تركيا تستميل الحريري وعينها على إخوان لبنان

بالمنطق السياسي يفترض أن تناقش مسائل الدعم التركي وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع رئيس الحكومة أو الرئيس اللبناني وليس مع رئيس وزراء مكلف لم يشكل بعد حكومته بعد ثلاثة أشهر من تكليفه.
الحريري في زيارة غير معلنة إلى تركيا
تركيا تسعى لإضعاف الدور الفرنسي ومنافسة السعودية في لبنان
محاولات تركية لاستقطاب تيار المستقبل لإيجاد موطئ قدم ثابت في لبنان
أنقرة كوّنت اتصالات مع تيار المستقبل لزيادة نفوذها على الساحة السياسية

اسطنبول - أجرى رئيس الوزراء اللبناني المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الجمعة زيارة غير معلنة سابقا لتركيا التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في توقيت يشهد فيه لبنان عدة أزمات وتعثر اثر تعثر على صعيد تشكيل حكومة جديدة.

وأعلنت الرئاسة التركية أن الاجتماع "المغلق" عقد في مقر إقامة أردوغان في اسطنبول، فيما تثير الزيارة الكثير من علامات الاستفهام خاصة مع ما يتردد عن مسعى تركي محموم للتغلغل في لبنان من أكثر من بوابة لأغراض جيوسياسية وايديولوجية مع ارتباط جماعة الإخوان المسلمين اللبنانية بتركيا.

وتحرص أنقرة أيضا على زيادة منافسة السعودية التي وان تراجع ثقلها في لبنان بسبب مصادرة حزب الله المدعوم من إيران لسيادة الدولة اللبنانية، تبقى دولة تعديل التوازنات في بلد هيمنت فيه مصالح القوى السياسية على مصالح الشعب العليا.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد زار لبنان عقب الانفجار في أغسطس/اب وفي سبتمبر/أيلول 2020، للدفع باتّجاه إجراء إصلاحات على شتى الصعد وقدم مبادرة لحل الأزمة التزم بها الحريري.

وعقب الزيارة الأولى لماكرون، اتّهمه أردوغان بأنه يسعى مع غيره إلى "إنعاش الفكر الاستعماري مجددا" في لبنان.

وتشهد العلاقات التركية الفرنسية حالة من التوتر بلغ حد اهانة الرئيس التركي لنظيره الفرنسي، حيث وصفه بأنه مريض عقلي.

ويرجح أن تقارب تركيا مع تيار المستقبل يهدف أيضا لإضعاف الدور الفرنسي في لبنان. وقد تزايد الحضور التركي في المنطقة في عهد أردوغان الذي يتصارع على النفوذ مع دول منافسة بينها فرنسا.

وذكر بيان للرئاسة التركية أن الحريري وأردوغان بحثا "تعزيز العلاقات الثنائية العميقة"، كما تطرّقا إلى "سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، فضلا عن سبل التعاون في القضايا الإقليمية".

ويفترض بالمنطق السياسي أن تناقش مثل هذه المسائل مع رئيس الحكومة أو الرئيس اللبناني، وليس مع رئيس وزراء مكلف لم ينجح بعد أكثر من ثلاثة اشهر في تحصيل توافق سياسي لتشكيل حكومته.

الدعم الذي تقدمه تركيا لإخوان لبنان يعتبر سببا آخر للتحرك التركي المحموم لإيجاد موطئ قدم ثابت في لبنان
الدعم الذي تقدمه تركيا لإخوان لبنان يعتبر سببا آخر للتحرك التركي المحموم لإيجاد موطئ قدم ثابت في لبنان

وأعلن مكتب الحريري أن الأخير بحث مع الرئيس التركي "سبل دعم جهود وقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت فور تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان"، وفق الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية.

وجاء في بيان الرئاسة التركية الجمعة أن الرئيس أردوغان جدد التأكيد على استمرار بلاده في "السعي من أجل وحدة الشعب اللبناني الصديق والشقيق" وهي عبارات دبلوماسية للتغطية على جهود التغلغل في لبنان.

وسعد الحريري هو نجل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في العام 2005، وكلّف بتشكيل الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد مرور نحو عام على تنحيه تحت وطأة انتفاضة شعبية غير مسبوقة.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية فاقمتها جائحة كوفيد-19 وتداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع مئتي قتيل ودمّر أجزاء من العاصمة في الرابع من أغسطس/اب.

وبحسب تقرير مترجم نشره مركز البيان للدراسات والتخطيط في أكتوبر/تشرين الأول "كوّنت أنقرة اتصالات مع تيار المستقبل لزيادة نفوذها على الساحة السياسية، إذ أن بعض السياسيين المقربين من سعد الحريري لهم علاقات وثيقة مع تركيا وهذا يعني أن أنقرة تسعى إلى توسيع نفوذها في الساحة السياسية اللبنانية".

وعزا التقرير الاهتمام التركي بلبنان إلى أهداف أساسها توسيع النفوذ في المنطقة وأن ما ظهر من تحركات أنقرة حتى الآن هو أنها أخذت تميل نحو تيار المستقبل في إطار منافسة السعوديين.

والواقع أنها محاولة لاستمالة واستقطاب تيار المستقبل الذي يمثل إلى حدّ ما الطائفة السنّية والذي يمثل سياسيا المكون السنّي في لبنان.

ورأى مركز البيان للدراسات والتخطيط أن "أنقرة ستضع قدر الإمكان الحد الأقصى لكسب ولاء تيار المستقبل على جدول أعمالها وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تتعاون تركيا مع التيارات الأخرى التي تتعاون مع السعودية".

وأشار كذلك إلى أن الدعم الذي تقدمه تركيا لجماعة الإخوان المسلمين اللبنانية يعتبر سببا آخر للتحرك التركي المحموم لإيجاد موطئ قدم ثابت في لبنان في مسار لا يخرج عن سياقات الدعم التركي لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة.

وقالت الدراسة إن "تركيا على توسيع دعمها لشبكة الإخوان المسلمين في المنطقة عبر الدعم الذي تقدمه للعناصر الإخوانية. وباتخاذ هذه السياسة، سيكون لدى أنقرة بعض الجماعات التي تتبنى الأيديولوجية الإخوانية في السنوات المقبلة التي تمتلك القدرة في التأثير على المعادلات الإقليمية".