بين الحب والوطن "أنا ضحكة الماء حين أمر"

قصائد ديوان الشاعر المصري أحمد اللاوندي يغلب عليها النص القصير والترميز والإيحاء أكثر من المكاشفة والمجاهرة.
الحبيبة تحتل مكانة عالية تتعالى على المدنسات البشرية
الوطن يشغل حيزا عاطفيا في قصائد اللاوندي

القاهرة - من أحمد مروان 
في ديوان "أنا ضحكة الماء حين أمر" للشاعر أحمد اللاوندي، يقف القارئ على واحد وستين نصًا يغلب عليها النص القصير الذي يصل أحيانًا إلى سطرين شعريين في حده الأدنى، وفي حده الأقصى يصل إلى قصيدة متوسطة الطول، حيث يتجنب الشاعر الاستفاضة في الكتابة ويميل كما هو مفروض في الشعر إلى الترميز، والايحاء، أكثر من الكشف والمجاهرة.
يطل الشاعر على عالمه بحس رومانسي أصيل، حيث تحتل الحبيبة منزلاً ساميًا، يتعالى عن المدنسات البشرية؛ ويسيطر على الديوان محوران أساسيان: محور الحب، ومحور الوطن، ومحور ثالث حيث الحبيبة تجسيد شعري للوطن، وإن كانت كفة الميزان تميل نحو الرومانسية لتكشف بهذا الاختيار عما يفضله الشاعر، مع الإشارة إلى ندرة ظهور الروح الرومانسية في كتابة الشعراء الجدد، إلا أنها تتجلى بوضوح في هذا الديوان.
يقول الشاعر في قصيدة  "أنت امرأة أعرفُها"
"أنتِ امرأةٌ أعرفها/ أعرفُ سرَّ أنوثتها/ أعرفُ كيف تُرتِّلُ آياتِ العشقِ على مَهَل في محرابِ الذّكرى/ أنتِ امرأةٌ تتفتَّحُ كالضَّوء أمامي/ تتجلّى فيزولُ القحطُ/ وتخضرُّ الصَّحراءُ سريعًا/ وتغنّى كُلٌّ تضاريسِ اللَّذةِ في فرَحٍ لا يبْلَى".
ويقول :
"سِتُّونَ حُزْنًا والقصيدةُ لا تحنُّ سوى إليكِ/ فأقْبِلي/ كي لا أُجنَّ/ مِنَ انطفاءِ شُعاعي".
وفي قصيدة "الطُّقوس الأخيرة" يكشف الشاعر عن اسم حبيبته، ولكنه يُعطيها ما أعطت الأسطورة للمرأة الخالدة من صفات:
"نرمينُ أنت العُمْرُ/ أشجارُ الحديقةِ، وُجْهَتي وبراءتي/ هَيَّا امنحيني الآن بعضًا من طقوسكِ كي يزولَ القحطُ/ والموتُ المُعبَّأ في مساراتي الكئيبةِ. والسَّلبية/ يا جَنانَ الخُلْدِ يا أحلى النَّساء"."

ديوان شعري
الوطن والحبية وجه واحد

ليقول لها:
"علميني كيف أخرجُ مِنْ مَضيقِ الجُرْحِ/ أدخلُ سلسبيلَكِ/ كي أكُفَّ عِنِ البُكاء".
كذلك نجد في قصيدة  "مشهد آخر"، التي تعتبر أطول قصائد الديوان، مزجا بين الهم العام واللوعة العاطفية المريرة، رغم أن موجة هذا النشيج العاطفي تنتصر على أي صوت آخر؛ حيث جمع  الشاعر قد بين معاناته وألمه الخاص، وبين الهم العام  يقول:
"علِّميني كيف أتلو سورة الرَّفضِ المُغَنَّى في هدوءٍ دافئٍ/ فوق ارتعاشتِكِ الَّتي/ تحنو عليَّ إذا المواسمُ أقبلتْ بهمومها".
تبدو الكلمات التي اختارها الشاعر لتقديم فكرته، وصورته الشعرية، كلمات دافئة وسلسة تنساب للتعبير عن المعنى المراد، كأن يقول:
"هاتي طيورك قُرْبَ قُرْبي/ فَجِّرِي البُركانَ فيَّ/ فأغنياتك لَمْ تزلْ تشتاقُ لي/ إنِّي أودُّ السَّيْرَ فيكِ/ فأمهليني كي أفضَّ بكارة الوجعِ/ الحنينْ" ثم يتبع ذلك بنعت محبوبته بالعديد من الأوصاف:
أنتِ البلاغةٌ، والنَّهاراتُ/ البنفسجُ والحواديتُ/ الهواءُ الطَّلقُ/ والوجدُ العتيقُ/ ونورسي/ وشواطئُ الفرَحِ الأليف".
وفي مكان آخر يكشف الشاعر عن ولع حسي، وشوق جسدي متلهف للمحبوبة، حين يقول:
"لا تخافي مِنْ زمانِ القُحْطِ، والموتِ العتيدِ/ وأجلسيني بينَ دلتا النَّهْرِ/ أرشف مِنْ نبيذٍ أدهشتهُ الحشرجاتُ البكْرُ/ والنَّصرُ المُبين.

أنتِ امرأةٌ تتفتَّحُ كالضَّوء أمامي

تتجلّى فيزولُ القحطُ

وتخضرُّ الصَّحراءُ سريعًا

 وتغنّي كُلّ تضاريسِ اللَّذةِ في فرَحٍ لا يبْلَى

ويكتمل الدمج بين الرومانسية والنزعة الحسية حين يقول :
يا امرأة بكُلِّ نساءِ أهل الأرضِ/ حُطِّي فَوْقَ عُشْبي كي أفيقَ مَنَ  البُكاءِ/ (فقد رأيتُ الماءَ يبكي/ في صنابير المدينةُ.
في موضع آخر من الديوان، يبدو الجرح العام هاجسا يشغل كيان الشاعر الداخلي حين يوجه لومه للحكام النائمين عن الهم العربي، لنقرأ هذه الأبيات:
ينامونَ رغمَ الدَّماءِ الَّتي سَيَّلَتْها الصَّواريخُ/ والضَّربةُ القاصمةُ
ما زال الصوتُ جهيرًا، والشعار أعلى من الشعر.
وفي "سنعود للميدان" يقول :
قُومي مِنَ الوَجَعِ المُسافرِ في ضلوعكِ/ يا بلادًا برَّاوا فيها مَنِ ارتكبَ الجريمة/ لا تيأسي/ وتحسَّسي الضَّوءَ الشَّفيفَ فأنتِ أقوى مِنْ جراحِ الأمسِ/ مِنْ تلكَ الهزيمةْ
لا لا تظُنِّي أنَّ هذا البغي أرهقَ حُلْمنا، أو أنَّنا صِرْنا غنيمةْ/ سنعودُ للميدانِ يا كُلَّ الطُّغاة، وسوفَ تتلوا مِنْ جديدٍ/ سورةَ النَّصرِ القديمةْ.
صدر للشاعر من قبل "نقوش على جدار العشق" عام 2009، ديوان "قطرات من أثرها" عام 2015 ، والجدير بالذكر أن ديوان "أنا ضحكة الماء حين أمر" للشاعر أحمد اللاوندي، صدر ضمن سلسلة الإبداع الشعري المعاصر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. (وكالة الصحافة العربية)