ترتيبات لعقد أول لقاء بين بايدن والأمير محمد

شبكة سي ان ان الأميركية تنقل عن عدة مصادر تأكيدها وجود محادثات بين مسؤولين أميركيين وسعوديين لعقد لقاء في الخارج بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي ربما الشهر المقبل.

واشنطن - يجري مسؤولون أميركيون محادثات مع نظرائهم السعوديين لترتيب عقد لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الخارج الشهر المقبل سيكون الأول بين الزعيمين، وفق ما ذكرت شبكة 'سي.إن.إن' الإخبارية الأميركية اليوم الخميس نقلا عن عدة مصادر.

وتأتي هذه المعلومات وسط فتور في العلاقات الأميركية السعودية منذ تولي بايدن الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2020 وتفاقم التوتر بين البلدين على وقع التعاطي الأميركي الموجه والسلبي مع قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.  

وليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها أنباء عن جهود أميركية لعقد لقاء قمة بين بايدن والأمير محمد، فقد سبق أن زار مستشارون في الإدارة الديمقراطية الرياض للغرض نفسه، بينما ذكرت تقارير سابقة أن عدم تعامل الرئيس الأميركي مع ولي العهد منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة يعد خطأ يسيء للعلاقات الإستراتيجية ليس على العلاقات بين أميركا والمملكة فحسب بل أيضا للعلاقات الأميركية الخليجية.

وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب قرارات بايدن العام الماضي تقليص الدعم الأميركي للحملة العسكرية التي تقودها المملكة في اليمن ونشر معلومات مخابراتية تفيد بأن ولي العهد السعودي وافق على عملية للقبض على الصحفي جمال خاشقجي أو قتله عام 2018.

وكانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي اي ايه) نشرت تقريرا في هذا الشأن كان مركزا على تشويه صورة ولي العهد السعودي من خلال الزج باسمه في جريمة مقتل خاشقجي من خلال استنتاجات.

وانتقدت أوساط في الولايات المتحدة وخبراء أمن غربيون حينها تقرير 'سي اي ايه' باعتبار أنه تقرير لا يستند لوقائع دقيقة ولا أدلة بل لمجرد استنتاجات معظمها وردت في تقارير إعلامية موجه للإساءة للسعودية ولدورها الإقليمي.

وأشار هؤلاء إلى أنه لا يجوز للوكالة أن تعتمد على مجرد استنتاجات توجيهها عمدا للزج باسم الأمير محمد في الجريمة التي تعاطت معها المملكة في إطارها القانوني كجناية واعتقلت المشتبه بهم في ارتكابها وإحالتهم للقضاء في محاكمات حضرها مراقبون أجانب.   

وكان ولي العهد السعودي قد تحدث مطولا في مقابلة مع مجلة اتلانتيك الشهرية بكل وضوح حول عدة قضايا بما في ذلك ما إذا كان بايدن يسيء فهم أمور تخصه.

ورد حينها بالقول "ببساطة لا أهتم"، مضيفا أن الأمر يرجع لبايدن "في التفكير في مصالح أميركا" وأنه ينبغي للبلدين ألا يتدخلا في الشؤون الداخلية لبعضهما. وقال "ليس لنا الحق في أن نعطيكم محاضرات في أميركا... ونفس الشيء بالنسبة لكم".

وأشار كذلك في تصريحات منفصلة نقلتها وكالة الأنباء الرسمية في السعودية إلى أن بلاده قد تختار تقليص استثماراتها في الولايات المتحدة.

ومنذ تولي الديمقراطي جو بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني 2021، تعرضت العلاقة الإستراتيجية القائمة منذ فترة طويلة بين السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم وواشنطن لضغوط خاصة في ما يتعلق بالحرب في اليمن ومقتل خاشقجي.

ليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها أنباء عن جهود أميركية لعقد لقاء قمة بين بايدن والأمير محمد، فقد سبق أن زار مستشارون في الإدارة الديمقراطية الرياض للغرض نفسه

 

وقال الأمير محمد للمجلة إنه شعر بأن حقوقه هو انتهكت باتهامه في ما يتعلق بالقتل الوحشي وتقطيع جثة خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية السعودية في إسطنبول.

وتابع "أشعر أن قانون حقوق الإنسان لم يطبق معي... البند 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

وتسبب المزاعم والادعاءات التي رافقت مقتل خاشقجي في تشويه الصورة الإصلاحية التي كان ولي العهد يحاول يرسمها لنفسه في الغرب. وكان قد سعى لإعادة التركيز على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي ينفذها ليحقق انفتاح بلاده وتنويع مصادر اقتصادها وعدم الاعتماد على النفط فقط في الخطة الطموحة المعروفة باسم 'رؤية السعودية 2030'.

