسية الإيطالية تسلمت مواطنتها المحررة من الاستخبارات التركية بالعاصمة مقديشو السبت" لكنها أشارت إلى أن مصادرها "لم تذكر عن معلومات عن الجهة المختطفة ".
وتحولت رومانو إلى قضية رأي عام في إيطاليا بعد أن ظهرت عند عودتها وهي تلبس الحجاب معلنه اعتناقها "الإسلام" وتغيير اسمها إلى "عائشة" ما دفع نشطاء وسياسيون ووسائل الإعلام إلى اعتبار ذلك تمجيدا للمجموعة الإرهابية التي اختطفتها باعتبارها جماعات مسلحة لا علاقة لها بالإسلام الذي تتحدث عنه.

ولقطر وتركيا علاقات مشبوهة ووثيقة بالجماعات الإرهابية في الصومال، حيث يسعى البلدان الحليفان لتعزيز نفوذهما العسكري في منطقة القرن الإفريقي وهو ما يفسر عودة حركة الشباب المحسوبة على تنظيم القاعدة بقوة على الساحة في الصومال في الفترة الأخيرة، حيث استعادت نفوذها واستأنفت عملياتها الإرهابية واحتفظت بوجود قوي لها في وسط وجنوب البلاد بعد أن حصلت على الدعم الخارجي لقلب التوازنات الإقليمية.

ومع ظهور فرع تنظيم داعش في الصومال بعد مقتل زعيمه أبوبك البغدادي العام الماضي في سوريا ومبايعته له تسارعت وتيرة المحاولات لتحويل المنطقة إلى بؤرة جذب أساسية للكثير من العناصر المتشددة الهاربة من سوريا والعراق وليبيا.

وتمتلك تركيا أكبر قاعدةٍ عسكريةٍ خارجية في الصومال تقع جنوب العاصمة مقديشو، مطلةً على المحيط الهندي، وتسوق أنقرة إلى أن الهدف الرئيسي من القاعدة الكبيرة هو "إنشاء جيش صومالي قوي قادر على مواجهة حركة الشباب الإسلامية المتشددة وغيرها من الجماعات المسلحة، لكن تواجد الحليف القطري على الأراضي الصومالية يتناقض تمام مع ذلك حيث تتلقى تلك الجماعات تمويلاتهما من قطر.

وتسيطر قطر على مفاصل الجهاز الأمني في مقديشو بعدما نجحت في زرع موالين لها على رأسهم فهد ياسين مراسل الجزيرة السابق الذي أصبح رئيسا للاستخبارات ويدير كثير من الأجهزة الأمنية، بحكم المرسوم الرئاسي الذي صدر في 2018 بإلحاق جهاز الشرطة بالاستخبارات العامة.

وفتحت السلطات الكينية تحقيقا بعد تعيين ياسين على رأس الاستخبارات الصومالية لمعرفة كيفية حصوله على جواز سفر كيني بعد أن كشفت وسائل إعلام محلية وثائق خاصة به منها جواز سفره الكيني.

وحسب مصادر كثيرة فإن ياسين له دور محوري في تحرير الرهينة الإيطالية من حركة الشباب الجهادية، وهو نفس الدور الذي لعبه صحفيون آخرون في قناة الجزيرة القطرية لتحرير رهائن من دول غربية كانوا يغطون الحرب في سوريا تم اختطافهم في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة.
يذكر أن الاستخبارات الصومالية أبرمت في سبتمبر الماضي اتفاقية توأمة مع نظيرتها القطرية، عندما قام نائب رئيس جهاز المخابرات القطري عبدالله مبارك بزيارة إلى مقديشو، التقي خلالها فهد ياسين، واتفقا على التنسيق الكامل فيما يخص العمليات الاستخباراتية. وبعد أيام قليلة من الزيارة اعتقلت أجهزة الأمن عبدالرشيد حسن نور وزير الأمن في ولاية جوبالاند.

فهد ياسين (يمين) من مراسل الجزيرة في مقديشو لرئيس استخبارات الصومال
فهد ياسين (يمين) من مراسل الجزيرة في مقديشو لرئيس استخبارات الصومال

وتزايدت الاتهامات لكل من قطر وتركيا بتبني توجهات من شأنها مضاعفة جراح الصومال، حيث حولتا جزءا من أراضيه إلى ساحة لتصفية الحسابات، وبؤرة لتجميع العناصر الإرهابية وتوجيهها وفقا لبوصلة تلبي أطماعهما.

وتسائل موقع "تي جي كوم24" الإيطالي عن الثمن الذي ستتلقاه تركيا لمساعدتها في تحرير الرهينة الإيطالية من حركة الجهادية الصومالية، مشيرة إلى دعم إيطالي مرتقب ستقدمه روما لاستراتيجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا.

