تركيا تبدأ محاكمة صحفيين كشفوا نشاطها العسكري في ليبيا

سبعة صحفيين وموظف حكومي يواجهون اتهامات تتعلق بتغطيتهم جنازة عناصر بجهاز الاستخبارات التركي قتلوا في ليبيا كما قاموا بكشف هوياتهم.
منظمات دولية تطالب أنقرة بالتوقف عن ملاحقة الصحفيين
الحكومة التركية تسترت في البداية عن تدخلها العسكري في ليبيا
أردوغان استغل أزمة كورونا لاعتقال معارضيه من صحفيين ونشطاء وسياسيين

إسطنبول - بدأت تركيا اليوم الأربعاء محاكمة ستة صحافيين، بعد ثلاثة أشهر من احتجازهم لاتهامهم بالكشف عن وثائق سرية متعلقة بمقتل عناصر استخباراتية تركية في ليبيا، في وقت طالبت فيه لجنة حماية الصحفيين الدولية أنقرة بالتوقف عن ملاحقة الصحفيين وضمان اتخاذ تدابير السلامة اللازمة للمحاكمات في تركيا.

ويواجه سبعة صحفيين وموظف حكومي اتهامات تتعلق بتغطيتهم جنازة عناصر بجهاز الاستخبارات الوطني، يتردد أنهم قتلوا في ليبيا كما قاموا بكشف هوياتهم.

وجرى احتجاز ستة صحفيين منذ بداية شهر مارس الماضي، والسابع متواجد في ألمانيا ويجرى محاكمته غيابيا. والموظف الحكومي ليس محتجزا.

ووفقا للائحة الاتهام يسعى الادعاء لحبس الصحفيين لمدة تصل إلى 10 أعوام "لانتهاكهم قوانين الاستخبارات".

وفي شهر مارس الماضي، اعتقلت الشرطة التركية الصحفي باريش ترك أوغلو، مدير الأخبار في "أودا تي في"، بسبب تقرير عن تشييع جنازة أحد أفراد جهاز المخابرات التركي الذي توفي في ليبيا.

وعرضت محطة "أودا تي في" اللقطات الجنازة في مقاطعة مانيسا الغربية، قائلة إن مراسم الدفن جرت بصمت، دون مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى، كما هو شائع في المؤسسات العسكرية والأمنية التركية.

وأصدرت السلطات التركية مذكرة توقيف بحق ترك أوغلو لفضحه هوية المسؤول التركي في الاستخبارات الذي توفي في ليبيا وأرسلته أنقرة خلال تدخلها العسكري لدعم حكومة الوفاق في طرابلس. لكن في الواقع حسب ما قالت قناة "أودا تي في"في فإن هوية عضو الاستخبارات التركية قد كشفت من قبل نائب حزب الصالح المعارض أوميت أوزداي في مؤتمر صحفي في البرلمان تم بثه عبر الإنترنت.

وكانت وكالة الأنباء التركية الرسمية ذكرت قبل أيام أن محكمة تركية قضت بسجن الصحفية البارزة ميسر يلدز، وهي مديرة تحرير أخبار أنقرة في بوابة أودا تي. في"، إلى حين محاكمتها بتهمة "التجسس العسكري والسياسي".

وأضافت أن السلطات أطقلت سراح إسماعيل دوكل ممثل قناة (تيلي 1) في أنقرة، الذي اعتُقل أيضا مع يلدز واستُجوب. وقالت كذلك إن ظابطا بالجيش كان قد احتجز معهما وسُجن أيضا دون ذكر تفاصيل.

كما يواجه الصحفيون مراد أجيريل الذي يعمل فنيا في صحيفة "يني تشاج"، وإرك أجارير، وهو كاتب عمود في صحيفة "بيرجون" ذات الاتجاه اليساري، تهما بالكشف عن هوية مسؤول المخابرات على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما اتهمت المحكمة إرين إيكينشي، وهو موظف في البلدية التي جرت فيها جنازة ضابط المخابرات، بتقديم معلومات إلى مراسل "أودا تي في".

وتجمع الأربعاء مواطنون أتراك للاحتجاج أمام المحكمة في إسطنبول للتعبير عن تضامنهم مع الصحفيين ورفض الممارسات القمعية التي تنتهجها الحكومة ضد حرية التعبير في البلاد.

وتكتمت السلطات التركية بشدة عن هوية وعدد المسؤولين في الجيش والاستخبارات الذين أرسلوا إلى ليبيا للإشراف على نقل شحنات الأسلحة لحكومة فائز السراج، إلى أن فضحت تقارير إعلامية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عملية دفن سرية لجثة عقيد في الجيش قتل في طرابلس.

وتحدثت مصادر تركية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل العقيد وجنود أتراك في ليبيا، إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم نفت ذلك مرارا إلى حين أن اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه ولأول مرة في فبراير الماضي بأن الجنود الأتراك يقاتلون فعلا في ليبيا.

