تجوال على الأقدام في واحة السيليكون في دبي

تعريف عملي للمدينة العملية المثالية التي تتحدى الصحراء.
مدينة حديثة صممت لكي يكون كل شيء سهلا
تقل مساحة البناء وتزيد مساحة النشاط خارج المباني
العالم بات يستهلك اليوم الأجهزة الرقمية كما كان سابقا يستهلك الورق

يصعب عليك أن تمارس المشي كل يوم لتحافظ على صحتك اذا كنت لا تجد المكان الذي يشجعك على المشي، ولكن في واحة السيليكون في دبي فإنك ترحب بالمشي اليومي في مدينة تجارية كل ما فيها حولك ينبض بالحياة ولا أحد يلتفت اليك فهو مجتمع مختلف فيه العرب والعجم من شتى بقاع الأرض، فتشعر بحرية تامة وتمارس حقك بالمشي والجري والجلوس على أحد المقاعد الخشبية حين تتعب.

إنها مدينة حديثة صممت لكي يكون كل شيء سهلا بدءا من إقامة عملك التجاري وحتى استقرارك في شقة تلبي احتياجاتك كلها من تهوية وإنارة وماء ساخن وبارد وشرفة تطل على سوق نشط كخلية النحل. وإذا ما احتجت شيئا، فإنك تجلبه بيسر من أحد المحال من حولك مشيا على الأقدام.

لأول مرة تجد منطقة صنعتها التكنولوجيا ولكن جوها ريفي ومؤنس، وحتى الهواء نظيف لكثرة النباتات التي وضعتها يد الانسان لتقهر الصحراء وغلظتها، وتنقي الهواء للقاطنين والعابرين، وجوانب الطريق نظيفة وفارغة لكي لا تنزعج أثناء العبور.

هنا تجد كافة المنتجات من الإبرة حتى الجرار الزراعي، وفيها ما يربو على الألف شركة، وكل ما عليك هو البحث عن المنتج بالانترنت باستخدام كلمات مفتاحية هي "واحة السليكون" مضيفا المنتج الذي تبحث عنه، فتظهر لك أسماء الشركات ومواقعها بالأرقام والحروف، فيسهل عليك الوصول اليها إذا كنت تعرف استخدام تطبيق جي بي اس، فإن كنت لا تعرف فليس لديك مشكلة، فهنا جميع سائقي التاكسي يتقنون استخدامه فيقلونك الى وجهتك بسهولة.

ليس ضروريا أن يكون إنشاء الشركة مكلفا، فهنا في واحة السيليكون تجد أرخص المكاتب والشقق، وقد صممت جميعا بمساحات صغيرة تكفي لإدارة العمل والسكن دون أن تفرغ محفظتك، فعالمنا اليوم قائم على الشراء والبيع، ولو كان على الناس أن يدفعوا باعا وذراعا لإقامة تجارتهم، لما اشتغل احد وتحولت الحياة الى ركود تام، ولكن في واحة السيليكون، يمكنك إنشاء مشروعك بربع التكلفة المعتادة أو أقل، فقد استخدمت المساحات بشكل اقتصادي فعال، لتستوعب أكبر عدد ممكن من المستثمرين، فيأتون من مختلف البلدان وينشئون مشروعهم ويوظفون الباحثين عن العمل ويدور دولاب الحياة دون تعقيد.

هنا، يضم البرج أكثر من الف انسان، لديه كل ما يحتاج للمعيشة اليومية دون أن يتلف مصباح أو صنبور ماء، واذا حدث ذلك، يأتيك عمال الصيانة مسرعين ويصلحوه مجانا، فالعمل هنا يجري على شكل مقاولات تستلمه الشركات وتبدع في إنجازه لكي تحافظ على سمعتها التجارية بين المنافسين.

كان يجب أن يكون التصميم هكذا، مقتصدا في استخدام المساحات ويسكن الناس فوق بعضهم البعض، ولكن بطريقة توفر الراحة ولا تزعجهم، فتقل مساحة البناء وتزيد مساحة النشاط خارج المباني، وبهذا يمكن التحكم بمساحة المدينة لكي تستوعب شوارع واسعة وحديثة تحيط بها الأشجار وتنتشر فيها المقاعد المتناثرة هنا وهناك، وتحافظ على البيئة وتوفر كلفة الخدمات للماء والكهرباء والصرف الصحي والتهوية والإنارة.

لكن الاقتصاد في الكلفة لم يكن على حساب الجمال، فالمدينة مريحة للنظر والأبراج ذات تصاميم متنوعة وألوان هادئة، والنباتات ممتدة على جوانب الطرقات وأحيانا يكون هناك نافورة تضفي لمسة رقيقة على غلظة التجارة وجفافها، أما أعمدة الإنارة، فهي كثيرة لتروض وحشة العتم فيغدو المكان شاعريا لرواد الحياة في المساء.

هنا تجد آلاف الشباب الآسيويين القائمين على خدمتك، وقد تدربوا على التعامل مع الناس بطريقة مهذبة ولائقة، فيرق قلبك عليهم وتقدر لهم صبرهم على قسوة الحياة التي قسمت لهم القليل من نعمائها ومع ذلك فهم هادئون وصابرون على نظام اقتصادي عالمي قسم الثروات قسمة جائرة، ويعملون عند صاحب الشركة الثري ويبذلون كل جهدهم ليحافظوا على وظائفهم، ولو تعكر مزاجك ورفعت صوتك، فكل ما يقولون لك هو "صبر بابا" وكأنهم يعطونك درسا في التحمل والصبر والذوق.

هناك مئات الأبراج ومئات أخرى قيد الإنشاء، ولا بد أن يكون هذا ضمن برنامج مخطط استجابة للثورة الرقمية وكما يشير اسم المنطقة "واحة السيليكون" فنشاطها الرئيسي هو صناعة الالكترونيات وتطبيقاتها المذهلة، ولا بد أن ينضم الى هذا القطاع آلاف المستثمرين، فالعالم اليوم يستهلك من الأجهزة الرقمية كما كان سابقا يستهلك من الورق، وهذا التحول خلق سوقا ضخمة للإلكترونيات وهناك متسع لمزيد من الأعمال الاستثمارية في هذا المجال.

لكن هذا لا يمنع أن يكون المكان مريحا ونظيفا وجميلا ويتناسب مع ميزانيات القادمين إليه، وهذا ما تحقق في واحة السيليكون في دبي.