تحرك عربي وغربي لإلزام تركيا بقرارات مؤتمر برلين

الإمارات تقوم بدول دبلوماسي لافت للتنسيق مع الجزائر وتونس لمنع أي تدخل خارجي يؤجج الوضع أكثر في ليبيا في وقت يكثف فيه أردوغان تحركاته داخل القارة الإفريقية بحثا عن تحالفات.
مسودّة قرار بريطاني في مجلس الأمن لتنفيذ وقف إطلاق النار
مطلب للأمم المتحدة بتقديم مقترحات لمراقبة الهدنة
أردوغان يبحث عن دعم ترامب من السينغال
تنسيق إماراتي جزائري تونسي لدعم حل ليبي ليبي

لندن - قدّمت بريطانيا إلى مجلس الأمن الدولي مسودّة قرار يدعو إلى رفض التدخّل الخارجي في ليبيا ووقف دائم لإطلاق النار كما نص على ذلك اجتماع مؤتمر برلين، في وقت تسعى فيه الجزائر والإمارات إلى تفعيل دول جوار ليبيا أكثر في الصراع لتطويق التحركات التركية التي ما انفكت تؤججه.

ودعت بريطانيا حسب نص القرار إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في ليبيا مطالبة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتقديم مقترحات لمراقبة الهدنة تشمل خصوصاً "مساهمات من منظّمات إقليمية".

ومن المقرّر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعاً حول ليبيا الأربعاء، لكنّ العديد من الدبلوماسيين استبعدوا إمكانية تبنّي القرار في تلك الجلسة بسبب الانقسامات التي ما زالت تباعد بين أعضاء المجلس بشأن الملف الليبي.

وفي ختام مؤتمر برلين الذي عقد في ألمانيا في 19 كانون الثاني/يناير برعاية الأمم المتحدة، تعهّدت الدول الرئيسية المعنية بالنزاع الليبي التزام الحظر الدولي المفروض على إرسال أسلحة إلى ليبيا وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لهذا البلد.

وفي أعقاب مؤتمر برلين دعا مجلس الأمن في بيان رئاسي طرفي النزاع في ليبيا إلى التوصّل "في أقرب وقت ممكن" لوقف لإطلاق النار يتيح إحياء العملية السياسية الرامية لوضع حدّ للحرب الدائرة في هذا البلد.

وقال المجلس يومها إنّ "أعضاء مجلس الأمن يحضّون الأطراف الليبية على المشاركة بشكل بنّاء في اللجنة العسكرية المسمّاة 5+5 من أجل إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن".

وكان من المفترض أن تتشكّل هذه اللجنة العسكرية التي تمّ الاتفاق في قمة برلين على تشكيلها، في ما اعتبر أحد إنجازات القمة، من خمسة ضبّاط يمثّلون القوات الموالية لحكومة السرّاج وخمسة ضبّاط يمثّلون قوات المشير حفتر.

ومهمّة هذه اللجنة هي تحديد السبل والآليات الميدانية الرامية لتعزيز وقف اطلاق النار الساري بين الطرفين المتحاربين منذ 12 يناير الجاري توصّلاً لإقرار هدنة بينهما.

لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان حاضرا في المؤتمر كان يدعي دعمه للحل السلمي فيما كانت حكومته في أنقرة تشرف على إرسال المزيد من المرتزقة السوريين إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق عبر رحلات سرية من مطار إسطنبول.

عدم إلتزام تركيا بمخرجات مؤتمر برلين قوض تشكيل لجنة عسكرية من طرفي الصراع تمّ الاتفاق عليها 

كما وافق البرلمان التركي على طلب أردوغان إرسالها قوات إلى ليبيا دعما لحكومة الوفاق والميليشيات التي تقاتل إلى جانبها بعد أن طلب السراج ذلك رسميا من أنقرة خوفا من خسارة وشيكة لنفوذه في طرابلس.

وقبيل مؤتمر برلين واصل أردوغان استفزازاته بإطلاق تصريحات عدائية جديدة ضد قوات الجيش الوطني الليبي وخصوصا المشير خليفة حفتر، مخيرا الدول المشاركة في المؤتمر بين دعم حكومة السراج أو مواجهة الإرهاب، في ابتزاز واضح للدول الأوروبية التي تتخوف من موجة المهاجرين والإرهابيين الذين يمكن أن يتسللوا إلى أراضيها عبر المتوسط.

وتزامنا مع التحرك الغربي الذي كان واضحا تغييبه لدول جوار ليبيا خلال مؤتمر برلين، تقوم كل الإمارات بدول دبلوماسي لافت للتنسيق مع الجزائر وتونس لمنع أي تدخل خارجي يؤجج الوضع أكثر في ليبيا بهدف بلورة موقف عربي موحد ضد الأطماع التركية المتنامية في المنطقة، في وقت يكثف فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحركاته داخل القارة الإفريقية بحثا عن تحالفات تدعم تدخله العسكري في ليبيا لتعزيز نفوذه غرب البحر المتوسط بعد أن فشل في استمالة دول جوار ليبيا.

وبعد زيارة إلى جزائر مطلع هذا الأسبوع لم تكن في مستوى انتظاراته، لجأ أردوغان إلى واشنطن بحثا عن دعم مفقود رغم أنه في زيارة إلى السينغال حاليا.

ومساء الاثنين، أي بعد مغادرته الجزائر بحث أردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب التطورات في ليبيا، حسب متحدث باسم البيت الأبيض.

وكان لافتا بيان الرئاسة التركية الذي تحدث عن إشارة ترامب إلى "أهمية حل الخلافات القائمة بين تركيا واليونان في البحر المتوسط".

