تحذيرات أوروبية من سيناريو تخلف تونس عن سداد ديونها
روما – دعت كلوديا غازيني كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية المجتمع الدولي إلى الاستعداد لسيناريو تخلف تونس عن سداد ديونها، مطالبة باتخاذ تدابير تمويل طارئة للحد من تداعياته على أوروبا، خصوصا وأن الرئيس قيس سعيد -وفق اعتقادها- لن يقبل أي اتفاق لا مع صندوق النقد الدولي ولا مع المفوضية الأوروبية.
وتعكس تصريحات غازيني مخاوف أوروبا من أن ينهار الاقتصاد التونسي وأن يتسبب ذلك في موجات هجرة جماعية تونسية وأفريقية (دول جنوب الصحراء) إلى أوروبا، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد شمال الأفريقي وتقادم المعدات اللوجيستية للسيطرة على موجات المهاجرين.
وقالت غازيني خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بمجلس الشيوخ الإيطالي الثلاثاء على المجتمع الدولي الاستعداد لسيناريو تخلف تونس عن السداد، محذرة من أن ذلك له "عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة" و"تداعيات سياسية وأمنية خطيرة"، وفق وكالة نوفا الإيطالية.
وأضافت "قد يؤدي الانهيار الاقتصادي في تونس ليس فقط إلى زيادة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ولكن أيضا إلى تكثيف التهريب عبر ليبيا أو الجزائر، ونمو سعر الصرف الموازي والسوق السوداء".
وأكدت أن "التداعيات السياسية والأمنية قد تكون أكثر خطورة من حيث مخاطر الاعتداءات والحوادث العنيفة وزيادة النشاط الإجرامي. ولهذا السبب يجب على المجتمع الدولي تنفيذ سياسة مرنة فيما يتعلق بالمفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي للسماح بمراجعة محتملة للاتفاقية، مع الاستعداد لسيناريو التخلف عن السداد".
وتونس بلد مثقل بالديون بحوالي 80 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وكانت توصلت مع صندوق النقد الدولي منذ أكتوبر إلى اتفاق خبراء بشأن خطة إنقاذ مالي تقوم على قرض على مراحل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن المحادثات تعطلت بعد أن بدا للرئيس التونسي أن شروط الحصول على القرض مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة.
ويقدم صندوق النقد حزمة من الشروط مقابل القرض منها رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وتقليص كتلة الأجور في القطاع العام والتفويت في بعض المؤسسات المتعثرة المملوكة للدولة.
وأشارت غازيني إلى أنه "في حالة التخلف عن السداد، يجب الاستعداد لتقديم تدابير تمويل طارئة للحد من تأثير آثاره"، معربة عن قلقها "إزاء النزعات الأيديولوجية والعربية والمعادية للغرب المتزايدة للرئاسة التونسية".
وتابعت غازيني "لحسن الحظ بدأت تظهر إمكانية مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي" و"من الإيجابي أيضا أن تونس وافقت على التفاوض مع المفوضية الأوروبية"، لكن "سيكون من الوهم، الاعتقاد بأن تونس ستقبل أخيرا باتفاق بعد مفاوضات عديدة، سواء مع صندوق النقد الدولي أو مع المفوضية".
ورجحت أن الرئيس قيس سعيد قد "يتعمد اختيار التخلف عن السداد لأسباب أيديولوجية"، مضيفة "من جانبها، على العواصم الأوروبية تنسيق مواقفها مع الجزائر والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى (مثل جامعة الدول العربية) التي يمكن أن تلعب دور الوسيط مع تونس".
ولم تحسم تونس موقفها بعد بشأن الاتفاق الذي عرضه عليها الاتحاد الأوروبي، بعد أن أرجأت التوقيع على مذكرة التفاهم مع التكتل المتعلقة بالهجرة غير النظامية، طالبة المزيد من الوقت لتحليل الاتفاقية.
وأُعلن عن العرض في 11 يونيو خلال زيارة إلى تونس قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ونظيرها الهولندي مارك روته.
