ترامب حول وجهة المفاوضات مع طالبان لباكستان تجنبا للفخ القطري

أعضاء من المكتب السياسي لطالبان بالدوحة استأنفوا مفاوضات السلام مع مبعوث واشنطن في إسلام آباد برعاية الحكومة الباكستانية.
الدوحة عولت صلتها الوثيقة بالحركات المتشددة للظهور في ثوب المنقذ لواشنطن
ترامب تجنب التورط في اتفاق مفخخ أعدته قطر مع طالبان
الولايات المتحدة تجد في الجارة باكستان أفضل من يمكنه الضغط على طالبان
التحذيرات من الدور القطري المشبوه نجحت في ابعادها المفاوضات إلى باكستان

إسلام آباد - كشفت هجرة قيادات حركة طالبان الأفغانية لطاولات المفاوضات التي أشرفت عليها واحتضنتها الدوحة لرعاية عملية السلام في أفغانستان، عن فشل الدبلوماسية التي يعتمدها النظام القطري بحثا عن مكاسب تضمن له قبولا دوليا في وقت يعاني فيه من مقاطعة جيرانه الخليجيين.

ووصل وفد يضم 12 عضوًا من المكتب السياسي لطالبان بالدوحة، الأسبوع الماضي إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في أول زيارة يقوم بها وفد من الحركة الأفغانية المتشددة إلى هناك منذ أن أسسوا مكتبهم السياسي في قطر عام 2013.
كما اتجه المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد وفريقه إلى إسلام آباد في نفس الفترة أيضا لاستئناف مفاوضات السلام برعاية الحكومة الباكستانية هذه المرة.

وفي 7 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف المحادثات مع طالبان، حيث ألغى بشكل مفاجئ محادثات مع قادة طالبان في كامب ديفيد كان يعد لها بشكل سري، بعد أن أسفر هجوم للحركة المتشددة في كابول عن مقتل عشرات الأشخاص من بينهم جندي أميركي.

وقوبل وقف المحادثات من الجانب الأميركي بتهديد شديد اللهجة من طالبان التي حذرت واشنطن من أنها "ستعاني أكثر من أي طرف آخر" من عواقب القرار.

لكن التهديد لم يدم طويلا، حيث هرول قادة طالبان إلى إسلام آباد، بحثا عن استئناف للمفاوضات لكن بشروط أميركية تبدو أكثر صرامة هذه المرة بعيدا عن دوائر الدوحة التي كانت تمثل صمام أمان الحركة المتشددة لفرض هيمنتها على بنود ملف السلام.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال إن زلماي خليل زاد الذي تباحث مع نظرائه الدبلوماسيين الدوليين في نيويورك في أواخر سبتمبر الماضي، استقبل فعلا وفدا من طالبان في باكستان في وقت سابق من هذا الشهر للمرة الأولى منذ انهيار محادثات الدوحة، وكان على رأس الوفد نائب رئيس الحركة الملا عبد الغني بارادار.

وأوضحت الصحيفة الأميركية أن الاجتماع الأول بين الجانبان تطرق إلى "تدابير بناء الثقة التي يمكن أن تشمل تبادل الأسرى أو الحد من العنف" الذي لم تلتزم به طالبان خلال مفاوضات الدوحة.

وكان خليل زاد قد أجرى تسع جولات من المفاوضات مع طالبان في قطر لم تؤدي إلى نتائج ملموسة بسبب تعنت طالبان ومواصلة هجماتها الدموية ميدانيا ضد المدنيين والمؤسسات الحكومية والقوات الأجنبية في أفغانستان على حد سوى.

