تركيا تبقي الأضواء على قضية خاشقجي للتعتيم على أزمتها

أنقرة تنتقل من مرحلة التسريبات في قضية مقتل خاشقجي لوسائل إعلام المحور التركي القطري إلى مرحلة التصعيد العلني إزاء السعودية في استثمار سياسي واقتصادي لقضية إنسانية تذهب فيها تركيا إلى أبعد من كشف الحقيقة.
اردوغان لا يدخر جهدا في محاولات تفكيك عزلة قطر
التركيز على مقتل خاشقجي يبعد الأضواء عن الممارسات القمعية في تركيا
أنقرة توظف القضية الإنسانية لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية
الادعاء التركي يؤكد مقتل خاشقجي خنقا

اسطنبول - راوحت تركيا تعاملها مع قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول بين التهدئة والتصعيد، مطلقة إشارات متضاربة حول مسار هذه القضية الإنسانية في الوقت الذي أبدت فيه الرياض استعدادها التام للتعاون في التحقيق حتى كشف حقيقة وملابسات الجريمة ومحاسبة المتورطين فيها والمقصرين أيضا.

وانتقلت أنقرة من مرحلة التسريبات لوسائل إعلام المحور التركي القطري، إلى مرحلة التصعيد العلني إزاء السعودية فيما يبدو استثمارا وتوظيفا سياسيا لقضية مقتل خاشقجي واستخدامها كورقة مساومة للاستفادة منها اقتصاديا وسياسيا على الصعيدين المحلي والإقليمي.

ويدفع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نحو تفكيك عزلة حليفه القطري منذ أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة الدوحة في يونيو/حزيران 2017 لتورطها في دعم وتمويل الإرهاب. وتسعى أنقرة على ما يبدو لاستثمار قضية مقتل خاشقجي لإخراج قطر من ورطتها.

التصعيد التركي في قضية مقتل خاشقجي يستهدف فك عزلة قطر
اردوغان يستخدم قضية مقتل خاشقجي كورقة ضغط لفك عزلة حليفه القطري

واللافت أن تركيا اختارت التصعيد في هذه المرحلة بدلا من تكثيف التعاون مع الجانب السعودي، ما يبقي كل الأضواء مسلطة على قضية مقتل خاشقجي والهاء الداخل التركي عن الأزمة الداخلية الاقتصادية والسياسية.

كما أن إبقاء الأضواء مسلطة فقط على قضية خاشقجي وحرص تركيا على تضخيم الوقائع دون تقديم أدلة واضحة وملموسة على مزاعمها، يبقي الأضواء بعيدة عن الممارسات القمعية وخطط التفرد بالسلطة والتورط التركي في المستنقع السوري وغيرها من الأزمات التي باتت تثقل كاهل الرئيس التركي.

ويبدو واضحا في هذه المرحلة أن التعامل السعودي الهادئ والقانوني مع الجريمة أربك الحسابات التركية بداية باعتقال الرياض المشتبه بتورطهم في مقتل خاشقجي وإقالة مسؤولين والتعهد بمحاسبة كل من تثبت صلته بقضية الحال منفذا كان أم مقصرا وانتهاء بتعهد رسمي من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد باستمرار التحقيقات والتعاون مع الجانب التركي حتى كشف ملابسات الجريمة.

وفي أحدث تطورات الملف، شككت تركيا الأربعاء بإرادة الرياض في "التعاون بصدق" في التحقيق لعدم تقديمها أجوبة كافية حول الجهة التي أمرت بتنفيذ القتل ومكان إخفاء الجثة.

ويأتي التصعيد التركي بينما قالت قناة إن.تي.في التركية اليوم الأربعاء إن النائب العام السعودي سعود المعجب استكمل تحرياته في تركيا وفي طريقه لمطار أتاتورك في اسطنبول بعد ثلاثة أيام من المحادثات مع مسؤولين أتراك بخصوص قضية مقتل خاشقجي.

وأجرى المعجب تحريات في القنصلية السعودية باسطنبول حيث قتل الصحافي البارز هذا الشهر وعقد اجتماعات مع نظيره التركي ومسؤولي مخابرات أتراك.

وأكد مسؤول تركي كبير اشترط عدم الكشف عن اسمه أن المسؤولين السعوديين بدوا "مهتمين خصوصا بالحصول على الأدلة التي نملكها ضد مرتكبي الجريمة"، مضيفا "لم نشعر أنهم حريصون على التعاون بصدق في التحقيق".

والاهتمام السعودي بالحصول على أدلة من المسؤولين الأتراك لا يعني بأي حال من الأحوال عدم التعاون في التحقيق، فمثلما يجري المحققون الأتراك تحرياتهم فإن من حق المحققين والمسؤولين السعوديين أيضا الحصول على أدلة حتى يستوفي التحقيق كل جوانبه على طريق كشف ملابسات الجريمة كاملة.

