بورصة الترشيحات

يعتقد البعض ان منصب رئيس الوزراء في العراق وظيفة شاغرة يجب البحث عن من يشغلها.

يحكى ان أحد أمراء الأندلس اراد أن يُصبح ملكاً، فقيل له ان أصبحت ملكاً في الصباح سَتُقتل في الليل، فقال: لا يهمني ذلك ما دام اسمي سيدخل التاريخ. وتمثل بالمقولة الشهيرة التي توارثتها الأجيال "الأمارة ولو على حجارة".

رغم الظروف العصيبة التي يمر بها العراق، ورغم الموقع المتنافس عليه و الذي لا يحسد عليه صاحبه في هذه المرحلة الحرجة، إلا ان الاعناق تشرأب لنيله. فقد صدق الامير الأندلسي في مقولته... ولو على حجارة.

تشهد بغداد سوقا سياسيا كبيرا وبورصة مزايدات من كل الجهات هذه الايام تعرض فيها الاسماء، لشغل أعلى منصب في الدولة: منصب رئيس الوزراء. اسماء كثيرة وحرب كبيرة بين الكتل، مزاد علني يتنافس فيه الاخوة الأعداء، فعلى من ترسو المزايدة؟ ومن سيكون أمير الحجارة ليحجز له صفحة في التاريخ الكاذب؟

يعتقد البعض ان منصب رئيس الوزراء وظيفة شاغرة يجب البحث عن من يشغلها.

فقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتس اب بالترشيحات من كل حدب وصوب واختلف المرشِحون في الاسماء، وضاعت بوصلة الحراك الجماهيري. فالمطالبون بالدولة المدنية يرشحون عسكريا والرافضون لمزدوجي الجنسية يرشحون شخصيات من خارج العراق ومن سوح التظاهر، والمتظاهرون يرفضون ترشيح واحد منهم كما يرفضون كل المشاركين في العملية السياسية. ورغم هذه الأجواء المزدحمة بالتقاطعات، الا ان بورصة الترشيحات تسجل ارتفاعاً ملحوظاً في تنوع الاسماء. فالجميع يتوقع ان الفرصة مواتية لدخول التاريخ من أوسع ابوابه.

وعلى الرغم من الأجواء الملبدة بالدماء وأصوات المتظاهرين وصرخات المظلومين، والصراع الدولي الذي يستدعي من السياسيين ومن الذين يطمحون بالمنصب ان يكونوا اكثر حذراً من التاريخ وماذا سيكتب عنهم، إلا ان هذا لم يمنعهم من السباق المحموم نحو الكرسي البرَّاق.

 ومما يزيد من الأمر تعقيداً ان كل الآراء والطروحات والشروط للشخصية المزمع ترشيحها تتقاطع مع بعضها البعض، في اروقة المتظاهرين.

فلا أحد يطرح الكفاءة السياسية والإدارية في الشخص بقدر ما يطرح المؤهل العلمي أي الشهادة الجامعية العليا، أو مِنْ يجيد الكلام على قاعدة "والله خوش يحچي"، أو "هذا صگارهم"، وكأننا في جلسة عشائرية أو عركة شقاوات، متناسين ان هذا المنصب هو ارفع منصب في الدولة وهي المسؤول الاول عن سياسة البلد الاقتصادية والتنموية والصناعية والزراعية والثقافية وكل ما يتعلق بإدارة شؤون الناس.

ربما تكون المقومات التي ذكرناها من أجادت الكلام والمؤهل العلمي صحيحة. لكن الاهم من هذا كله، هو الخبرة والوعي السياسي والرؤية العريضة لبناء الدولة والشجاعة والحزم والعزم والقدرة على مواجهة الفاسدين وان ينحاز للتحرير وليس للخضراء.

بورصة الترشيحات شملت الغث والسمين، كما شملت اسماء محترمة وذات باع طويل في عالم السياسة.

ومما يسجل على بورصة الترشيحات انها لم تكن عراقية وان احتضنتها بغداد، ورغم أسمائها العراقية، فقد سيطر عليها (أي البورصة)  أصحاب الارادة والمال والسطوة من دول الجوار ودول الكبار، وبات الصراع مكشوفاً. فقد دخلوا بكل ما أُوتوا من تأثير لصناعة رئيس للوزراء.

لكن سوق السياسة في العراق يبدو انه لا يخضع لقواعد الاسواقُ الأخرى، فهو لا يعترف بقاعدة العرض والطلب،  فالمعروض رديء والطلب قليل، وبورصته هي الاخرى مختلفة، فقد تنافس فيها المفلسون، وراهن عليها الخاسرون.

لكن حينما تغلق أبوابها  لا يصح إلا الصحيح. وسيخسر يومئذٍ المبطلون.