وترتبط المساعدة الأوروبية في جزء منها بالمفاوضات المستمرة بين صندوق النقد الدولي وتونس لمنح الأخيرة قرضا مشروطا بقيمة ملياري دولار، لكن الرئيس سعيّد أكد مرارا أن تونس لن تكون حرس حدود لأوروبا ولن تنصاع إلى إملاءات الصندوق.
ونفت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن تكون قد طلبت من الرئيس التونسي أن تلعب سلطات بلاده دور "شرطي الحدود" لكبح تدفق المهاجرين باتجاه سواحل أوروبا.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي منح تونس بحلول أواخر الصيف قوارب ورادارات نقّالة وكاميرات وعربات لمساعدتها في تعزيز ضبط حدودها البرية والبحرية. كما يقترح تعزيز التعاون في مجالَي الشرطة والقضاء لمكافحة شبكات المهرّبين، بالإضافة إلى رغبته في تسهيل إعادة التونسيين المقيمين بشكل غير قانوني في أوروبا إلى بلادهم.
ويتولى الاتحاد الأوروبي تمويل العودة الطوعية للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء عبر تونس إلى بلادهم. ووفق المفوضية الأوروبية، موّل التكتل 407 عملية كهذه الى الآن هذا العام.
وغالبا ما تسجّل تونس محاولات هجرة لأشخاص يتحدرون بغالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا. ويستخدم معظم هؤلاء الممر البحري من الشواطئ التونسية نحو القارة، مستغلين قرب المسافة التي لا تتجاوز في بعض النقاط 150 كلم بين تونس وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
وأعلنت السلطات التونسية الأحد الماضي، إحباط 65 عملية هجرة غير نظامية وضبط 2068 شخصا أثناء محاولتهم الإبحار إلى أوروبا عبر البحر المتوسط خلال عطلة عيد الأضحى، وذلك ضمن مواصلة تونس جهودها في التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية.
وفي الفترة الأخيرة شهدت تونس تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد ودول أفريقية أخرى.
وشهد هذا العام أعدادا قياسية من المهاجرين المنطلقين من سواحل تونس بجانب غرق نحو 600 في البحر، وفق إحصاءات غير رسمية.
وتبلغ أنشطة الهجرة غير الشرعية ذروتها في الصيف مع استقرار عوامل الطقس.
ويعدّ البحر المتوسط ممر الهجرة الأخطر في العالم، حيث لقي أكثر من 20 ألف شخص حتفهم أثناء محاولتهم عبوره منذ العام 2014، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
وسجّل الجانب الإيطالي زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى شواطئه، إذ تؤكد بيانات حديثة لوزارة الداخلية الإيطالية، وصول ما مجموعه 34761 شخصًا إلى إيطاليا عبر مراكب غادرت السواحل التونسية من بداية العام حتى 4 يوليو، أي بمعدل حوالي 190 وافد يوميًا و بزيادة بنسبة 455 بالمائة مقارنة بـ6371 وافدًا في نفس الفترة من العام الماضي.
وأوضحت البيانات أن عدد الوافدين من تونس منذ بداية العام تجاوز إجمالي عددهم المقدر بـ32101 عبر نفس طريق الهجرة طيلة العام الماضي، مشيرة إلى وصول خلال الأسبوعين الماضيين ألفي شخص من ليبيا، بينما وصل نحو سبع ألاف شخص من تونس.
ولقي 780 شخصا مصرعهم ولا يزال 944 في عداد المفقودين في محاولات الهجرة غير النظامية إلى السواحل الأوروبية عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط (الذي يشمل كلاً من ليبيا وتونس).
ويعدّ وسط البحر المتوسط، أي المياه الفاصلة بين إيطاليا وشمال أفريقيا، ممر الهجرة الأخطر في العالم، حيث لقي أكثر من 20 ألف شخص حتفهم أثناء محاولتهم عبوره منذ العام 2014، وفق المنظمة الدولية للهجرة.