يذكر أن تركيا فاقمت أيضا الأزمة الليبية وأثارت غضبا إقليميا ودوليا بسبب اتفاقية وقعها أردوغان مع السراج لتقاسم الحدود البحرية في خطوة نددت بها ورفضتها دول المنطقة باعتبار أنها لا تحترم قانون البحار في المتوسط.

واستضافت الجزائر الخميس الماضي الاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا لبحث التطورات المُتسارعة فيها وتبادل الرؤى للتحرك مُستقبلاً على ضوء نتائج مؤتمر برلين.

وأكد بيان ختامي للاجتماع رفض دول جوار ليبيا للتدخل الخارجي في ليبيا ومواصلة الدفع للتوصل إلى تسوية شاملة بالطرق السلمية والحلول السياسية لاستعادة الأمن والاستقرار في البلد الذي يعاني من الفوضى والصراع منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

hg
اتفاق بين الشيخ عبدالله بن زايد وصبري بوقادوم على قطع الطريق أمام أي تدخل خارجي في ليبيا

وبعد زيارة ناجحة الاثنين إلى الجزائر وصل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى تونس، حيث استقبله الرئيس قيس سعيد، مساء الاثنين، بقصر قرطاج.
وقال بيان للرئاسة التونسية إن اللقاء تناول العلاقات التاريخية المتينة بين البلدين وسبل مزيد دعمها وتطويرها خاصّة في مجال الاستثمار والتعاون الفني.
وتطرّق اللقاء إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدّمتها الأزمة الليبية، حيث تمّ التأكيد على أهميّة التنسيق والتعاون بين البلدين لإيجاد حلّ سلمي ينهي هذه الأزمة ويساهم في حقن دماء الشعب الليبي، وفق ما جاء في البيان.
وتمّ بحث سبل تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين الأخير ومن بينها ضرورة التزام مختلف الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار في إطار حلّ سياسي ليبي ليبي.

ويرى مراقبون إن زيارة الشيخ عبدالله بن زايد إلى الجزائر وتونس ولقائه بكل من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون والتونسي قيس سعيّد، تأتي في سياق قطع الطريق من قبل الدبلوماسية الإماراتية أمام الطموح المتنامي لأردوغان من أجل بسط هيمنته ونفوذها في شمال أفريقيا واعتبار هذه المنطقة بوابة لتنفيذ أجندته في أفريقيا.

وتبدي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماما لافتا بالتطورات المتسارعة في الجزء الغربي من المنطقة العربية، ولا تتوانى في بذل جهودها من أجل تحييد منطقة شمال أفريقيا عن الصراعات الإقليمية المتصاعدة، خاصة بعد التصعيد الذي يعيشه الملف الليبي بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية والاستراتيجية السائدة في المنطقة.

وتنسق أبوظبي ومع دول جوار ليبيا لمنع استنساخ أردوغان للحرب السورية في منطقة شمال أفريقيا وتحويلها لمنطقة نفوذ تركي قطري بمساعدة الجماعات الإسلامية التي ما انفكت الدوحة وأنقرة تستخدمها لتنفيذ مشروع الإسلام السياسي خدمة لأجنداتها.

وغرقت ليبيا في الفوضى منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي في 2011، ومنذ ذلك الحين كثفت تركيا وقطر من دعمها العسكري والمالي سرا للجماعات الإسلامية التي كونت ميليشيات استطاعت السيطرة على حكومة الوفاق في طرابلس لاستغلال اعتراف الأمم المتحدة بها.

وأدى تفاقم الفوضى في طرابلس بعد تنامي قوة السلاح الذي زودت تركيا به الميليشيات لدعم حكومة الوفاق، إلى خروج تلك المجموعات الإسلامية المتشددة المسلحة عن السيطرة، وهو ما دفع بالجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر للتدخل عسكريا منذ أبريل الماضي لاستعادة طرابلس من الإرهابيين.

ويرفض الجيش الوطني الليبي التدخل العسكري التركي السافر على الأراضي الليبية ويدعو ا إلى دحر الإرهابيين والميليشيات من ليبيا وليس التفاوض معهم وهي خطوات تؤيدها عدة دول أوروبية وعربية.

وجاء في مسودّة القرار التي قدمتها بريطانيا وما زالت موضع تفاوض في أروقة مجلس الأمن أنّ المشير خليفة حفتر  "يقرّ" نتائج القمّة الدولية التي عقدت في برلين و"يدعو جميع الدول الأعضاء إلى الامتثال التامّ لحظر الأسلحة المفروض" على ليبيا منذ 2011.

كذلك فإنّ المجلس "يدعو جميع الدول الأعضاء، مرة أخرى، إلى عدم التدخّل في النزاع أو اتخاذ تدابير تؤدّي إلى تفاقمه"، ويطالب طرفي النزاع "بالالتزام بوقف دائم لإطلاق النار"، بحسب النصّ.

وتنصّ مسودّة القرار أيضاً على وجوب "فصل القوات" المتحاربة وإرساء "تدابير لبناء الثقة" بين المعسكرين، وتطلب من الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيتريش تقديم اقتراحات بشأن الآليات الممكن اعتمادها لمراقبة وقف إطلاق النار بما في ذلك "مساهمات من منظمات إقليمية"، في إشارة ضمنية إلى الاتّحادين الأوروبي والأفريقي اللذين يمكن أن يرسلا طواقم لمراقبة الهدنة.

ودعمت الإمارات والجزائر ومصر خلال مشاركتهم في مؤتمر برلين إلى جانب 12 دولة، الحل السلمي في ليبيا ورفض التدخلات العسكرية الأجنبية في هذا البلد العربي والأفريقي لتفادي تصاعد التوترات فيها والتي قد يكون لها تداعيات أمنية خطيرة على المنطقة ستكون تركيا أكبر المستفيدين منها فيما سيكون الشعب الليبي الضحية الكبرى.