بوتين يفتح بالإغراءات المالية منافذ للتوسع الروسي في إفريقيا

موسكو تؤكد بتنظيم قمة روسيا-افريقيا طموحاتها في قارة تراجعت فيها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي بينما تقدّم الصينيون والأوروبيون بفارق كبير.

بوتين يكشف طموحاته الافريقية في قمة غير مسبوقة في سوتشي
إفريقيا تعتبر سوقا واعدة بالنسبة للروس وفضاء جيوسياسيا حيويا
قمة روسيا-افريقيا تعتبر الأولى من نوعها وتمهد لعودة موسكو للقارة الافريقية
موسكو تزاحم أميركا والصين وأوروبا لترسيخ أقدامها في الفضاء الإفريقي
بوتين يتعهد بشطب ديون افريقية تقدر بـ20 مليار دولار  
روسيا تركز مبدئيا على زيادة مبيعات الأسلحة لإفريقيا

سوتشي (روسيا) - ترسم قمة روسيا - إفريقيا التي افتتحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأربعاء طموحات بوتين في القارة الإفريقية بعد غياب طويل عن سوق تعتبر واعدة اقتصاديا وتجاريا وأيضا فضاء جيوسياسيا مهما بالنسبة لخطط التوسع الروسي بعد أن عززت موسكو أقدامها في الشرق الأوسط منذ تدخلها عسكريا في سوريا في سبتمبر/أيلول دعما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقمة روسيا - إفريقيا التي تجري فعالياتها في سوتشي تعتبر الأولى من نوعها وتشير بكل وضوح إلى تحرك روسي لإيجاد موطئ قدم ثابت في هذا الفضاء الشاسع الذي يرقد على ثروات هائلة من النفط واليورانيوم والمعادن ويتمتع بموقع جغرافي حيوي شكّل لعقود ساحة تزاحم دولي بين العديد من القوى العالمية.

وتأتي القمة الروسية الإفريقية في إطار مسعى الكرملين للفوز بالمشاريع والأعمال واستعادة النفوذ الذي تلاشى منذ عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يدعم الحكومات والحركات اليسارية في أنحاء القارة خلال فترة الحرب الباردة.

وقال بوتين "كثير من الشركات الروسية تعمل منذ فترة طويلة وبنجاح مع شركاء من مختلف القطاعات في الاقتصاد الإفريقي وتعتزم توسيع نفوذها في إفريقيا. بالطبع سنقدم دعما على مستوى الدولة".

والجائزة المنتظرة هي زيادة النفوذ السياسي في قارة تضم 54 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، على رقعة من الأرض غنية بالثروات المعدنية وتشتمل على أسواق مربحة محتملة للأسلحة الروسية.

لكن روسيا بدأت من موقع متدن، فبالرغم من نجاحها الكبير في بيع الأسلحة إلى الدول الأفريقية، إلا أن موسكو تتخلف كثيرا عن المنافسين في التجارة مع إفريقيا.

وتقول موسكو إن حجم تجارتها مع الدول الأفريقية ارتفع إلى 20 مليار دولار العام الماضي لكن مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات) يقول إنها ليست ضمن أكبر خمسة شركاء من حيث تجارة البضائع والسلع مع القارة.

وتعهد بوتين اليوم الأربعاء في كلمته أمام عدد من المسؤولين الأفارقة بمضاعفة التبادل التجاري مع دول القارة في السنوات الخمس المقبلة.

وبعد لقاء استمر لنحو ساعة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أطلق الرئيس الروسي أعمال القمة في مدينة سوتشي، مشددا على إمكانات التنمية في القارة الإفريقية.

وأمام عشرات رؤساء الدول والحكومات، أكد أيضا أنّ روسيا بإمكانها "أن تضاعف على أقل تقدير" تبادلاتها الاقتصادية مع القارة في السنوات الخمس المقبلة، مشيدا بـ"الشركاء العديدين المحتملين الذين يتمتعون بآفاق تنمية جيدة جدا وإمكان نمو كبير".

وتؤكد موسكو بتنظيم قمة روسيا-افريقيا الأربعاء والخميس، طموحاتها في قارة تراجعت فيها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي بينما تقدّم الصينيون والأوروبيون بفارق كبير.

وبحضور 43 مسؤولا إفريقيا وثلاثة آلاف مشارك، ارتدت المدينة التي استضافت عام 2014 الألعاب الأولمبية، حلة افريقية لبضعة أيام.

وفي أروقة المبنى الذي يستضيف القمة، احتلت شركات الأسلحة مساحة واسعة، فيما يقوم رجال أعمال روس وأفارقة بالتلاعب بأحدث الأسلحة الأوتوماتيكية التي تعرضها 'روسوبورونكسبورت'، الوكالة الروسية المكلفة بتصدير الأسلحة.

وبخلاف الأسلحة، قلة من الشركات الروسية الأخرى كانت حاضرة. وكان العدد نحو 20 من دون وجود أي مجوعة طاقة تقريبا، على الرغم من أنّه قطاع حيوي للحضور الروسي في الخارج.

ويسلط الحضور القوي للوكالة الروسية المكلفة بتصدير الأسلحة على خلاف باقي كبرى الشركات الروسية على الاتجاه الروسي في هذه المرحلة بالتركيز على صادرات الأسلحة الروسية لإفريقيا، حيث تسعى موسكو لزيادة مبيعاتها وقد بدأت منذ فترة في عقد عدة صفقات وتتطلع لتوسيعها الى وجهات افريقية متعددة.  

