تحديات الاندماج الأفريقي على مائدة موسم أصيلة الثقافي

خبراء يؤكدون أن ربط الأمن بالتنمية مفتاح نجاح التكامل الإقليمي لشعوب أفريقيا، ودعوات لتعزيز التعاون التجاري والثقافي.
الاندماج الأفريقي يجب أن يتبلور في شكل تصور ومقترح اقتصاديين
الإصلاحات السياسية وتقوية الزعامة وربط الأمن بالتنمية مفتاح نجاح التكامل الأفريقي

تدارس عدد من الخبراء والمسؤولين الأفارقة والأوروبيين مقاربات الاندماج الأفريقي ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الأربعين التي تحتضنها حاليا مدينة أصيلة المغربية.
وقال خالد الشكراوي، من معهد الدراسات الأفريقية بالرباط، إنه على الرغم مما تحقق من إنجازات في سبيل تحقيق التكامل الأفريقي منذ إنشاء الاتحاد الأفريقي عام 2002، إلا أن عملية التكامل الإقليمي بين دول القارة مازالت تواجه جملة من التحديات والعقبات.
 وفي ضوء تطلعات الاتحاد الأفريقي المعلنة في خطة عام 2063، استنتج الشكراوي أن دول القارة مازالت بعيدة عن حلم التكامل المنشود ولم تحقق بعد الأهداف المرجوة.
وتوصل الحضور المشارك بالمنتدى إلى أن تحقيق الاندماج الأفريقي يتطلب تجديد الأفكار والرؤى ورصد أهداف الاندماج والاستراتيجيات والأولويات لنجاح هذه الخطوة.
 ويرى فيكتور بورغيس رئيس مؤسسة التنمية والتبادل الدولي، أن اختيارا ناجعا للأطر التنظيمية والمؤسساتية كفيل بإنجاح مشاريع الاندماج وديمومة النتائج وتأثيرها في المجتمعات الأفريقية.
فيما اعتبر انخيل لوسادا فرنانديز الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للساحل، أن الإصلاحات السياسية وتقوية الزعامة وربط الأمن بالتنمية مفتاح نجاح التكامل الأفريقي.
دور الشباب
أهمية التكامل بين الأجيال الأفريقية تعني إشراك الجميع دون تهميش، وهي وصفة النجاح حسب جان كلود فيليكس تشيكايا، الباحث في الجيواستراتيجية بالمعهد الأوروبي للبصائر والأمن في أوروبا، فالواجب أن "ننخرط في حركية مستمرة وإفساح المجال للأجيال الأفريقية المقبلة لتحقيق التكامل في ما بينها".
 ويشدد تشيكايا على أن أول من يجب أن يدفع هذا التكامل هم الشباب كونهم يطالبون بالتقدم والرفاهية ويرفضون التخلف، وهو ما يستدعي تسريع وتيرة التنمية بالقارة التي تتمتع بثروات وإمكانيات هائلة.
ولبناء هذا العالم الجديد بأفريقيا، فالمسؤولية تقع على عاتق السياسيين والشباب والنخب المثقفة كما يساهم فيها المجتمع المدني. وركز تشيكايا على دور المجتمع المدني وضرورة إشراكه في عملية الاندماج، إذ بات علينا أن "نستنبط الطرق والأساليب التي تبني أفريقيا الجديدة".

المغرب يبذل جهودا للإسهام بشكل نشيط، من خلال رؤية ملكية تعمل في انسجام تام مع الجهود الثنائية والإقليمية والقارية، تدعم مختلف هذه المبادرات، ومن خلال القيام بمشاريع مهيكلة، تتوفر على حمولة إقليمية وقيمة مضافة قارية كبرى.

