تدفق المال القطري على غزة يعمق الانقسام الفلسطيني

حماس تبدأ بصرف منحة مالية قطرية خصصت لدفع رواتب موظفين عيّنتهم خلال فترة إدارتها للقطاع في خطوة من شأنها تأجيج الخلافات الفلسطينية والتشويش على الجهود المصرية لإنهاء الانقسام.  

تدفق المال القطري لغزة عنوانه إنساني وهدفه سياسي
قطر تنسق مع إسرائيل حول غزة وتتجاهل السلطة الفلسطينية
العمادي أدخل الأموال في حقائب على طريقة الفدية في العراق دون تنسيق مع السلطة أو الأمم المتحدة

غزة - بدأ موظفون عيّنتهم حركة حماس خلال فترة إدارتها لقطاع غزة، بالحصول على المنحة المالية التي قدمتها قطر للحركة الإسلامية، في خطوة أخرى تجاهلت فيها السلطة الفلسطينية وفي الوقت الذي تواصل فيه مصر جهودها لتنفيذ اتفاق المصالحة بين حماس وفتح والذي يعد مفتاح إنهاء الانقسام الفلسطيني.

ويأتي تدفق المال القطري على قطاع غزة تحت عنوان دعم أهالي القطاع في مواجهة أزمة إنسانية آخذة في التفاقم بسبب الحصار الإسرائيلي وقطع الولايات المتحدة مساعدات مالية للفلسطينيين ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، إلا أنه لا يخلو من توظيف سياسي يستهدف بالأساس تعميق الانقسام السياسي كونه موجه لطرف دون آخر. كما أنه يشكل في نفس الوقت محاولة لضرب الجهود المصرية الرامية لحل الأزمة السياسية.

ورواتب الموظفين الذين عيّنتهم حماس طيلة فترة إدارتها للقطاع منذ 2007، نقطة خلافية في اتفاق المصالحة الذي رعته مصر وتعثر تنفيذه وسط اتهامات متبادلة بين حركة فتح والحركة الإسلامية.

وسبق أن أثارت قطر غضب السلطة الفلسطينية وحركة فتح بسبب شحنات وقود أدخلتها لقطاع غزة بالتنسيق مع إسرائيل والأمم المتحدة، في مبادرة عمّقت الخلافات الفلسطينية.

ومنذ ساعات الصباح الباكر اليوم الجمعة، تجمّع مئات الموظفين أمام فروع بنك البريد (حكومي) والتي يبلغ عددها 12 فرعا موزعين في محافظات قطاع غزة، لتلقّي مخصصاتهم المالية.

وقالت وزارة المالية بقطاع غزة في بيان اليوم الجمعة "إن الموظفين المستفيدين من المنحة ولم يستلموا دفعة راتب شهر يوليو/تموز الماضي (صرفت الأربعاء الماضي بنسبة 60 بالمئة)، سيتم منحهم راتب كامل اليوم".

وأضافت "من تقاضوا اليوم راتبا كاملا سيصرف لهم بواقع 50 بالمئة من نسبة راتبهم في الأشهر الخمسة القادمة".

ولفتت إلى أن الموظفين المستفيدين من المنحة وصرفوا لهم جزء من راتب شهر يوليو/تموز الماضي، سيتم استكمال صرف الراتب لهم بواقع 40 بالمئة على أن يتم صرف الأشهر الخمسة القادمة بنسبة 50  بالمئة".

وأشارت إلى أن الموظفين غير المستفيدين من المنحة سيتم الصرف لهم بواقع 60  بالمئة على مدار الستة شهور من الإيراد المحلي.

طوابير أمام المصارف لتسلم المنحة القطرية
طوابير أمام المصارف لتسلم المنحة القطرية

والأربعاء الماضي، صرفت مالية غزة للموظفين العموميون الذين عيّنتهم حركة حماس جزء من رواتبهم عن شهر يوليو/تموز الماضي بنسبة تصل إلى 60 بالمئة من إجمالي الراتب.

وتعتبر هذه النسبة من الراتب التي يتقاضاها هؤلاء الموظفين الأعلى منذ أكثر من عامين.

وعام 2016، قدّمت قطر منحة مالية قيمتها 31 مليون دولار لدفع رواتب الموظفين الحكوميين الذين عيّنهم حماس خلال فترة إدارتها للقطاع، من العاملين في القطاع المدني، دون الجهاز الأمني والعسكري، لشهر واحد فقط.

وقال مصدر في حماس إنّ سفير قطر لدى غزّة محمد العمادي جلب الأموال عبر معبر إيريز مساء الخميس في حدث يعدّ استثنائيا أن تسمح إسرائيل التي تسيطر على كل معابر القطاع ما عدا معبر رفح بتمرير الأموال التي نقلت على شكل أوراق نقدية في حقائب، وفق ما أفاد مصدر في الجانب الفلسطيني من المعبر.

