'تجليات الحلفاوين' تلون سهرات التونسيين الرمضانية بجمالية الفنون الأدائية

التظاهرة تقدم في دورتها الثالثة عروضا فنية وفرجوية متنوعة تعكس ثراء المشهد الثقافي التونسي.

تونس - تتواصل فعاليات الدورة الثالثة للتظاهرة الرمضانية "تجليات الحلفاوين" التي ينظمها المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع جمعية عبدالوهاب بن عياد ومؤسسة "ميكروكراد" تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية بمدينة تونس العتيقة، مع باقة من العروض الفنية المتنوعة التي تحتفي بجمالية الفنون الأدائية وتعكس ثراء المشهد الثقافي التونسي وتجمع بين فنون المسرح والسيرك والسينما إلى جانب أنماط موسيقية متنوعة.

وانطلقت الاحتفالات بعرض أدائي في فن السيرك المعاصر الذي يعتمد على البنية الجسمانية والحركات البهلوانية الخطيرة التي حبست أنفاس الحضور، ثم تعالت إثر ذلك الأصوات المنغمة بالذكر لحضرة مرشد بوليلة وأخذت الإيقاعات تتصاعد شيئا فشيئا تتبعها تراتيل صوفية مثل "سيدي بوعلي النفطي" "يا للا جيتك"، ثم تأخذ الإيقاعات في التزايد، فتدخل الموسيقى في حالة من التخميرة الصوفية حيث تتعالى إيقاعات البنادر ويتمايل المنشدون وينطلق الجمهور في التصفيق والغناء.

وبلغ العرض ذروته مع أداء الحضرة "سيدة يا نغارة" و"سيدي علي الكراي" و"أم الزين الجمالية" و"سيدي منصور" التي جعلت الجميع في حالة من النشوة والتخميرة، فقد كانت الإيقاعات تتسارع والأقدام تضرب الأرض بإيقاع منسجم، كأنما تطرق على أبواب السماء حيث تلاشت الحدود بين الجسد والروح وبين الصوت والصمت وبين الزمان والمكان.

وامتزجت إيقاعات "سيدي منصور" بنغمات السطمبالي مفسحة المجال لظهور شخصية "بوسعدية" الأسطورية التي جسدتها رقصة أفريقية خالصة تروي معاناة شعوب أفريقية غابرة وحنينه الأبدي للبحث عن ابنته المختطفة "سعدية".

وكان الرقص أشبه بطقس شعائري حيث تدفقت حركات الراقص بحرية كأنه يستدعي الأرواح الغائبة أو كأنه يجسد الصراع الداخلي بين الألم والتحرر، فأصدافه البحرية كانت تلمع تحت الأضواء فيما العظام التي زينت جسده بدت وكأنها تخبرنا بحكاية الصحراء القاحلة ورحلة البحث الطويلة.

وتميز العرض بتوظيف آلات تقليدية مثل الزكرة والبنادر والدربوكة، حيث شدد مرشد بوليلة على أهمية هذه التوليفة في منح الحضرة هويتها الأصلية. كما ساهم الديكور والإضاءة في تعزيز الأجواء الصوفية، حيث نظمت الفضاء بما يتماشى مع طبيعة العرض الروحي في تناغم بين الإضاءة الخافتة والضوء الذهبي الذي عكس حالة التجلي الصوفي.

وقد سجل حفل الافتتاح حضورا جماهيريا غفيرا، جاءه البعض بنية التأمل والتصوف، في ما اختار آخرون متابعة الحدث من مقاهي الحلفاوين يحتسون الشاي الساخن أو القهوة، بينما تسافر ذواتهم مع الأنغام الروحانية التي ملأت المكان.

وتضم هذه التظاهرة التي تستمر إلى غاية الثامن عشر من مارس/آذار الحالي في برنامجها العديد من الفعاليات من ضمنها عروض السيرك والمسرح والسينما والموسيقى الصوفية، ويتم تقديم عروض الدورة بمعدل عرضين أو أكثر في كل ليلة.

وشهدت السهرة الثانية من التظاهرة إلى جانب مواصلة عروض السيرك ومسرح الشارع، تقديم المسرحية الكوميدية "العرس الجمرة الأولى" للمخرج كريم الخرشوفي، يليها عرض سطمبالي لبلحسن ميهوب، وضمّت المجموعة الموسيقية المصاحبة له عازفين على آلات الطبل والشقاشق والقمبري، وأدخل ميهوب على موسيقى السطمبالي إيقاعات الباتري، لإيمانه أن الموسيقى تتطوّر مع العصور وكذلك لاستقطاب جمهور أوسع لهذا النمط الموسيقي، دون أن تمسّ الآلات الموسيقية العصرية المستخدمة في العرض من جوهر موسيقى السطمبالي التي عادة ما ترتكز إيقاعاتها على القمبري والشقاشق والطبلة.

وكان للأطفال نصيب من عروض "تجليات الحلفاوين"، إذ تم تخصيص سهرة الأحد لعروض خاصة بهم من خلال مسرحية "مخيم اللاجئين" للمخرج طلال أيوب "التي تسلط الضوء على قضايا إنسانية" ومسرحية "ملكة الليل" لحاتم مرعوب "التي تأخذ من خلالها الأطفال في مغامرة حالمة بين الواقع والخيال".

ويحضر الفن السابع ضمن برنامج الليلة الرابعة من التظاهرة وذلك من خلال عرض فيلم "عصفور جنة" لمراد بالشيخ الذي سيكون مسبوقا بعروض كوميديا "ديلا رتي" بتأطير من لبنى مليكة، بالإضافة إلى عرض مسرحيات قصيرة "لهارولد بنتر" يشرف عليها إبراهيم جمعة بمشاركة تلامذة "مدرسة الممثل"

وستختتم الدورة الثالثة من "تجليات الحلفاوين" بعروض السيرك ومسرح الشارع يليها العرض الموسيقي "كيما الريح" لأماني الرياحي لتنتهي السهرة الختامية بالعرض الصوفي "حزب المهدية" بقيادة الشيخ فاضل السقا.

و"تجليات الحلفاوين" تأسست سنة 2023، وتهدف بالخصوص إلى إعادة تنشيط الحياة ببطحاء الحلفاوين إحدى أعرق ساحات مدينة تونس العتيقة، حيث تنصهر الأضواء مع الأزقة القديمة وتتماوج الأصوات بين الإنشاد والموسيقى وبقية الفنون الحية للاحتفال بالفن في أبهى تجلياته في ليالي رمضان، وفق ما نقلته وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن بلاغ نشره القائمون على التظاهرة.