ويتسق رأي تشيكايا مع رأي يوسف العمراني المكلف بمهمة بالديوان الملكي المغربي، وأكد العمراني أن "رؤية الملك محمد السادس بشأن أفريقيا مرتبطة بالأمن والاستقرار والحكم السديد، وتعمل هذه الرؤية على علاج الحلول الداخلية من بطالة وهجرة غير شرعية ومعضلة الإرهاب، وتؤمن بأهمية القطاع الخاص لخلق فرص عمل للشباب العاطل عن العمل. وبضرورة القيام بإصلاحات سياسية وثقافية وتحسين التعليم والمنظومة التربوية".
ويعتقد العمراني أنه "ينبغي القضاء نهائيا على العوائق التي تحول دون تحقيق الاندماج الأفريقي ومواجهتها بالإرادة السياسية مع كل الشركاء الأفارقة بالانخراط في منظومة قيم إقليمية ودولية مشتركة".
وكون المبادلات التجارية ضعيفة داخل أفريقيا اتفق المشاركون بمنتدى أصيلة على ضرورة إحياء التبادل الحر وإقامة مناطق تجارية حرة، وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية لتقوية المنظومات والهياكل المؤسسية ولتحقيق بنية تحتية مشتركة من خطوط بحرية وجوية.
بعد ثقافي
 وشدد عدد من المتدخلين على ضرورة مواكبة التحولات الطارئة في المجتمعات الأفريقية بإنشاء مراكز تفكير كرافد للتنمية وتقوية التكامل الأفريقي معرفيا وثقافيا، وسبق أن لفت الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الأفريقية سابقًا، إلى البعد الثقافي كأساس لتحقيق التكامل بين الشعوب.
واعتبر جان دو ديو صودا، الممثل الخاص لرئيس منتدى الساحل في غرب أفريقيا، أن البعد الثقافي كفيل بتحقيق التكامل الأفريقي من خلال تشجيع ثقافة الانفتاح على الآخر.
وأكد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أن اندماج القارة الأفريقية في حاجة إلى دفعة أفريقية متفائلة، على غرار الدفعة التي أعطتها سياسة الملك محمد السادس إزاء القارة.
وأوضح بوريطة في كلمة خلال افتتاح موسم أصيلة الثقافي الدولي، أنه في الوقت الذي ولى فيه آخرون وجوههم لأفريقيا، توجه المغرب بكل ثبات نحو القارة، مبرزا في السياق ذاته أنه على خلاف دول أخرى لا ترى في المنطقة سوى المخاطر، فإن المملكة ترى فيها الفرص والمؤهلات الواعدة، وهذا هو المبدأ الأول الذي عبر عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس في الخطاب السامي بأبيدجان في فبراير 2014 حين أكد أنه يتعين على أفريقيا أن تثق في أفريقيا.
وسجل أن الأساس الثاني لإنجاح هذا الاندماج هو البراغماتية لأنه لا يمكن أن يوجد اندماج دون سياسة تتجه نحو الفعل وتتغذى من نتائجه الملموسة.
ومن هذا المنطلق، يضيف الوزير أن الاندماج الأفريقي يجب أن يتبلور في شكل تصور ومقترح اقتصاديين، أكثر منه رؤية سياسية، مشيرا إلى أنه مع هذه المقاربة، تضاف إليها الدينامية الحالية التي تشهدها القارة، بفضل جيل جديد من الزعماء البراغماتيين والرؤيويين، على غرار الملك محمد السادس والرئيس السنغالي ماكي سال أو الرئيس الرواندي بول كاغامي، فقد الاندماج الأفريقي من “العاطفية” بقدر ما ربح من “النضج والواقعية”
وفي هذا الصدد، اعتبر الوزير أن خطوات مهمة جدا تم إنجازها، مشيرا إلى نماذج "النيباد"، ومنطقة التبادل الحر القاري الأفريقي، والسوق الموحدة للنقل الجوي الأفريقي (أوبن سكاي أفريكان).
وأكد أن المغرب يبذل جهودا للإسهام بشكل نشيط، من خلال رؤية ملكية تعمل في انسجام تام مع الجهود الثنائية والإقليمية والقارية، تدعم مختلف هذه المبادرات، ومن خلال القيام بمشاريع مهيكلة، تتوفر على حمولة إقليمية وقيمة مضافة قارية كبرى.
وأوضح أن مشروع الغاز بين المغرب ونيجيريا، على الواجهة الأطلسية، له توجه إقليمي بارز، وهو يهدف إلى تشجيع التنمية والأمن الطاقي لأفريقيا الغربية، بتعزيزه الاندماج الطاقي على المستوى الإقليمي، فضلا عن إنجاز المكتب الشريف للفوسفاط لأرضيات إقليمية من أجل إنتاج الأسمدة الذي يخدم هدف الاندماج لسلاسل القيمة الفلاحية وتعزيز الأمن الغذائي، على المستويين الإقليمي والقاري، معتبرا أن الاستثمارات الأساسية للمغرب في المجالين المالي والبنكي في عدة جهات من القارة تسهم أيضا في التقريب بين الأسواق الأفريقية.
وبيّن بوريطة أن الاندماج لا يمكن أن يتم إلا من خلال اندماجات إقليمية ومتقدمة وعملية، مشيرا إلى أن السياسة الأفريقية للملك محمد السادس تسعى إلى تكثيف العلاقات الثنائية مع البلدان الأفريقية، بشكل فردي وجماعي، مع دعم إصلاح المؤسسات الأفريقية، لافتا إلى أن الحد من العجز في البنيات التحتية بأفريقيا يتطلب حوالي 100 مليار دولار سنويا، وهو تحد لا يمكن رفعه إلا على الصعيد الإقليمي.