قطر التي تعاني من مقاطعة جيرانها منذ 2017 سعت بكل الطرق إلى إفشال مفاوضات سابقة لطالبان في السعودية والإمارات حتى تنفرد بالملف الأفغاني من خلال علاقتها المتينة مع الحركات الإرهابية

ويطرح هذا التحول في ملف عملية السلام في أفغانستان التي تهدف لإنهاء حرب دامت 18 عاما، أسئلة حول السبب الحقيقي الذي  اضطر واشنطن لتحويل وجهة المحادثات من الدوحة إلى باكستان خصوصا أن النظام القطري بدا متساهلا إلى أبعد حدود مع أعضاء طالبان الذي طالما وفرت لهم الدوحة المنابر الإعلامية والإقامة على أراضيها وفتح مجال الدبلوماسية الدولية أمامهم رغم سجل الحركة الدموي في أفغانستان والعالم.

يذكر أن قطر التي تعاني من مقاطعة فرضتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ 2017 بسبب دعمها للجماعات المتشددة والإرهابيين، سعت بكل الطرق إلى إفشال مفاوضات سابقة لطالبان في دول مجاورة لها منها السعودية والإمارات حتى تنفرد بالملف الأفغاني من خلال علاقتها المتينة مع الحركات الإرهابية.

ويثير حرص قطر على التأثير في عملية السلام الأفغانية شبهات عدة حول الدور الذي كانت تسعى إلى لعبه من خلال تقديم نفسها على أنها المنقذ الذي يمكن أن تعول عليه واشنطن للخروج من المستنقع الأفغاني، نظرا لصلتها الوثيقة بالحركات الإسلامية على غرار الإخوان وطالبان والقاعدة.

وأظهر نقل مباحثات السلام من الدوحة إلى إسلام آباد اخفاق النظام القطري في حصد مكاسب على الصعيد الدولي كان يسعى من خلالها إلى التغطية على عزلة الدولة الخليجية الصغيرة وتجاوز تأثيرات مقاطعة جيرانها.

وأول المتوجسين من هذا الدور الساعي لإعادة الحركة الأفغانية المتشددة لسدة الحكم، هي باكستان التي يراودها كابوس مزعج يمكن أن تعيشه مؤسساتها الأمنية بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.

وتتخوف إسلام آباد من عودة طالبان إلى الحكم في الدولة المجاورة ما سيمنح زخما كبيرا لشق الحركة الباكستاني لإرساء حكم رجعي سيشكل تحديا كبيرا أمام الجيش الباكستاني لصده.

وتطغى قبائل البشتون على طالبان الأفغانية والباكستانية وتربطهما علاقات أيديولوجية وتنظيمية وثيقة، وعلى الرغم من اختلاف التكتيك بينهما، تجمع الحركتان على هدف إرساء نسخة متشددة من الإسلام رغم الخلافات التي تطفوا بين قاداتها من حين إلى آخر.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الباكستانية في تصريح صحفي "لم يتم التوصل إلى أي قرار. حالة الجمود لا تزال قائمة، لكنها تعهدا بكسرها".
وتوقع المسؤول الباكستاني عقد اجتماع جديد هذا الأسبوع بعد أن يدرس الجانبان الموقف كلا على حدة على ضوء المناقشات الجديدة في الاجتماع الأول الذي عقد الجمعة.
وأكد أن الجانبين توصلا إلى مطالب جديدة، حيث طالبت واشنطن بوقف "شامل" لإطلاق النار وإدراج حكومة كابل في عملية السلام، شرطان أعربت طالبان مرارًا عن رفضهما.
ويقول مراقبون إن باكستان التي طالما كانت المأوى الآمن لأعضاء طالبان، تعي جيدا تأثيرها الاستراتيجي في الملف الأفغاني وهي أول وأقرب من يمكنه الضغط على الحركة الأفغانية لوقف العنف والالتزام بوعودها أكثر من قطر بكثير نظرا لمعرفتها الجيدة بتاريخها وتحركاتها.

 وقد أثبتت التجارب السابقة أنه لا توجد وسيلة واضحة تضمن وفاء طالبان بوعودها إلا إذا تمت محاصرة نفوذها إقليميا وهو ما يصعب على الدوحة تحقيقه لواشنطن وللمجتمع الأفغاني.