وبدا واضحا منذ البداية أن كل تلك المزاعم بما فيها ما ورد في تقرير 'سي اي ايه' موجه ومركز على شخص الأمير محمد، لكن التعامل السعودي الهادئ مع القضية بدد كل محاولات الإساءة لشخصه وللمملكة بما فيها تلك الحملة التي قادتها تركيا في البداية والتي عادت أخيرا عن مزاعمها وقررت رفع يدها عن ملف خاشقجي وإعادة تطبيع العلاقات مع الرياض.

ورغم إعلان واشنطن دعمها للسعودية وإدانتها للهجمات الإرهابية الحوثية على أهداف مدنية واقتصادية في المملكة بصواريخ ومسيّرات إيرانية الصنع، إلا أن الموقف الأميركي لم يرق إلى حجم التهديدات التي تمثلها تلك الهجمات وافتقد، وفق محللين للحزم المطلوب وهو موقف أغضب الرياض وأيضا الإمارات التي تعرضت بدوره لهجوم حوثي إرهابي في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.

متغيرات جيوسياسية

والجهود الجارية لعقد لقاء بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي التي لم تعلن عنها واشنطن ولا الرياض، تأتي مدفوعة بالمتغيرات الجيوسياسية الأخيرة على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا والمساعي الأميركية لتشكيل جبهة قوية في مواجهة روسيا والحشد لإضعافها من خلال عقوبات قاسية.

وتصطدم الجهود الأميركية بتعقيدات اقتصادية خاصة في ما يتعلق بحظر واردات الغاز والنفط من روسيا وهي من كبار مزودي دول الاتحاد الأوروبي بالطاقة. وإذا كان أثر العقوبات على الروس محدودا بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن أثرها على الدول الأوروبية اقتصاديا وسياسيا سيكون قاسيا، فاقتصاديا تبدو كلفة التخلي عن التبعية لروسيا مكلفة جدا لجهة إيجاد بدائل وهذا يتطلب إنشاء بنية طاقة تحتية جديدة وهو أمر يتطلب وقتا طويلا وتمويلات ضخمة.

أما سياسيا فقرار التخلي التدريجي على الطاقة من روسيا فجر انقسامات وخلافات حادة بين دول الاتحاد الأوروبي، ما ينذر بمتاعب إضافية للتكتل الذي يكابد في تعزيز وحدته خاصة بعد انفصال بريطانيا.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي قد عدلت بوصلتها باتجاه مصادر بديلة من الخليج وتحديدا من السعودية والإمارات وطالبت علنا البلدين الخليجين الحليفين بضخ المزيد من النفط لمواجهة الأسعار التي بلغت مستويات قياسية بين 100 و115 دولارا.

العلاقة الإستراتيجية القائمة منذ فترة طويلة بين السعودية وأميركا تعرضت في عهد بايدن لضغوط خاصة في ما يتعلق بالحرب في اليمن ومقتل خاشقجي

لكن الرياض وأبوظبي العضوان الكبيران في أوبك وفي تحالف أوبك بلس الذي نشأ في 2016 ويضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضوا في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) و10 منتجين من خارجها بقيادة روسيا، أعلنتا رفضهما زيادة الإنتاج.

وبمقدور السعودية والإمارات ضخ نحو 2.5 مليون برميل نفط يوميا، لكن حتى هذه الشحنات لا تغطي الفجوة التي ستحدث في حال حظر النفط الروسي أو قطع موسكو إمداداتها من الطاقة لأوروبا والعالم.

وتقول منظمة أوبك من جهتها إنها لن تخوض حربا ليست حربها وأن ارتفاع أسعار النفط والغاز ليس بسبب الخلل في العرض والطلب بل عائد للاضطرابات الجيوسياسية، متمسكة باتفاق تحالف أوبك+ القائم على زيادة تدريجية للإنتاج والخاضع بدوره لتقييم التطورات في سوق النفط وهو أمر أكدته الريا وموسكو.

وفي تلك الفترة التي طالبت فيها واشنطن السعودية والإمارات بزيادة الإنتاج، جرت اتصالات على أعلى مستوى بين الدولتين الخليجيتين وروسيا.

وفي الفترة الأخيرة أثار مشرعون أميركيون مجددا قانون 'نوبك' في الكونغرس الأميركي وسط دفع للمصادقة عليه وهو قانون يتيح مقاضاة أوبك بتهمة الاحتكار بينما تحركه دوافع سياسية بالأساس في علاقة برفض منظمة أوبك التي تقودها السعودية ضخ المزيد من النفط في الأسواق لكبح اضطرابات الأسعار وأيضا لإضعاف الموقف الروسي.

وطرحت هذه التحديات نقاشات في البيت الأبيض ودفعت مستشاري الاقتصاد والأمن لإقناع الرئيس الأميركي بضرورة التعاطي بموضوعية مع السعودية ومع ولي العهد الأمير محمد.

ويفسر تبدل الموقف الأميركي والمساعي لترطيب الأجواء بين واشنطن والرياض، إيفاد الإدارة الأميركية مسؤولين على قدر من الأهمية للمملكة في الفترة الماضية لمناقشة وترتيب لقاء بين بايدن والأمير محمد.