وبالفعل اعتقلت الرياض 18 متهما بالتورط في مقتل خاشقجي وأوقفت ستة مسؤولين، معلنة الاستمرار في التحقيقات والتعاون أيضا مع الجانب التركي، لكن يبدو أن تركيا تميل بشدة لاستثمار القضية الإنسانية واستخدامها كورقة ضغط على السعودية ضمن حسابات سياسية وفي مسار يذهب إلى أبعد من كشف الحقيقة إلى الابتزاز والمساومة.

ولم يُعثر على جثة الصحافي بعد. وقال مسؤولون سعوديون لوسائل إعلام أميركية بعد اعتراف الرياض بحصول الجريمة، إن "الجثة سُلّمت إلى متعاون محلّي".

وتابع المسؤول التركي "طلبنا من المسؤولين السعوديين معلومات حول مكان وجود جثة جمال خاشقجي وهوية الشريك المحلي المزعوم"، مكررا طلب أنقرة تسليمها المشتبه بهم الـ18 الموقوفين في السعودية "كي يحاسبوا على أفعالهم".

والطلب التركي يخالف اتفاقية فيينا المتعلقة للعلاقات الدبلوماسية الموقعة عام 1961، حيث أن جريمة مقتل خاشقجي تم داخل القنصلية السعودية باسطنبول ما يعني أنها تمت على أراض سعودية وبالتالي فإن محاكمة المتهمين تتم وفق للقانون السعودي وداخل المملكة.

وعلى تركيا التعاون في التحقيق كونها تتحمل أيضا المسؤولية عن مقتل خاشقجي وكونها المسؤولة عن أمنه وعن أمن البعثات الدبلوماسية.

لا حديث عن الممارسات الاستبدادية في تركيا منذ مقتل خاشقجي
أضواء الاعلام المحلي والدولي لم تعد مسلطة على حملات الاعتقالات وقمع الحريات في تركيا منذ مقتل خاشقجي

وليل الثلاثاء الأربعاء، زار النائب العام السعودي الموجود في تركيا منذ الأحد في إطار التحقيق، مكتب جهاز الاستخبارات التركية في اسطنبول، بحسب وكالة أنباء "دوغان" التركية الخاصة.

وبعد انتهاء محادثاته في تركيا حيث التقى مرتين مدعي عام اسطنبول عرفان فيدان وزار القنصلية السعودية، توجه معجب إلى مطار أتاتورك بعيد الظهر لمغادرة تركيا، بحسب تلفزيون "تي آر تي" العام التركي.

وقال مكتب النائب العام في اسطنبول اليوم الأربعاء إن الصاحفي جمال خاشقجي قُتل خنقا بمجرد دخوله القنصلية السعودية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول في عملية جرى التخطيط لها مسبقا قبل نحو أربعة أسابيع وإنه تم تقطيع أوصاله بعد ذلك والتخلص منها، مضيفا في بيان بعد محادثات على مدى يومين مع نظيره السعودي أنه لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة في تلك الاجتماعات.

وقال مكتب النائب العام في اسطنبول في بيان بخصوص المحادثات التي جرت يومي الاثنين والثلاثاء بين المعجب والنائب العام في اسطنبول عرفان فيدان "برغم جهودنا حسنة النية لكشف الحقيقة، لم تتمخض تلك الاجتماعات عن نتائج ملموسة".

وحثّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الثلاثاء النائب العام السعودي على تحديد من أصدر الأمر بالقتل.

واتّهم الصحافي عبدالقادر سيلفي الذي يتم رصد مقالاته في صحيفة "حرييت" التركية اليومية والمقرب من السلطات، الأربعاء النائب العام السعودي بالسعي لحماية ولي العهد محمد بن سلمان.

تركيا حرصت على ابقاء الأضواء مسلطة فقط على قضية خاشقجي
تركيا حرصت على ابقاء الأضواء مسلطة فقط على قضية خاشقجي

ومنذ البداية زجت وسائل الاعلام المقربة من المحور التركي القطري باسم ولي العهد السعودي في قضية مقتل خاشقجي لترسيخ فكرة مسؤوليته عما حدث مع أن السعودية نفت نفيا قاطعا أن يكون قد علم بما حدث.

لكن وسائل الإعلام التركية القطرية حرصت على توجيه مسار القضية برمتها في هذا الاتجاه في حملة مغرضة.

ويرى الصحافي المقرب من الحكومة التركية أن النائب العام يعرف مكان وجود جثة خاشقجي وقد "أخفى" هذه المعلومة عن نظرائه الأتراك. وكتب سلفي "النائب العام يعمل من أجل إنقاذ ولي العهد (السعودي) عبر التلاعب بالتحقيق بدلا من إلقاء الضوء على هذه الجريمة".

وسبق أن أعلنت السعودية على لسان كبار مسؤوليها علمها بمكان جثة خاشقجي، مؤكدة على ضرورة استمرار التحقيقات والتعاون بين الجانبين لكشف ملابسات الجريمة.

ومن أبجديات التعاون في مثل هذه الجرائم التكتم على مجريات التحقيق ووقف التسريبات الإعلامية وهو أمر لم تلتزم به تركيا مقابل تمسك الرياض بالمعالجة الهادئة للقضية.