وطريقة ادخال الأموال إلى غزة تشبه إلى حدّ ما واقعة سابقة شهدها العراق حيث أدخلت قطر مبلغا ماليا ضخما بطريقة غير قانونية لتسليمه إلى ميليشيا شيعية كفدية، ما أثار حينها غضب السلطات العراقية.

وفي حين لم يعلّق المسؤولون الإسرائيليون على الأمر ولم تكن العملية تحت رعاية الأمم المتحدة، بدا أنّ إدخال الأموال يندرج في إطار جهود قطرية موازية لتلك التي تبذلها مصر مع الأمم المتحدة عبر رعاية مفاوضات غير مباشرة بهدف إقرار تهدئة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل اللتين خاضتا ثلاث حروب منذ عام 2008.

وقتل 220 فلسطينيا على الأقل منذ نهاية مارس/اذار برصاص إسرائيلي لا سيما خلال صدامات على الحدود الشرقية وكذلك في غارات إسرائيلية ردا على إطلاق صواريخ من القطاع على بلدات إسرائيلية. وقتل جندي إسرائيلي برصاص قناص فلسطيني في الفترة نفسها.

وقطر التي لا تقول إنها لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل هي حليف قديم لحماس التي تصنّفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل "منظمة إرهابية".

وتبذل الدوحة دورا موازيا للدور المصري في جهود التهدئة. ووافقت برعاية الأمم المتحدة وبموافقة إسرائيل على أن تمول ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول وعلى مدى ستة أشهر وبقيمة ستين مليون دولار ثمن الوقود الإضافي اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة ممّا سمح بتخفيض ساعات انقطاع الكهرباء إلى أدنى مستوى منذ عدة سنوات.

لكن من غير المضمون أن تنجح جهود التهدئة التي تلقى معارضة لدى الجانبين ولا سيما السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا في رام الله والتي تخشى من تجاوزها ومن الاعتراف بسلطة حماس على غزة بحكم الأمر الواقع.

ويرسخ التدخل القطري مبدأ الفصل بين غزة والضفة الغربية والدفع لتأسيس كيان مستقل في القطاع عن سلطة رام الله.

وأثار إرسال أموال قطرية غضب السلطات في رام الله، إذ قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني "ليس هناك أي موافقة فلسطينية ولا من الأمم المتحدة على هذه الطريقة من إدخال الأموال إلى غزة".

وأضاف "لو كان هناك اتّفاق لدخلت الأموال بطريقة رسمية وليس حسب طريقة العصابات من خلال الشنط".

وقال مجدلاني المقرّب من عباس، إنّ "ما جرى من نقل أموال إلى قطاع غزة هو اتّفاق إسرائيلي-قطري-حمساوي، والهدف منه ضرب الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتسريع سيطرة حماس الكاملة على قطاع غزة".

وفي الجانب الإسرائيلي، قال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في السابق إنه لا يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى ترتيبات مع حماس.

وانتقد الخميس الموافقة على نقل أموال قطرية إلى غزة ووصفه بأنه "استسلام أمام الإرهاب" وفق ما نقلت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت.

حماس لم تذكر مجمل القيمة المالية للمنحة القطرية وكيفية وصولها لقطاع غزة أو عدد المستفيدين منها

وتصرف حركة حماس رواتب للموظفين الحكوميين بغزة، كل أكثر من شهرين بنسبة لا تتجاوز الـ40 بالمئة.

وعقب سيطرة حماس على غزة في 14 يونيو/حزيران 2007، عيّنت الحركة نحو 40 ألف موظف حكومي بهدف إدارة شؤون القطاع بعد مطالبة الحكومة الفلسطينية موظفيها بالاستنكاف عن الذهاب لأماكن عملهم حينها.

وينص اتفاق المصالحة الموقّع في أكتوبر/تشرين الأول على دفع الحكومة الفلسطينية رواتب موظفي حركة حماس في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقب الانتهاء من تمكينها بغزة، بحسب مسؤولين في حركة حماس، الأمر الذي لم يتم حتّى اليوم.

وتسبب ملف الموظفين في تعطل خطوات تنفيذ اتفاق المصالحة الأخير، حيث تتبادل حركتا فتح وحماس الاتهامات حول الجهة المسؤولية عن الجمود الحالي الحاصل في ملف إنهاء الانقسام.

ولم تذكر مالية غزة مجمل القيمة المالية للمنحة القطرية وكيفية وصولها لقطاع غزة أو عدد المستفيدين.

ومساء الخميس وصل رئيس اللجنة القطرية محمد العمادي لقطاع غزة عبر معبر بيت حانون (الذي تطلق عليه إسرائيل اسم معبر إيرز).

والثلاثاء الماضي، أعلنت اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، تقديم مساعدة نقدية عاجلة بقيمة 5 ملايين دولار لـ50 ألف أسرة في القطاع من ضمن المنحة الأميرية.

وفي نفس اليوم أعلنت 3 وزارات في غزة حزمة من المساعدات والمشاريع وصرف دفعة من رواتب موظفين حكوميين بالقطاع.