تحول نوعي في النضال الفلسطيني

ما يؤخر الفلسطينيين من القيام بملحمة التحرير واسترداد الأرض هو الانقسام وتعدد الآراء وتبعية الأطراف الفلسطينية الى أطراف خارجية وعدم وجود بديل مقنع للاحتلال.
يستطيع الفلسطينيون أن يحولوا حياة المستوطنين الى رعب دائم ويجبروهم على الرحيل
شاهدنا هبة الفلسطينيين في الضفة وأرض 1948 وكيف سيطروا على الموقف دون خسائر كبيرة

للمرة الأولى يحقق الفلسطينيون نصرا واضحا على إسرائيل، في برهان واضح على أن المقاومة الشعبية قادرة على أن تصنع ما لا تستطيع الجيوش أن تصنعه. فعندما هب الفلسطينيون هبة واحدة من شمال فلسطين الى جنوبها وشرقها الى غربها، ارتعد الصهاينة رعبا، وفزع الإسرائيليون الى الملاجئ، ولو يستمر هذا الزخم سيرحلون، لأنهم لم يأتوا الى فلسطين اضطرارا، بل كانوا معززين مكرمين في بلادهم يملكون العلم والمال والسيطرة على حكومات العالم، وقليل من الرعب سيجعلهم يعودون من حيث أتوا. فهم مترفون ولا قبل لهم بهذا العناء. وربما يصمد اليهود الأفارقة خوفا من الرجوع الى بلادهم الأصلية البائسة.

سامح الله حماس التي لو بقيت منتشرة في فلسطين لكانت أكثر فاعلية وجعلت حياة الصهاينة جحيما، فقد شاهدنا هبة الفلسطينيين في الضفة وأرض 1948 ماذا فعلوا وكيف سيطروا على الموقف دون خسائر كبيرة كالتي تعاني منها حماس الآن. وليست فلسطين هي الدولة الأولى التي تدحر المحتل بالمقاومة الشعبية، فقد سبقتها شعوب قاومت وألحقت الهزيمة بالمحتل في أفريقيا الجنوبية والهند وفيتنام والجزائر وغيرها من الشعوب، والفلسطينيون يقدرون تحقيق الكثير لو يستمرون بهذه الأعمال مجتمعة ومتزامنة.

إن ما يؤخر الفلسطينيين من القيام بهذه الملحمة للتحرير واسترداد الأرض هو الانقسام وتعدد الآراء وتبعية الأطراف الفلسطينية الى أطراف خارجية وعدم وجود بديل مقنع للاحتلال أي قيادة فلسطينية فاعلة تجعل الفلسطينيين واثقين من الهدف الذي يسعون الى تحقيقه، وهم قادرون وحدهم ودون إرشاد خارجي وقرارات خارجية، فالمستوطنات منتشرة في الأرض المحتلة ويستطيع الفلسطينيون أن يحولوا حياتهم الى رعب دائم ويجبروهم على الرحيل.

لقد أثبت الفلسطينيون أنهم ليسوا بحاجة الى ايران وتركيا وحتى العرب، فهم قادرون على التحرر كغيرهم من الشعوب، ولو يستمرون في كل أنحاء فلسطين فإن المحتل سيرحل.

إنه لأمر محزن أن يكون هؤلاء الأبطال منقسمين وغير متفقين على رؤية واحدة، وهو السبب الوحيد ولا سبب غيره يؤجل التحرير، فهم نوع نادر من البشر ذوي قلوب حارة وأدمغة متوقدة وقد تحملوا الحصار واخترعوا وابتكروا وتعايشوا مع أقسى الظروف ولم تخبُ لهم نار، ولكن تعدد الرؤى والمعتقدات والقيادات حال دون أن يظهر نقاء معدنهم.

إنه لأمر محزن أيضا أن يطالب العرب بالسماح لهم بمساعدة إخوتهم فلا يسمح لهم، وهم مستعدون بكافة فئاتهم للنضال والتخلص من هذا السرطان الذي طال ضرره العرب من الخليج الى المحيط. وهذه الحماسة ليست من فراغ، فهذا الجيل أفضل من جيلنا وكل يوم يبهرنا شاب بمحاضرة على اليوتيوب وهو يتحدث عن التاريخ وكيفية صناعته، فالجيل الجديد توفرت له قنوات المعرفة بشكل لم يكن ليتوفر لنا، وحين يصرون على الذهاب للنضال، فذلك لأنهم يعرفون جيدا أن المقاومة الشعبية قادرة على تحقيق ما لا تستطيع الجيوش أن تحققه.

إذا استطاع الفلسطينيون بحراكهم الموحد تحقيق النصر، فسوف ينقذون كل العرب، ومنع المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل كل الطامعين وسوف يبعثون العرب من قبورهم ويعطونهم قبلة الحياة ويحيونهم من جديد، ويرفعون هاماتهم واعتزازهم وفخرهم بقدراتهم ويجعلونهم يتفرغون للبناء والتنمية وتصويب الحوكمة في بلدانهم.

ليتهم يستمرون لإنقاذ العرب من حالة الضياع.