قادة
قادة طالبان كانوا يتحدثون من موقع قوة في الدوحة حيث مقر مكتبهم السياسي

وأكدت مصادر دبلوماسية أميركية أن قرار ترامب لم يكن هدفه منذ البداية إلغاء المباحثات مع طالبان، بل تجنب التورط في الاتفاق المفخخ الذي رعته قطر وتحسين شروطه.
وكشف لجوء واشنطن بنفسها إلى ممارسة المزيد من الضغط على طالبان من خلال وقف المفاوضات، فشل قطر في تقديم أي مساعدة للولايات المتحدة أو لفكرة السلام في أفغانستان، حيث أثبتت مراوغة الحركة المتشددة نوايا الدوحة الخفية للاستفادة من ذلك.

وقبل عام، أعطى ترامب الذي وعد بوضع حد لـ"الحروب التي لا تنتهي"، الضوء الأخضر لعقد هذه المفاوضات المباشرة غير المسبوقة مع طالبان، مقتنعا بضرورة سحب جنوده قبل خوضه انتخابات 2020، من نزاع كبّد الولايات المتحدة كلفة طائلة بالأرواح والأموال.

وبذلك يسعى الرئيس الأميركي إلى تجديد نفسه داخل البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، عن طريق التأكيد لناخبيه بأنه يعمل على "سحب بلاده من حروب الآخرين" كما فعل في سوريا مؤخرا، حيث يركز حاليا على اظهار نفسه في صورة الرئيس الذي يفي بالوعود التي قطعها أمام ناخبيه بإخراج بلاده من حروب الخارج التي وصفها بـ"العبثية".

لكن قرار ترامب أثار مخاوف كبيرة لدى سياسيين أميركيين وحتى من مستشاريه من أن توقع واشنطن "اتفاقا سيئا" سعيا منه لتسريع الأمور قبل خوض حملته الانتخابية، ما سيؤدي إلى انزلاق أفغانستان إلى حرب أهلية تعيد حكم طالبان المتشدد.

وحذر عدد من السفراء الأميركيين السابقين في أفغانستان من انسحاب عسكري تام قبل إحلال السلام فعليا في البلاد في وقت واصلت فيه طالبان القتال على الميدان تزامنا مع حضورها مفاوضات السلام في الدوحة، وهو ما قوض فرص وثوق واشنطن والمجتمع الدولي في الوعود التي تقدمها خلال المحادثات التي ترعاها قطر.

وكان وليد فارس المستشار السابق لترامب من أبرز الذين توجسوا من الدور القطري في عملية السلام الأفغانية، حيث حذر في آب/ أغسطس الماضي الإدارة الأميركية من مواصلة محادثاتها مع طالبان في الدوحة، التي شدد على عدم نسيان سجلها في دعم الإرهابيين وما يمثله ذلك من خطر على عملية السلام في أفغانستان.

وفي مقال نشرته صحيفة "صنداي غارديان لايف " الهندية تحت عنوان "لا لتسليم أفغانستان مرة أخرى إلى طالبان"، قال فارس إن على واشنطن منع مشاركة مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين في قطر في مثل هذه المحادثات".

وحذر الأكاديمي الأميركي ذو الأصول اللبنانية من الدور المشبوه الذي تلعبه قطر في عملية السلام الأفغانية، مشيرا إلى أن الهدف هو في الواقع طريقة ملتوية لإعادة طالبان إلى كابول عبر بوابة قطر التي أصبحت رعايتها للإرهاب والتنظيمات المتطرفة مفضوحة أمام العالم.

وقال فارس إن على الولايات المتحدة عدم الانسياق وراء المحاولات التي تقوم بها الدوحة وقناة الجزيرة لتبييض سجل الحركة الأفغانية الإرهابي، وإدعائها القدرة في المساعدة على محاربة الإرهاب في أفغانستان.