يذكر أن تركيا تدخلت عسكريا في ليبيا منذ يناير الماضي دعما لحكومة الوفاق والميليشيات التي تقاتل إلى جانبها حيث قدمت لها السلاح وأرسلت المرتزقة من الفصائل السورية المدعومة من أنقرة لصد هجوم الجيش الوطني الليبي في طرابلس.

وكانت الحكومة الإيطالية أبرز حلفاء حكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان والميليشيات في طرابلس وراهنت عليها روما لرعاية مصالحها في ليبيا، لكن تغير موازين القوى لصالح الجيش الوطني الليبي جعل الموقف الإيطالي من الحرب يبدو مرتبكا منذ بداية التدخل العسكري التركي فيها.

وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق في مقابلة مع جريدة “لا ريبوبليكا” الإيطالية الأسبوع الماضي إن “إيطاليا اتخذت خطوات خاطئة كثيرة خلال الـ24 شهرا الماضية”.

وتحدث نائب رئيس المجلس الرئاسي عن حرب العاصمة طرابلس، قائلا “في لحظة الحاجة اقتربت حكومات أخرى إلينا وساعدتنا”، في إشارة إلى الدعم التركي للميليشيات في طرابلس.

وتسعى تركيا من خلال وجودها العسكري في الصومال إلى أن تكون صاحبة الكلمة فيما يخص الممر المائي عبر البحر الأحمر والذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة وقد سهلت السيطرة القطرية على الموانئ الصومالية تلك المأمورية على الجانب التركي لتنفيذ مخططاتها لبسط نفوذها بسهولة فضلا عن استغلال ذلك للدخول في العمق الأفريقي.

نت
عين نقرة التي تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارجية في الصومال على الدعم الإيطالي في ليبيا

أما قطر حليفة تركيا ليس في الصومال فقط بل في ليبيا وسوريا وعديد المناطق التي تشهد صراعا مع الجماعات الإسلامية المتشددة أو الإرهابيين، فلها سجل حافل في مثل هذه الوساطات ومساومة التنظيمات الإرهابية لامتلاكها قنوات تواصل كثيرة معهم، حيث حطمت الدوحة رقما قياسيا في تمويل الإرهاب عبر دفعها أكبر فدية في التاريخ لإطلاق سراح 28 رهينة قطرية بينهم شيوخ من آل ثاني في ابريل 2017 بعد أن اختطفوا في صحراء العراق عندما كانوا في رحلة صيد جنوب العراق.

ودارت عملية التفاوض تلك مع كتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية، بشكل مباشر وبنفس طويل على مدار قرابة السنة ونصف السنة، حتى أثمرت الجهود التي تدخل على خطها قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي قتل في غارة أميركية في يناير الماضي ببغداد. وبلغت قيمة الصفقة القطرية مع الإرهابيين نحو 1.15 مليار دولار.

واستخدمت قطر علاقاتها بالمجموعات الإرهابية التي تمولها حيث كانت حلقة الوصل في صفقات مشبوهة عدة ارتبطت باختطاف رهائن، ثم الإفراج عنهم مقابل فدية مالية ضخمة، بشكل غير مبرر بما يشكل تمويلا للتنظيمات الإرهابية.

وكانت الدوحة تسعى من خلال "دبلوماسية الرهائن" التي انتهجتها في السنوات الأخيرة إلى التقرب من الدول وخاصة في الغرب بحثا عن دور في الملفات الإقليمية الهامة، في وقت كانت تفتح فيه إعلامها أمام تلك المجموعات المسلحة لإيصال صوتها إلى العالم من الفصائل الإسلامية المتشددة المدعومة من تركيا في سوريا أو المتمردين الحوثيين في اليمن إلى حركة طالبان التي فتحت لها مكتبا في الدوحة ورعت مؤخرا اتفاقا بينها وبين الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أفغانستان وصف بـ"التارخي".

وفي 2018 توسطت الدوحة لإطلاق سراح الصحفي الياباني سراح جومبي ياسودا كان محتجزا لدى جبهة النصرة في إدلب السورية بعد اختطافه منذ عام 2015 في إدلب.

وتسلط عملية تحرير الرهينة الإيطالية من أيدي حركة الشباب الصومالية الضوء مجدّدا على الصلات الواسعة لقطر وتركيا بالتنظيمات الإرهابية وامتلاكهما لقنوات تواصل كثيرة معهم، وقدرتهما على مفاوضتهم ومساومتهم حين يستدعي الأمر، وإبرام صفقات مالية ضخمة معهم متخطين بذلك الخطوط الحمراء لتمويل الإرهاب الذي طالما نفت الدوحة وأنقرة علاقتهما به.