بوتين يقدم وعودا مغرية لعدد من القادة الأفارقة
بوتين يقدم وعودا مغرية لعدد من القادة الأفارقة

وبين الدول الإفريقية، اقتصرت المنصات على كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجيبوتي التي كانت حاضرة عبر منصة لمينائها.

وتطمح القمة رغم ذلك إلى الرد على 'منتديات التعاون الصيني-الإفريقي' التي أتاحت لبكين التحوّل إلى الشريك الأول للقارة الإفريقية.

ويفترض أن يشهد يوما القمة نقاشات تراوح بين "التكنولوجيات النووية في خدمة تنمية إفريقيا" و"المعادن الإفريقية من أجل شعوب إفريقيا".

ووعد الرئيس الروسي خلال الجلسة الافتتاحية أيضا بأنّ تواصل روسيا دعم الدول الإفريقية عبر شطب ديونها، مؤكدا أنّ "المبلغ الإجمالي" يتخطى 20 مليار دولار.

ويشكّل شطب الديون نقطة رئيسية على صعيد سياسة روسيا في إفريقيا، التي غالبا ما ترهن برامجها مع الدول المعنية بعقود تسليح.

والتقى رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا نظيره الروسي ورحب بـ"العلاقة الرائعة التي تجمعنا منذ وقت طويل". ورأى في قمة سوتشي "فرصة لتعزيز علاقاتنا".

كما التقى فلاديمير بوتين رئيس وزراء اثيوبيا ابيي أحمد وهنأه بالفوز بجائزة نوبل للسلام. ومن المتوقع أن يلتقي أحمد بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هامش القمة الأربعاء، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين البلدين على خلفية سد النهضة الذي تقيمه اديس ابابا.

كما التقى بوتين رئيس إفريقيا الوسطى فوستين- ارشانج تواديرا الذي طلب من موسكو "أدوات فتاكة وعربات مصفحة لنقل الجنود"، كما طالب بتدخل روسيا لرفع حظر بيع الأسلحة عن بلاده.

وأرسلت روسيا قاذفتي قنابل نوويتين إلى جنوب أفريقيا في مهمة تدريب اليوم الأربعاء، في خطوة تتزامن فيما يبدو مع افتتاح بوتين لأول قمة روسية افريقية تهدف إلى تعزيز النفوذ الروسي.

واحدة من القاذفتين الروسيتين من طراز توبوليف تو-160 حطت في قاعدة عسكرية ببروتوريا
واحدة من القاذفتين الروسيتين من طراز توبوليف تو-160 حطت في قاعدة عسكرية ببروتوريا

وقالت قوة الدفاع الوطني لجنوب أفريقيا، إن القاذفتين الإستراتيجيتين من طراز توبوليف تو-160 هبطتا في قاعدة ووتركلوف الجوية في تشواني اليوم الأربعاء. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المهمة تهدف إلى تعزيز العلاقات العسكرية مع جنوب أفريقيا.

ومع إشارتها لهبوط القاذفتين أشادت قوة الدفاع الوطني لجنوب إفريقيا بما قالت إنها علاقات دبلوماسية متينة بين البلدين، مضيفة في بيان "علاقاتنا لم تُبن على سياسة النضال فقط بل على تعزيز الشراكات ذات المنفعة المتبادلة طبقا للمصالح المشتركة".

وتعهد مسؤولون أميركيون بمواجهة ما يعتبرونه نفوذا سياسيا واقتصاديا متناميا لموسكو في أفريقيا وكذلك الصين، التي كان لها حضور اقتصادي كبير هناك منذ أمد وبدأت سلسلة مؤتمرات قمة إفريقيا الخاصة بها في 2006.

وفي بداية 2018، وصل إلى إفريقيا الوسطى أسلحة وعشرات "المستشارين العسكريين" الروس، ما سمح لموسكو بتحقيق عودتها إلى الساحة الإفريقية.

وستنعقد هذه القمة كل 3 سنوات وتكتسب أهميتها من واقع أنّ موسكو تحتاج لشركاء وأسواق بعد خمس سنوات من العقوبات الغربية.

وفي غمرة التوتر المتصاعد مع الدول الغربية، تشكل القمة أيضا فرصة لموسكو لتظهر نفسها قوة ذات نفوذ عالمي بعد عودتها الكبيرة إلى الشرق الأوسط بفعل نجاحاتها في الساحة السورية.

واستفاد بوتين من التدخل العسكري في سوريا دعما للأسد ونجح في إعادة توازن القوى في المنطقة، منهيا بذلك هيمنة تاريخية للولايات المتحدة ودولا غربية على هذا الفضاء الجيوسياسي الحيوي.

ويسعى بوتين منذ توليه الرئاسة في العام 2012، وكان يشغل هذا المنصب سابقا من عام 2000 حتى 2008 وكان أيضا بين فترتي رئاسته، رئيسا للوزراء روسيا إلى استعادة الثقل الروسي في افريقيا.

وتعمل روسيا على توسيع منافذها التجارية والاقتصادية في الشرق الأوسط وعدلت حاليا بوصلتها نحو السوق الإفريقية في مزاحمة الحليف الصيني وأيضا في تنافس مع الولايات المتحدة ودول أوروبية.

وتبدو الخطوة مدروسة من حيث توقيتها ومن حيث مراكز الاهتمام فيها، فبوتين لا يبدو في عجلة من أمره لأن يتسع التعاون لكل المجالات، مركزا على صفقات الأسلحة ربما في هذه المرحلة تمهيدا لصفقات أخرى في قطاعات الطاقة الذي تهيمن عليه الصين وقطاع المعادن.