تراث حلب ينهض من بين الأنقاض بعد سقوط الأسد

مديرية الآثار والمتاحف تقود جهودا حثيثة للحفاظ على الطابع التاريخي الغني للمدينة القديمة.

حلب (سوريا) - تواصل مديرية الآثار والمتاحف بحلب عملها الدؤوب للحفاظ على التراث الغني لمدينة حلب القديمة، رغم التحديات الكبيرة التي تفرضها المخالفات، والأضرار التي لحقت بالبنية التاريخية.

وأتت المعارك في شوارع المدينة والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونسكو، لاسيما بين العامين 2012 و2016. وبعدما سيطرت فصائل المعارضة على المدينة في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، تبدو المدينة وكأنها تستعد للخروج من حالة الفوضى والتقاط أنفاسها رغم الدمار الكبير فيها.

وتحتضن مدينة حلب القديمة التي تمتد على مساحة 400 هكتار أبرز المعالم الأثرية مثل الأسواق القديمة، والأحياء التراثية، وقلعة حلب، وتركز المديرية على حماية هذه المعالم التي تعكس تاريخ المدينة الممتد لآلاف السنين.

وقال مدير مديرية الآثار والمتاحف بحلب منير القسقاس في تصريح للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) إنه منذ بدء التحرير تعمل المديرية على بذل المزيد من الجهود، حيث شكلت لجان تضم مهندسين وآثاريين ومراقبين لجرد وتوثيق التعديات على النسيج الأثري والمعالم التاريخية في حلب القديمة، وتنفيذ حملات لمعالجتها من خلال فريق عمل مشترك من شعبة المباني في المديرية، وشعبة المراقبة في مديرية المدينة القديمة بدعم ومؤازرة فريق وآليات من مجلس مدينة حلب، لضمان الحفاظ على الطابع التراثي للمدينة، ووضعها ضمن الإطار القانوني المناسب.

وتتوقف الأعمال في متحف حلب الوطني حاليا نتيجة وضع خطط جديدة لصيانته وتأهيله، حيث تأثر بشكل كبير بالحرب والزلزال الأخير، ما أدى إلى تدهور حالته الإنشائية.

وأكد القسقاس أن المديرية تبذل جهودا حثيثة للتنسيق مع الجهات المعنية والمنظمات الدولية، بهدف تأمين الدعم اللازم لإعادة تأهيل المتحف وافتتاحه مجددا، إلا أن تحديد موعد محدد لذلك ما زال غير ممكن.

ورغم ذلك، يبدو المتحف الوطني في حلب جاهزا لاستقبال زواره بعد شيء من أعمال الترميم، فالقذائف التي سقطت في محيطه أصابت بشكل أساسي باحته من دون أن تسبب ضررا كبيرا للمبنى نفسه. ومما نجا من سنوات الحرب والفوضى، الكنوز الأثرية التي يحويها المتحف، وهي تشهد على تسعة آلاف سنة من عمر البشريّة وعلى ظهور الكتابة في بلاد ما بين النهرين المجاورة.

وتلعب الأسواق القديمة دورا محوريا في هوية المدينة وتتطلب جهودا خاصة للحفاظ عليها وإعادة تأهيلها.

وتعمل مديرية الآثار والمتاحف بحلب على دراسة مختلف المقترحات المقدمة من قبل المنظمات المتخصصة بترميم الأسواق، لاختيار الأنسب منها، بهدف ضمان إعادة هذه الأسواق إلى الخدمة، والحفاظ على قيمتها التاريخية، وفق القسقاس.

وتروي جدران الأسواق القديمة في حلب، العابقة برائحة صابون الغار الحلبي الشهير، قصص المعارك العنيفة والقصف الذي حوّل مساحات منها إلى ركام ترتفع من ورائه قلعة حلب المهيبة الشاهدة هي الأخرى على صعود دول وسقوط أخرى على امتداد الزمن.

ولطالما اشتهرت حلب بأسواقها التجارية القديمة التي تعدّ من أقدم الأسواق في العالم، وتمتد من باب أنطاكية غربا حتى مدخل قلعة حلب شرقاً، على مساحة تفوق الـ160 ألف متر مربع تقريبا.

وفي سبتمبر/أيلول 2012، احترقت هذه الأسواق بسبب القصف، وهُدمت مئذنة الجامع الأموي القريب منها خلال المعارك. وتقدر منظمة اليونسكو أن نسبة ستين في المئة من المدينة القديمة تضررت ضررا جسيما، بينما دُمّرت نسبة ثلاثين في المئة منها بالكامل.

فقلعة حلب بما تحتويه من قاعة العرش، والأبواب الرئيسية، والمسجد الأيوبي، تحتاج هي الأخرى إلى ترميمٍ شاملٍ لضمان استعادتها لمكانتها كوجهةٍ سياحيةٍ بارزة، حيث تعمل المديرية على تنفيذ مشروعات ترميم كبيرة في القلعة، بهدف فتح أبوابها مجدداً أمام الزوار من جميع أنحاء العالم.

وأكدت مديرية الآثار والمتاحف في حلب استعدادها للتعاون مع مختلف الجهات والمؤسسات المهتمة بحماية التراث، للحفاظ على هذا الإرث التاريخي العظيم، من خلال مسؤولية مشتركة تتطلب جهودا محلية ودولية متواصلة.