بي
سياسات القمع تتزايد ضد أبسط الحريات في تركيا

ومع أزمة انتشار فيروس كورونا وانشغال العالم بالتصدي للجائحة استغلت تركيا الفرصة للتضييق على الصحافيين والمعارضين لسياسات أردوغان وشنت حملة تطهير ضدهم انتهت بهم في السجون.

وكشفت منظمة 'هيومن رايتس ووتش' في أبريل الماضي أن تركيا تسعى مستغلة إجراءات الحد من آثار تفشي فيروس كورونا على أراضيها، لتمرير مشروع قانون يفرض قيودا على أكبر وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، في خطوة لاستكمال ممارسات أنقرة في تتبع مواطنيها واعتقالهم بسبب انتقاداتهم لسوء سياسات الحكومة في إدارة الأزمات.

وقالت المنظمة الحقوقية الدولية إن "تركيا تستغل وباء كورونا للدفع بمشروع قانون يفرض سيطرة أكبر على مواقع تويتر وفيسبوك وغيرهما من شبكات التواصل الاجتماعي".

وأمس الثلاثاء، قالت لجنة حماية الصحفيين إن على تركيا إيقاف محاكمتها للصحفيين وأن تضمن حماية أكثر من 12 مستحق أمام المحكمة في الأيام القادمة من فيروس كوفيد 19.  

وقال غولنوزا سعيد، منسق برنامج أوروبا وآسيا الوسطى للجنة حماية الصحفيين "إن العدد الهائل من المحاكمات التي تستهدف الصحفيين الأتراك يظهر ازدراء السلطات وعداءها تجاه وسائل الإعلام".

وأضاف أن "هذا الوضع غير مقبول أكثر خلال وباء الفيروس التاجي". 

وكان وزير العدل التركي عبدالحميد غول قد أعلن في 16 يونيو أن المحاكمات ستستأنف في البلاد بعد تعليق دام ثلاثة أشهر بسبب وباء كوفيد 19.

وبعد يوم فقط من إعلان غول، حكمت محكمة في مدينة ديار بكر بجنوب شرق تركيا على بريتان جانوزر، مراسلة موقع جين نيوز الإخباري المؤيد للأكراد، بالسجن لمدة عام واحد، بسبب قيامها بدعاية لمنظمة إرهابية في منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لتقارير صحفية محلية.

وفي اليوم نفسه، برأ قاضٍ في المدينة سميحة ألانكوش محررة الحياة الجديدة بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية.

وقال سعيد "يجب على السلطات التركية التوقف عن محاكمة الصحفيين بسبب تقاريرهم"، مضيف أنه "إذا لم يسقطوا التهم الموجهة لهم ضد الصحافة، فيجب عليهم على الأقل ضمان حضور الصحفيين بأمان".

وقالت لجنة حماية الصحفيين نقلا عن تقارير إخبارية إن محاكمات ستة صحفيين لتورطهم المزعوم في جماعة إرهابية ستستأنف. وقالت إن الإجراءات القانونية مستمرة منذ ثلاث سنوات.

كما يحاكم غيابيا العديد من الصحفيين الأتراك بعد فرارهم من البلاد بعد انقلاب عسكري فاشل في يوليو 2016. ومن بين الصحفيين في الخارج الصحفي التركي الألماني دنيز يوجيل، الذي يعيش في ألمانيا، والذي تمّ تأجيل محاكمته إلى وقت لاحق الشهر المقبل. وقال القاضي إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لدراسة مرافعات الدفاع، بعد أن قدم فيصل أوك، محامي يوجيل، مرافعاته النهائية.

ومن المقرر أن تعقد الجلسة القادمة في 16 يوليو المقبل.

ويتهم يوجيل بنشر دعاية إرهابية لصالح حزب العمال الكردستاني المحظور وإشاعة الفتنة.

وقالت لجنة حماية الصحفيين إنها أرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى وزارة العدل التركية للتعليق عليه، لكنها لم تتلق ردًا.

يذكر أنّ تركيا أصبحت واحدة من أبرز الدول التي تعتقل الصحفيين في العالم، وتوصف بأنّها سجن للصحفيين في عهد أردوغان وحزبه.

وكان المعهد الدولي للصحافة ومقره فيينا قد قال في بيانات سابقة إن تركيا تعد حاليا الأكثر سجنا للصحفيين في العالم بعدد قياسي تجاوز 120 شخصا، كما أن وضع الإعلام لم يتحسن رغم إنهاء حالة الطوارئ.

وأوضح المعهد الدولي للصحافة في تقرير له أنه منذ محاولة الانقلاب واجه مئات الصحفيين محاكمات لتهم معظمها مرتبط بـ"الإرهاب".

وأضاف أن وراء هذه الأرقام تكمن قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية ويُحتجز عشرات الصحفيين شهورا وأحيانا سنوات قيد المحاكمة في أخطر التهم ذات الصلة بالإرهاب، وفي كثير من القضايا دون اتهام رسمي.